الأحد 14/يوليو/2024

مخيم اليرموك.. نموذج الدعشنة لمحو الإنسانية (قراءة تحليلية)

مخيم اليرموك.. نموذج الدعشنة لمحو الإنسانية  (قراءة تحليلية)

في قراءة للأسباب والعوامل وراء ظهور تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، لا يمكن إغفال التوقيت والجغرافيا وكثير من الممارسات التي ارتبطت بهذا الظهور، لتكون هي ذاتها المؤشرات التي يمكن من خلالها قراءة الأهداف التي يمكن تحقيقها من خلال هذا النموذج إذا ما اصطلحنا على تسميته “الدعشنة”.

هذا النموذج بمفهومه الاصطلاحي انحرف بانحراف الفكر الذي يتبناه معتنقوه أو مناصروه، لتنحرف معهم مفاهيم القيم الإنسانية، وليتحولوا إلى أدوات يمكن أن توجه أو تقولب وفقا لمضامين تتناغم وبعض الأهداف التي تسعى أطراف معينة لفرضها في مكان وزمان ما، وهذا ما يمكن أن تنطبق عليه الحالة في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في سوريا.

حالة مخيم اليرموك، وما شهده منذ بداية الأول من نيسان/أبريل الجاري، تستدعي مزيداً من القراءة في الأسباب والدوافع والأهداف التي يمكن أن ينتهي بها الحال لتغيير معادلة تحاول بعض الأطراف رسمها

فحالة مخيم اليرموك، وما شهده منذ بداية الأول من نيسان/أبريل الجاري، تستدعي مزيداً من القراءة في الأسباب والدوافع والأهداف التي يمكن أن ينتهي بها الحال لتغيير معادلة تحاول بعض الأطراف رسمها، الأمر الذي دفع باتجاه إخراجها في مشهد يمكن أن تستغل من خلاله الهالة التي أوجدتها أفعال هذه المجموعات من خلال ممارساتها السابقة، والقصد هناك مجموعات داعش.

ولتقديم القراءة التي يمكن من خلالها فهم المشهد بصورته المتكاملة، يتطلب التوقف عن هدفين؛ الأول في المفهوم الظاهري لاستهداف المخيم والذي يتمثل في محاولة سيطرة تنظيم داعش عليه كجزء من محاولة سيطرته على كثير من الأماكن التي يتمدد من خلالها.

ولتحقيق هذا الهدف، فإن أفراده عمدوا إلى عمليات القصف والقتل والدمار بحق أبناء المخيم دون مراعاة لأي من القواعد الإنسانية، بالرغم من أن هدف السيطرة على المخيم لا يمكن أن يتلاقى مع الرؤية الحقيقة التي يقوم عليها التنظيم في مفهوم محاربة النظم والهيئات التي تختلف ورؤيته العملية لإدارة الدولة، وبالتالي ينتفى الهدف الأول بانتفاء ما يمكن أن يحصل عليه التنظيم في حال الافتراض الأول.

كما أن هذا الهدف ينتفي في طبيعة ما تم الترويج له منذ الساعات الأولى لاستهداف المخيم عندما تم الحديث عن السيطرة الكاملة عليه من قبل داعش، بل ومحاولة الحديث عن عمليات خيانة من عناصر المقاومة الشعبية التي توفر الحماية للمخيم، وهي في دلالتها محاولة لتوفير غطاء إعلامي يهدف لتضخيم المشهد أولا وبالتالي تحقيق حالة من الانهيار النفسي، ومن ثم لتوفير غطاء على ما قد يرتكب من جرائم. 

الهدف “الواقعي” الدافع لتنفيذ مثل هذا الهجوم واستهداف المخيم يأتي منسجما مع الرؤية التي لاحقت المخيم في مسيرة معاناته منذ إعلان اليوم الأول لحصاره وقطع المياه عنه

أما الهدف الثاني، وما يمكن أن يطلق عليها الهدف “الواقعي” الدافع لتنفيذ مثل هذا الهجوم واستهداف المخيم يأتي منسجما مع الرؤية التي لاحقت المخيم في مسيرة معاناته منذ إعلان اليوم الأول لحصاره وقطع المياه عنه، ومنع كل سبل الحياة في الدخول عبر أزقته إلى تلك العائلات التي رفضت أن تكون ضمن أجندة أي من الأطراف على حساب وجودها الإنساني الذي تحمله في قضية اللجوء. 

وما يبرز واقعية هذا الهدف، ومبررات طرحه شواهد عدة تتمثل في:

* تكثيف حالة القصف وتزامنها من قبل قوات النظام مع عمليات الاقتحام التي تنفذها مجموعات داعش، وفي ذلك حالة من التناغم الضمني في عملية الاستهداف، والأهداف التي يمكن أن تتحق منها، وهذه تمنح المؤشر الأول الذي يستدعي مزيداً من تدقيق التوقيت وآلية الاستهداف للمخيم، وما يمكن أن ينتج عنها خلال الأيام المقبلة. 

* الاستهداف للمؤسسات الإنسانية والإغاثية العاملة في المخيم، والتي هي بمثابة الرئة التي يلتقط من خلالها أهالي المخيم أنفاسهم الأخيرة ليتمكنوا من البقاء أحياء في ظل استمرار الحصار المفروض على المخيم منذ زمن بعيد، وهذا مؤشر آخر لاستهداف البنية الأساسية وراء صمود المخيم على مدار سنوات الحصار المفروضة عليه، وبالتالي هي محاولة لإنهاء المقومات الأساسية للوجود الإنساني في هذه البقعة الجغرافية الرافضة الانخراط في رؤية تتنافى مع هويتها التي اتسمت بها منذ هجرتها وحالة لجوئها.

* الصمت المغلف بالإيجابية على هذا السلوك من قبل عدد من الأطراف يتناغم ورؤية فرض الحصار على المخيم، وتعمد مساومة ساكنيه على رغيف الخبز المتعفن أو قطرة الماء الملوثة، ورفض أن يكون جزءا من معادلة يساند فيها العدوانية المرفوضة في المفهوم الإنساني. وهي ذات الأطراف التي عمدت في بداية الهجوم الداعشي على توفير الأجواء المتكاملة لتسهيل هذه المهمة.

 إن تكاملية هذه الشواهد بشموليتها وتفصيلاتها، يمكن أن تبرز المشهد الرئيس الذي يمكن أن يتحقق في استغلال الاسم أو الأدوات لتنفيذ عملية السيطرة على المخيم بهدف الوصول إلى شكل يمكن من خلاله إما توفير غطاء متكامل للإقدام على عملية محو متكامل لوجوده، وبالتالي سحب أي مبرر من أي طرف كان في اتهام استهداف الإنسانية البريئة، وتنفيذ هذه الاحتمالية يتطلب الزج بمجموعات داعش تحت مسمى “دعشنة المخيم” واعتباره فيما بعد منطقة يسيطر عليها هذا التنظيم ومن ثم إيجاد المبرر للاستهداف.

أما الرؤية الثانية فتقوم على توفير الأجواء لسيطرة أطراف تتناغم في رؤيتها للمخيم مع الرؤية الأولى، لكن المشهد الإخراجي هذه المرة بطولي في تسليم وتسلم المخيم من خلال توافق يخرج عبر عدسات الكاميرات على أنه عمل إنساني، إلا أن هذا الرؤية وإن تحققت لن يتمكن مخرجوها من إقناع الجمهور بواقعيتها، فالممثلون في هذا المشهد هم أصحاب المشهد الرئيسي في محاصرة الإنسانية داخل المخيم ذاته.

وفي النهاية، فإن مخيم اليرموك بإنسانيته الصامدة على مدار عامين متواصلين على الأقل، كانت وما زالت تشكل الدبوس الذي يوخز الضمير الإنساني بمختلف مكوناته، وقد تكون هذه المحاولة التي تستهدف إزالة هذا الدبوس حتى يريح من يوخزه. 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات