السبت 05/أكتوبر/2024

نتائج انتخابات الكنيست وتداعياتها على الوضع الفلسطيني (تحليل)

نتائج انتخابات الكنيست وتداعياتها على الوضع الفلسطيني (تحليل)

خلافا لاستطلاعات الرأي وتوقعات العديد من المراقبين، أسفرت الانتخابات الصهيونية في 17 آذار الماضي عن حصول حزب الليكود على أعلى عدد من المقاعد -30 مقعدا-، متفوقا على منافسه “المعسكر الصهيوني” بستة مقاعد، وهو ما يدفع نتنياهو لرئاسة الوزراء من جديد مستندا إلى أغلبية يمينية مريحة، يبلغ تعدادها 67 مقعدا، قوامها حزب “كلنا” المنشق عن الليكود لخلافٍ في البرنامج الاجتماعي ويرأسه موشيه كحلون، وحزب “البيت اليهودي” القومي المتطرف والداعم بشدة للاستيطان برئاسة نفتالي بينيت، وحزب شاس الذي يمثل المتدينين الشرقيين ويرأسه أرييه درعي، وحزب “يهودية التوراة” الحريدي المتزمت، وحزب “إسرائيل بيتنا” برئاسة ليبرمان.

وتجدر الإشارة إلى عدم وجود فرق جوهري في مواقف قطبي التنافس على الحكومة الإسرائيلية (اليمين واليسار) بشأن القضية الفلسطينية؛ إذ إنهما يتفقان على أن تكون القدس موحدة لـ”إسرائيل” وعلى عدم عودة اللاجئين الفلسطينيين، وعلى الاحتفاظ بغور الأردن، وهو ما يعني عمليا عدم التوصل إلى اتفاق نهائي وعدم قيام دولة فلسطينية. إلا أن فظاظة نتنياهو وتماهيه مع الخطاب شديد التطرف يجعله مضطرا لدفع أثمان إضافية في سبيل تسيير العلاقات الدولية وخصوصا مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وعقب الانتخابات كان على نتنياهو تفقد الخراب الذي أحدثه أثناء حملته الدعائية؛ إذ كان قد اضطر إلى إصدار تصريحات متطرفة وضارة سياسيا في سبيل استقطاب جزء من ناخبي الأحزاب اليمينية الصغيرة؛ ففي سابقة لم تصدر عن رئيس وزراء “إسرائيلي” منذ بدء مسيرة التسوية قبل 29 عاما، صرح نتنياهو بأنه لن تقوم دولة فلسطينية ما دام رئيسا للوزراء، كما استنفر جمهور اليمين بقوله إن العرب يتوجهون للتصويت “كالأسراب”.

 ويضاف إلى ما سبق زيارته الكونغرس دون تنسيق مع الرئيس أوباما؛ وإلقاء خطاب مناهض لتوجه الإدارة الأمريكية لإبرام اتفاق مع إيران بشأن ملفها النووي، وذلك لإثارة المخاوف الأمنية لدى الجمهور “الإسرائيلي” وإظهار نفسه بمظهر الرجل القوي المستعد لمواجهة الرئيس الأمريكي في سبيل تحقيق أمن “إسرائيل”.

وهكذا فقد وصل نتنياهو إلى صدارة المشهد ولكن مع علاقات متوترة بشكل غير مسبوق مع الولايات المتحدة والجمهور العربي في الأراضي المحتلة عام 1948 والسلطة الفلسطينية.

أوباما يرد

ولم يتأخر الرد الأمريكي كثيرًا، وكأن أوباما ينتظر أخطاء كهذه من “حليفه اللدود” نتنياهو؛ فعقب خطاب المناكفة في الكونغرس قام أوباما بتعيين الدبلوماسي المخضرم “روبرت مالي” مستشارًا له لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومن المعروف عن الرجل علاقته الجيدة بحركة حماس، وقناعته بأن عدم الاعتراف الدولي بنتائج الانتخابات الفلسطينية عام 2006 كان خطيئة ترتب عليها العديد من التداعيات السلبية.

وعقب تصريحات نتنياهو بشأن الدولة الفلسطينية صرح أوباما بأنه هو والجمهور “الإسرائيلي” يصدقون نتنياهو حينما يقول أنه لا يريد حل الدولتين! بما يشير إلى أنه يريد تثبيت هذا الموقف على قائله ومنعه من التنصل منه تمهيدًا للضغط عليه وابتزازه به، سواء في الملف الفلسطيني أو في ملف الاتفاق النووي مع إيران. كما صدر تصريح عن الإدارة الأمريكية بأنها ستعيد النظر في سياستها تجاه التعامل مع القرارات المتعلقة بـ”إسرائيل” في مجلس الأمن، فيما يعد تلويحا بأن الفيتو الأمريكي لن يكون مضمونا بالضرورة في حال إصرار نتنياهو على تحدي مواقف أوباما.

وفي تطور لافت قال كبير موظفي البيت الأبيض أمام مؤتمر اللوبي الصهيوني اليساري في الولايات المتحدة “جي ستريت”، بأن إسرائيل لا يمكنها أن تحكم شعبا آخر إلى الأبد وأنه يجب إنهاء “الاحتلال الاسرائيلي المستمر منذ عقود”، وهي تصريحات غير مسبوقة في تاريخ الإدارات الأمريكية.

وفي وقت لاحق قدمت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرا إلى الكونغرس بحجم الاستثمارات “الإسرائيلية” في المستوطنات؛ تمهيدا لخصمها من الضمانات المالية التي توفرها الولايات المتحدة لـ”إسرائيل”، وعلى الرغم من أن ذلك يأتي وفقا لاتفاق سابق بين الطرفين؛ إلا أن السير بالخطوات العملية له يعد دليلا إضافيا على مساعي الإدارة الأمريكية للضغط على نتتنياهو.

دلالات الخلاف وتداعياته

يدل الخلاف بين إدارة أوباما واليمين “الإسرائيلي” الذي يمثله نتنياهو على تعارض مصلحة الطرفين في ملفين رئيسين؛ هما الاتفاق النووي مع إيران وحل الدولتين، ففي حين تستطيع الولايات المتحدة التكيف مع إيران نووية و/أو ذات نفوذ واسع في الشرق الأوسط، فإن هذا يشكل تهديدا أساسياً لنفوذ “إسرائيل” المرتكزة على تفوقها النوعي على محيطها، وفيما يشكل حل الدولتين، أو استمرار التفاوض حوله، مصلحة أمريكية تدعم سياسة الولايات المتحدة وتقوي علاقتها بحلفائها “المعتدلين” من العرب، فإن اليمين “الإسرائيلي” الذي يزداد تطرفا وعنصرية تجاه الفلسطينيين والعرب داخل “إسرائيل” وخارجها لم يعد يطيق سماع الحديث عن دولة فلسطينية، أو عن تقسيم القدس أو وقف الاستيطان فضلا عن الانسحاب من بعض المستوطنات، ويحاول جاهدا أن ينقل جبهة الصراع لتصبح مع “الإرهاب الإسلامي” مع ما يستلزمه ذلك من تحالف بين “إسرائيل” ودول الاعتدال وعلى رأسها مصر. 

هذا الاختلاف في المصالح سيدفع الولايات المتحدة ودول أوروبية إلى إعداد مشروع تسوية واستخدام الأدوات السياسية والاقتصادية لإلزام “إسرائيل” بقبوله، فمن غير المتوقع أن تقبل القوى الدولية الكبرى بأن يشوش اليمين “الإسرائيلي” على مصالحها في المنطقة، والتي تقتضي بقاء مسار التسوية فاعلا بما يعزز التحالف مع الدول السنية. 

 وقد ظهر هذا التوجه في المساعي الفرنسية لبلورة مشروع تسوية للقضية الفلسطينية على أساس حدود العام 1967 مع إمكانية تبادل الأراضي، وأن تكون القدس عاصمة للدولتين، والاستناد إلى المبادرة العربية للسلام، التي تعرض تطبيع علاقات الدول العربية مع “إسرائيل” مقابل قيام دولة فلسطينة على حدود ال67. وتشير هذه المبادرة إلى الرغبة في استثمار موقف نتنياهو الحرج لتحريك المفاوضات، فيما تعد العودة إلى المبادرة العربية، جزءا من استرضاء المملكة العربية السعودية الغاضبة من مشروع الاتفاق النووي مع إيران، ويضاف هذا الثمن إلى غضّ النظر الدولي، والدعم الأمريكي للحملة السعودية على الحوثيين والرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح.  

ثمن التطرف

وعقب فوز نتنياهو؛ فمن المتوقع أن يزداد ضعف الشرعية الدولية لـ”إسرائيل”، في ضوء الإشكالات مع الولايات المتحدة وأوروبا، والتي تركت آثارها السلبية على الغطاء الذي توفرانه لجرائمه. وهو ما قد يقلل من حريته في شن عدوان جديد على قطاع غزة ما لم يحظ بغطاء إقليمي. خاصة وأن فترة العدوان “الإسرائيلي” الأخير على القطاع شهدت تزايدا غير مسبوق للمواقف الشعبية والرسمية المنددة بالجرائم والسياسات “الإسرائيلية” تجاه الفلسطينيين، وظهرت معالم ذلك في قرارات منظمات الأمم المتحدة بحق “إسرائيل” واعتراف العديد من البرلمانات الأوروبية بالدولة الفلسطينية، في تعبير عن تغيير في المزاج الشعبي الأوروبي تجاه “إسرائيل”.

وقد اضطر نتنياهو إلى البدء بتسديد الأثمان والتعويض عن سلوكه قبَيل الانتخابات، إذ حاول تأويل تصريحاته بشأن الدولة الفلسطينية، قائلا أن الأوضاع على الأرض لا تسمح بقيامها، كما أصدر تصريحات تصالحية تجاه فلسطينيي ال48، وأصدر قرارًا بالافراج عن الضرائب المستحقة للسلطة لغاية شهر شباط 2015 بعد خصم بعض الديون “الإسرائيلية” منها. إلا أنه لا يستطيع الذهاب بعيدا في هذا المسار؛ وذلك بفعل تحالفه طويل المدى مع اليمين المتطرف الذي لن يعجبه تنازل نتنياهو عن وعوده الانتخابية.

وبدورها تعول السلطة على التحرك الفرنسي لإحياء المفاوضات، وتنسق مع الأوروبيين لتكثيف الضغط على حكومة نتنياهو، كما تستمر في مسار محاكمة “إسرائيل” في محكمة جرائم الحرب الدولية التي أصبحت عضوا فيها في الأول من نيسان الجاري. وعلى الرغم من محاولتها إحياء المصالحة في ضوء نتائج الانتخابات ومفاوضات التهدئة في غزة، فقد قامت بتصعيد مفاجئ عقب الحملة السعودية على الحوثيين، في محاولة لاغتنام الفرصة والضغط على حركة حماس.

تقارب فلسطينيي الداخل

ومن أبرز ما أظهرته الانتخابات ازدياد تقارب فلسطينيي ال48 في ظل شعورهم بخطر استهداف اليمين المتطرف لهم، والذي ظهر على شكل العديد من القوانين ومشاريع القوانين العنصرية، مثل قانون المواطنة وقانون القومية “يهودية الدولة”، فللمرة الأولى من قيام دولة الاحتلال توحد العرب في قائمة واحدة كما ارتفعت نسبة مشاركتهم في التصويت لتبلغ 65 بالمائة، وهو ما أسفر عن نيلهم 13 مقعدا، بزيادة مقعدين عن الدورة السابقة، وليشكلوا ثالث أكبر كتلة في الكنيست.

ومن المتوقع أن يكون جوهر العمل والخطاب للكتلة الموحدة هو الدفاع عن حقوق فلسطينيي ال48 في المساواة والحفاظ على هويتهم الخاصة وتراثهم، وفي حين قد تختلف الأحزاب العربية بشأن ملفات الأمن والسياسة الخارجية لـ”إسرائيل” فإنهم يتفقون على مواجهة التهميش الاجتماعي والاقتصادي، ولعل ذلك ما دفع القائمة الموحدة إلى المطالبة بنيل مقعدين إضافيين في لجنة المالية بالكنيست مقابل التنازل عن مقعديها في لجنة الخارجية والأمن.

التداعيات على غزة والقدس

إن تشكيل حكومة “إسرائيلية” برئاسة نتنياهو يعد تقييدا لحرية حركة الكيان في استخدام القوة العسكرية تجاه غزة؛ في ظل تضييقه على المسار السياسي وتوتر علاقته بالإدارة الامريكية، إلا أن تشكيلة التحالف الذي ستقوم عليها الحكومة سيكون لها تأثير جزئي بشأن الحرب؛ ففي حال تشكيل حكومة يمين ضيقة فإن استعدادها للعدوان سيكون أكبر، ولكن قدرتها على المضي به بعيدا ستكون محدودة، أما في حال تشكيل حكومة وحدة وطنية فإن القدرة على القيام بعدوان وتسويقه دوليا ستكون أكبر، ولكن الرغبة في المبادأة به ستكون أقل؛ وذلك في ضوء رغبة المعسكر الصهيوني في التركيز على الملفات الاقتصادية والاجتماعية وتفعيل مسار التسوية السلمية. وفي ظل حكومة كهذه فإن فرصة تخفيف الحصار والبدء بالإعمار ستكون أفضل، وإن كانت الضغوط الدولية ستجبر نتنياهو على عدم إحكام الحصار أو منع الإعمار بشكل تام، وذلك بغض النظر عن تشكيلة حكومته.

وفي ملف القدس؛ فمن المتوقع أن يستمر مسار تهويد المدينة وعزلها عن الضفة الغربية، إضافة إلى استمرار مساعي اليمين الديني لتقسيم المسجد الأقصى -خصوصا في حال تشكيل حكومة يمين ضيقة- وذلك بوتيرة ترتبط بالضغوط الخارجية ومدى فاعلية أعمال المرابطين فيه من سكان القدس وفلسطينيي ال48 .

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات