السبت 05/أكتوبر/2024

نتائج الانتخابات الإسرائيلية.. الثابت والمتغير (قراءة تحليلية)

نتائج الانتخابات الإسرائيلية.. الثابت والمتغير (قراءة تحليلية)

تمهيد:
على مدار الوجود الاحتلالي للأرض الفلسطينية، ومنذ عقد انتخابات أول “كنيست إسرائيلي” للاحتلال على هذه الأرض، لا يمكن أن نتحدث عن تغير في سياسات الاحتلال تجاه القضية الفلسطينية، فهو؛ أي المحتل يطمع بكل شبر من الأرض، وسياسته تتغير قوالب تطبيقها مع ثبات الهدف والرؤية التي تسعى لتحقيقها.
 
هذا المنطلق يدفعنا إلى الحديث عن نتائج الانتخابات “الإسرائيلية” للكنيست الـ 20، وكيف أن البعض يحاول أن يصور هذه الانتخابات محطة تغيير في الرؤية الاحتلالية للقضية الفلسطينية بشموليتها، أو في بعض الجزئيات، لكنها في حقيقتها تسير في ثبات.
 
وعند الحديث عن هذا الأمر، يتطلب أن نستحضر عدة عناصر رئيسية، يمكن أن نطبق عليها مقياس الثبات والتغير، وكيف يمكن إيجاد بيئة من شأنها أن تجبر حالة الثبات في سياسة الاحتلال إلى إعاقة تحقيق التطلعات التي تسعى لها، أو ربما الحيلولة دون قدرة تنفيذها على المستوى البعيد.
 
ثبات السياسة الاحتلالية
إن الأسس التي قام عليها الاحتلال من مصادرة الأرض وتهويديها، ومحو الهوية الفلسطينية بكافة مكوناتها إلى جانب تهجير الإنسان الفلسطيني وإحلال “المستوطن اليهودي”، تنبع من الرؤية الوجودية لهذا الاحتلال على هذه الأرض والتي يمكن أن تتشكل من:

1- الأيديولوجية اليهودية: إن طرح بنيامين نتنياهو، مفهوم الاعتراف بـ”يهودية الدولة” كشرط الاعتراف بدولة فلسطينية، يجعل من الحديث عن “الأيديولوجيا” كمرتكز رئيس لقيام “دولة الاحتلال” وأحد الثوابت الرئيسية التي قامت عليها، وهو ما يجعل مفهوم طرح “يهودية الدولة” لم يتأت بسياق التطور، وإنما كحالة طبيعية لرؤية الاحتلال. وهذا ما يعززه حديث نتنياهو في أعقاب فوز حزبه في انتخابات الكنيست الـ20، والتي يؤكد من خلالها أن مواقفه لم تتغير من مفهوم حل الدولتين إذا لم يتم تحقيق شرطين أحدهما “يهودية الدولة”.

2- مصادرة الأرض الفلسطينية؛ فعلى الرغم من تكالب العشرات من الحكومات “الإسرائيلية” على سدة الحكم، بمختلف منابعها الفكرية (اليمينية، اليسارية، الوسط)، إلا أنها جعلت من مصادرة الأرض أحد ثوابتها ومرتكزاتها.

3- الاستيطان؛ يحاول البعض توصيف هيمنة اليمين الصهيوني على منابع الاستيطان والتحكم بالوتيرة التي يتجذر من خلالها في الأرض الفلسطينية، إلا أن هذا ليس من الواقع الممارس على الأرض. وهذه ما يوثقه ياغيل ليفي في مقالة له بصحيفة هآرتس”[1]“، حيث يرى أنه منذ العام 1993، وفيها دخلت تعهدات حكومة إسحاق رابين بتجميد إقامة مستوطنات جديدة حيز التنفيذ، إلا أنه نما عدد المستوطنين بـ 10% سنويا باعتباره “نموا طبيعيا” واستمر البناء في المستوطنات القائمة. وهذا المعدل بقي يرواح الانخفاض قليلا تارة والصعود ثانية خلال الحكومات التي تلت حكومة رابين إلى يومنا هذا.

4- تهويد القدس؛ مدينة القدس المحتلة هي صاحبة الحظ الأوفر والاهتمام الأكبر لدى حكومات الاحتلال المتعاقبة بمختلف منابعها الفكرية، فالمدينة المقدسة، بالنسبة لحكومات الاحتلال لا تتعدى كونها “عاصمة أبدية” لكيانه، وهذا ما يبرز في السياسات الاحتلالية على مدار احتلاله للمدينة وحتى اليوم. فمدينة القدس وتهويدها لا يخضع لبرامج الحكومات بقدر كونها تتبع لسياسة “كيان الاحتلال” القائم، وسياسة تهويدها تأتي ضمن البرنامج “الصهيوني” العالمي.

5- الدولة الفلسطينية؛ الدولة الفلسطينية بمفهومها الاصطلاحي، لا تتعدى في “الرؤية الاحتلاليه” عن سلطة إدارية تزيح من عبء الإدارة اليومية التي تقع على عاتق الاحتلال، وهذه الرؤية تتناسق مع ما طرح في اتفاق أوسلو، وما بني عليه من اتفاقات وقعت برعاية دولية ولا تزال تطبق برؤية “إسرائيلية” تتماشي مع الظرف الأمني الخاص بها.
  

المتغير في سياسة الاحتلال
إن مفهوم المتغير في سياسة الاحتلال تجاه القضية الفلسطينية، يمكن أن يتأتي على شكل عدة محاور تتمثل في:

– متغير الأدوات؛ يبرع الاحتلال في استحداث الأداوت وتغييرها لتطبيق مخططاته على الأرض، مستغلا في ذلك العديد من العوامل الداخلية والخارجية، ومن أبرز وأهم هذه الأدوات؛ المفاوضات، وكذلك الاتفاقيات الثنائية التي يتنصل في غالب الأحيان من استحقاقاتها، أو استغلالها لتحقيق وقائع على الأرض، هذا إلى جانب الأدوات الأخرى التي يلجأ لها لتنفيذ هذه السياسات.

– متغير الأشخاص وتبادل الأدوار؛ يعكف الاحتلال على التنويع في شخصيات قيادته على كافة المستويات، ومن كافة المنابع، وهي تأتي بسياقها الطبيعي من خلال مفهوم العمل المؤسساتي داخل الاحتلال، ويوجد الاحتلال “هالة” حول العديد من شخصياته وقياداته قد تكون مقدمة لتحقيق خطوات ما؛ إذا ما تم تغيير الشخصيات، كما أن تبادل الأدوار أحد السمات الرئيسية التي يحاول الاحتلال اللعب على وترها في كثير من المواقف وتنفيذ السياسات، وهو ما يجعل إمكانية تطبيق الاستراتيجيات للاحتلال ثابتاً رغم تغير الأشخاص.

– متغير المتناقضات الإقليمية والدولية؛ وهذه تبرز في كيفية استغلال الاحتلال للمتغيرات الدولية والإقليمية لتنفيذ سياساته، ويمكن أن يلمس مثل هذا المتغير في انتهاج الاحتلال لمفهوم “الدبلوماسية” تارة، والقوة تارة أخرى.
 

الرؤية الفلسطينية لنتائج الانتخابات
في دراسة نتائج الانتخابات المتعاقبة للكنيست الصهيوني منذ وجود الاحتلال، وحتى اليوم، لا يمكن أن نغفل الرؤية الفلسطينية لها، أو لنقل على الأقل “الأمل الفلسطيني” من نتائج هذه الانتخابات، إلا أنه ومن باب الواقعية في قراءة هذه الرؤية يتطلب تقديمها وفقا لمحورين:

الأول: السلطة الفلسطينية، وتنبع رؤيتها في الأمل تجاه مفهوم عملية السلام والأفق السياسي القائم على أساس قيام دولة فلسطينية، وفقا لما يمكن أن تمنح على أساس الاتفاقيات التي وقعت أو تسعى لتوقيعها مع حكومات الاحتلال، وفي غالبها لا زالت لا تحقق الرؤية الفلسطينية، أو على الأقل توفير الحد الأدني من هذه الرؤية، بل إنها تأخذ منحى التراجع أكثر منه التقدم.

وتأتي رؤية السلطة الفلسطينية من خلال المحددات التالية:
– ترحيبها للتعامل مع أية حكومة “إسرائيلية” يتم تشكيلها، وهذه نابعة من عدم قدرتها رفض التعامل مع أي من حكومات الاحتلال بغض النظر عن تركيبها أو أيديولوجيتها، وهذا الأمر يقع ضمن الأسس التي جاءت بمفهوم السلطة على الأرض، وعليه فإن التنكر للتعامل مع أي من الحكومات “الإسرائيلية”، يعني رفض الأسس التي قامت عليها السلطة، وبالتالي تهديد وجودها كمؤسسة إدارية، أو تهديد مستقبل وجود الشخصيات التي تقف على رأسها.

– تفضيلها الحكومات اليسارية أو الوسط على الحكومات اليمينية؛ وهذا قائم على اعتقاد أن حالة التشدد في الحكومات اليمينة من شأنها أن تعرقل الخطوات للمضي في عملية السلام والمفاوضات، وبالتالي عدم تحقيق أي إنجاز على هذا الصعيد.
 
إلا أن هذه الرؤية، التي تقوم عليها السلطة الفلسطينية تجاه تشكيل الحكومات “الإسرائيلية” تفتقر إلى بعض الأسس الرئيسية التي تقوم عليها هذه الحكومة، والتي تتمثل في “استراتيجية” الاحتلال كنظام يقوم في أساسه على سلب الحقوق.
 
الثاني: رؤية المقاومة الفلسطينية؛ وهي رؤية تقوم على نقيض الرؤية التي تقرأ من خلالها السلطة الفلسطينية مفهوم تشكيل حكومات الاحتلال، وبالتالي فإن الحديث عن نتائج انتخابات الكنيست لا يتعدى كونه حديثا عن تغيير في وجوه شخوص يسعون جميعا لتنفيذ سياسات ثابتة. وما يعزز ذلك المنطلقات التالية:

1- ثبات رؤية المقاومة من الاحتلال، وعدم التعامل معه وفقا لجزئيات وإنما كنظام متكامل وضمن مفهومة الاحتلالي.
2- مفهوم الاستقلال والتحرر يأتي في تحصيل الحقوق كاملة دون تجزئتها.
3- عدم التمييز بين التيارات التي تدير حكومات الاحتلال، سواء اليسار أو اليمين أو الوسط، بل هي في مجملها تمثل مؤسسة احتلالية.
4- العمل على تطوير قدرات المقاومة وأدائها، ورفض التخلي عن مواقفها ضمن مفهوم عملية السلام والمفاوضات.
 
إن الحديث عن نتائج انتخابات الكنيست الـ20، وفي ظل ما يجري من تغيرات إقليمية ودولية، وفلسطينية داخلية، يعزز من الرؤية التي قام عليها الاحتلال منذ وجوده، والمتمثلة في “نهج” مستمر لتحقيق استراتيجية تحافظ على وجوده، بغض النظر عن أي تطورات، وهذا بالتالي يعزز من الموقف الثابت في أن الاحتلال يحتاج إلى مقاومة تطور من قدراتها وذاتها لدحره، وعدم الوقوع في شرك تجزئة عملية التحرير.

………………………………………………………………………
[1] – ياغيل ليفي، صحيفة “هآرتس” العبرية، عدد 27 فبراير 2015.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات