السبت 06/يوليو/2024

ما بعد (القنيطرة)

لمى خاطر
عندما سمح النظام السوري بخروج مسيرات من الجولان باتجاه الحدود الفلسطينية في ذكرى نكبة فلسطين عام 2011، توقّف كثير من المتابعين عند هذه المحطّة وطرحوا تساؤلات حول توقيت هذا التغير غير المسبوق على هذه الجبهة، وكان هناك شبه إجماع بأن تلك الخطوة كانت فقط بمثابة تنفيس من قبل النظام الذي كان يواجه في شوارع سوريا ثورة شعبية متصاعدة.

وبعد تنفيذ الاحتلال الصهيوني عدة غارات على مواقع للسلاح في سوريا (بحجة أن السلاح كان في طريقه لحزب الله) توعّد النظام السوري إسرائيل بالرد، وبإمكانية فتح جبهة للمقاومة الشعبية من الجولان.غير أن الخطاب الذي تصدّر المشهد ظلّ يؤكد على أن معركة النظام الداخلية (أي ضد الثورة المسلحة) هي معركة ضد المجموعات الذي يتهمها النظام بأنها تخدم المشروع الصهيوني كونها تهاجم الجيش السوري، رغم أن منطلقات الثورة كانت البحث عن الكرامة والحرية والعدالة، وهي القيم الأكثر غياباً في الساحة السورية.. لم يتغيّر خطاب النظام في توصيفه لمعاركه ضد المدنيين والمسلّحين على حد سواء، حتى بعد أن قادت أمريكا حلفاً دولياً لضرب تنظيم الدولة المناوئ للنظام السوري، وفي وقت نجد فيه أن منظّري النظام لا يتورّعون عن اتهام كلّ معارض للنظام بأنه واقف في الخندق الإسرائيلي (من باب أن الإسرائيلي يستهدف الجيش السوري) فإنه يغيب عنهم في المقابل معنى وقوفهم أيضاً ولو بصورة غير مباشرة في الخندق الأمريكي الذي يستهدف عدواً مشتركاً يتمثّل بداعش وتنظيمات السلفية الجهادية في سوريا والعراق!

هذا الخطاب الحادّ الموغل في التطرّف ظلّ ملازماً للنظام والمحسوبين عليه حتى بعد حادثة القنيطرة التي اغتالت فيها إسرائيل ستة من كوادر حزب الله من بينهم نجل الشهيد عماد مغنية، ورغم أن التطور الجديد كان يتطلّب انفتاحاً باتجاه الأمة وجمهورها وفصائل المقاومة فيها، وتخلّياً عن نزعة الغرور والتعالي، والكفّ عن التحدث بمنطق احتكار محور المقاومة واعتباره هيكلاً مقدّساً ومعياراً تقاس عليه المواقف، إلا أننا وجدنا لدى الخطاب السوري الرسمي ومعه أبواقه المعروفة نزوعاً للهروب إلى الأمام باتجاه اتهام (الآخر) ومطالبة لحركات مقاومة مثل حماس بأن تعود للحظيرة السورية، وكأنّ حماس من حرفت بندقيتها عن معركتها مع الكيان أو ولغت في دماء الأبرياء!

مثل هذا النفَس الذي يأبى الإقرار بالأخطاء التاريخية بحق الأمة ومشروع المقاومة فيها، ولا يرى ضرورة لمراجعة المسار في وقت تتعاظم فيه التهديدات الإسرائيلية، لن يؤسس لعلاقة مرنة ومثمرة بين التيارات التي تتبنى مشروع المقاومة، مثلما أنه لن يساعد حزب الله في استرداد مكانته لدى جمهور الأمة في حال قرر فتح جبهة مواجهة مع المحتل أو حتى الردّ على عدوانه بشكل موضعي مركّز، فالحاضنة الشعبية المساندة للمقاومة لا تقلّ أهمية عن فعل المقاومة نفسه، وهذه الحاضنة يجب أن تكون أوسع من جمهور الحزب نفسه، ولعلّ نظرةً على المزاج الجمعي للأمة خلال حرب 2006، وكذلك خلال حرب غزة الأخيرة تفسّر تلقائياً أهمية الجذور الشعبية الحاضنة لأي تيار مقاوم.

خلال مداولاته المتعلّقة بالرد على عدوان الاحتلال، نتمنى أن يجعل حزب الله نصيباً منها للاستدراك على مساره وخطابه خلال السنوات الأخيرة، لأن ثمة متطلّبات للمعركة مع المحتل تختلف عن متطلبات المعارك الداخلية أو القتال إلى جانب نظام مستبد يكاد يكون هناك إجماع داخل الأمة على أنه يشكّل وجه العملة المقابل لإجرام الاحتلال الإسرائيلي.

التفكير في (ما بعد حادثة القنيطرة)، ينبغي ألا يتركّز فقط على مجالات تغيير المعادلة القائمة، دون الأخذ بعين الاعتبار حجم المياه التي جرت تحت الجسور خلال السنوات الأخيرة، وما غيّرته في الوعي العام، وما تفرضه من تحديات قد لا تجعل الآمال المبنية على الخطوات المنتظرة واقعية أو قابلة للتحقق.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات