الثلاثاء 13/مايو/2025

خالد شملخ يدفن (17عاماً) من الأمية بالماجستير

خالد شملخ يدفن (17عاماً) من الأمية بالماجستير

استطاع أهالي غزة تغيير المزاج العام نحو كثير من الأحداث، وتبدو معادلات الحياة أصعبها وأعقدها.. لتكون حكاية خالد حامد شملخ الذي دفن (17عاماً) من الأمية.. واستهل طريق الماجستير واقعا عمليا عرفته الإرادة الغزية التي تجعل من ظلمة الحصار نوراً  للعلم…“المركز الفلسطيني للإعلام” كان له حديث شيق مع تجربته التي اختزلها قائلا: “إن كان العلم في الصغر كالنقش على الحجر، فلا حرج من النقش عليه في الكبَر”.

 قنبلة موقوتة

كثير ما كان يشعر شملخ بالألم وهو ينصت إلى أحاديث أصدقائه المتعلّمين بتمعن، ويشدّهم المجلس للخوض في علم وينتقلون إلى آخر وهو صامت؛ خوفاً من إدلاء برأي أو تعليق سريع يتحول فيه إلى مادة للسخرية.

 فكان السكوت أبلغ ما يعبر به عما يجول في خاطره، وما كان يخطر بباله سوى فراغ كبير تركه دون إجابة منذ حصوله على شهادة الصف السادس حيث كان يبلغ “11 عاماً” فقط، وبالكاد يستطيع القراءة والكتابة.

 ذلك الصمت أشبه ما يكون بالنسبة له بالقنبلة الموقوتة، والتي ضبط زارعها مؤقتها لتنفجر بعد “17 عاماً” من الأمية، ولتحرك في نفسه مياه العلم الراكدة، فتحيّن الفرصة المواتية لشق طريق العلم من جديد.
 
ولم يقف زواجه وأبناؤه وعمله الذي يستمر لأولى ساعات الليل كموظف في الدفاع المدني عائقاً أمامه للوصول إلى حلمه المنشود والذي كان يقتصر فقط على معرفة القراءة والكتابة والحصول على شهادة الثانوية العامة ليس إلا، فكان لها، وباتت رسالة الماجستير أقرب ما يكون لنيلها، ولن تكون الأخيرة.

ويتحدث شملخ لـ“المركز الفلسطيني للإعلام” عن ظروف تركه لمقاعد الدراسة في الحادي عشر من عمره قائلا: “لم أبالِ حينها ولم أشعر برغبة في مواصلة التعلم، كنت صغير السن ولا أقدّر الأشياء بشكل صحيح، فلم أكن أُولي العلم أي قيمة تُذكر، إضافةً إلى الظروف السياسية وقتها، حيث الانتفاضة مشتعلة وعدد كبير من الأطفال اضطروا لترك الدراسة، كما أن الظروف الاقتصادية الصعبة كانت عاملا رئيسيا في ذلك، عملت بعد ترك الدراسة في الزراعة حيث إن عائلتنا غالبيتها من المزارعين”.

 رحلة العودة للدراسة

وأشار إلى أن الشرارة التي أشعلت في نفسه فتيل العلم هي رؤيته أصدقاءه وشباب جيرانه ومن شاركه مقاعد الدراسة قد تخرجوا من الجامعات أو على الأقل حصول أحدهم على شهادة الثانوية العامة.

 وأضاف: “حدثتني نفسي بالعودة واستكمال الدراسة على الرغم من تأخري، حيث كنت أشعر بالنقص خاصة عندما كنت أجلس بين شباب متعلمين وأنا دونهم غير متعلم، كنت أشعر وكأني أقل منهم درجات، فلا أستطيع مجاراتهم فيما يخوضون من أحاديث الدراسة والجامعة، وكأني كذلك أجلس وحدي”.

 ومضى في حديثه: “شعرت برغبة قوية للعودة للدراسة، ولكنها تأخرت كثيراً بسبب ظروف العمل في الزراعة، فسجّلت لأول مرة في التعليم الموازي لاجتياز امتحان تحديد المستوى عام 2007، حيث يحصل الدارس على شهادة محو الأمية وهي تعادل شهادة الصف التاسع، وتستمر سنتين متواصلتين لأصبح مؤهل لخوض امتحانات الثانوية العامة والحصول على الشهادة”.

 وبين أنه امتحان ليس بالسهل على طالب شبه أمّي  بل يمكن القول أنه صعبٌ جداً خاصة مع ابتعاده عن العلم طيلة “17 عاماً”، كما أنه ليس متفرّغاً للدراسة، حيث يخرج من بعد الفجر للعمل.

حلم الجامعة

وأوضح، أن سبب التحاقه بجامعة الأزهر بغزة للحصول على شهادة البكالوريوس في تخصص التربية الإسلامية، هو ليتعلّم أمور دينه ولتعليم أبنائه إياها، واستجابةً لقوله صلى الله عليه وسلم” بلّغوا عني ولو آية”.

وفي حديث تفوقه قال: “أنهيت دراستي الجامعية في ثلاث سنوات ونصف بدلاً من أربع، وكنت أول من تخرج من طلاب دفعتي بمعدّل 75%، وحالياً النية أكيدة وموجودة للتسجيل لرسالة الماجستير في شهر مايو المقبل إن شاء الله، والدكتوراه بعدها؟ لمَ لا؟”.

والهدف الذي وضعه أمامه للوصول إليه، هو ما جعل شملخ يحاول قدر المستطاع التوفيق بين عمله ودراسته، فيقول بعد تعب سنوات: “بصراحة تعبت، وكانت أغلب دراستي تبدأ بعد صلاة الفجر حيث يبدأ بعدها عملي في الدفاع المدني، ما دفعني للمواصلة وتنظيم وقتي هو أن المتعلم ليس كغير المتعلم وحتى نظرة الناس تختلف، كما أن حرصي على تعليم أبنائي دفعني إلى المضي قدماً”.

وهذا الأمر جعل حياته بعد أن غرف من بحر العلم ليست كما هي قبل، فكل شيء بالنسبة له بات مختلفاً، فمعاملة الناس له، ونظرته للحياة، وتفتح عقله، بل تمكنه من قراءة القرآن وحدها، إنجاز يستحق كل ما بذل من جهد.

وأضاف: “أصبحت الآن أحاور أصدقائي المتعلمين ولا أكتفي بالصمت أمامهم، كما أنني بتّ أشد حرصاً على تعليم أبنائي بل وتفوقهم، فأنا لا أرضى لأبنائي إلا التفوق، أنس وبسمة هما الأوائل على مدرستيهما”.

وأشار إلى أن الوالدين أكثر المشجعين له، إضافة لتشجيع زوجته، وزملائه الطلاب وأساتذته في الجامعة الذين أثنوا مجتمعين على خالد لإقدامه على هكذا خطوة قد يعتبر البعض أن الأوان قد فات عليها.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات