السبت 06/يوليو/2024

إنهم يطلبون المصالحة مع (حماس) بلغة الثأر والانتقام

أحمد الحاج

يقول أسعد عبد الرحمن، أستاذ رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في الجامعة، يوم كان الأخير يدرس الفيزياء: “هناك الكثير من الطلاب الممتازين والجيدين. كان (مشعل) الطالب النابغة الوحيد الذي رأيته خلال تسعة عشر عاماً من التدريس”. إنها الفيزياء التي تُعنى بالحركة والطاقة أساساً، وهذا ما يدركه مشعل في السياسة أيضاً. 

يسعى إلى توسيع دائرة حركته، من خلال تحالفات وعلاقات متوازنة، ولفائدة القضية الفلسطينية. ويرفض أن تكون بعض التحالفات تقييداً للحركة في تحالفات أخرى، لا شروط على حركة تقود الصراع في الميدان. وإن ضاقت مساحة الحركة في الجغرافيا السياسية فإن ثقة مشعل و(حماس) في طاقة الفصيل المقاوم وقدرته على الفعل لا تهتز أو تتراجع، وهو ما يحافظ، بل يرفع دائماً من رصيد (حماس) لدى الشعوب العربية والإسلامية، وكل الشعوب المناصرة لحرية الشعب الفلسطيني.

يكثر حديث البعض عن انتقال مشعل وبعض قادة حماس من دولة قطر إلى عواصم أخرى. الحديث يتكرر كأنه بات أمنية لدى مجموعة من الكتبة. إنهم لا يدركون تجاوز (حماس) للمكان الذي تستقر فيه القيادة، إلى التفكير بالمخاطر التي تعتري القضية، والحرص على تطوير العمل المقاوم.

يكثر حديث البعض عن انتقال مشعل وبعض قادة حماس من دولة قطر إلى عواصم أخرى. الحديث يتكرر كأنه بات أمنية لدى مجموعة من الكتبة. إنهم لا يدركون تجاوز (حماس) للمكان الذي تستقر فيه القيادة، إلى التفكير بالمخاطر التي تعتري القضية، والحرص على تطوير العمل المقاوم. 

نعم، إنه لا يمكن إهمال أهمية المكان في الصراع مع الاحتلال، خصوصاً وأن على كل ثورة واجب البحث عن أرض تساندها، خصوصاً إذا كانت أرضاً متصلة بالصراع. فللجزائر كانت تونس، ولفيتنام هانوي، ومن قدر الثورة الفلسطينية أنه لم يكن لها تونسها أو هانويها. فهل تتخلى عن ثورتها إلى حين توافر عامل الإسناد المباشر والمتصل، أم تجابه الاحتلال، وتمنع إراحته حتى يكون تأمين هذا العامل؟ النضال. 

يوم كان مشعل وبعض القيادة السياسية يجري ترحيلهم من عمّان إلى اللامكان، كانت هذه القيادة تهيئ وتتهيأ لانتفاضة مسلحة ستقوم بعد عام، وتتصدر حركة المقاومة الإسلامية (حماس) فعالياتها وسجل عملياتها. لا تهمل الحركة توسيع دائرة التحالفات، لكن ليس على حساب مبادئها الأساسية. تحسن إدارة العلاقات العامة، لكن دون التخلي عن ثوابتها. تدرك أهمية المساندة الخارجية، لكن تبقى الإرادة الشعبية هي الفيصل. 

تبني التحالفات، لكنها ترفض إملاء شروط عليها. لا تحالف مع إيران يمنعها الحديث مع قطر. ولا تعاون مع سورية يفرض عليها عدم الذهاب إلى تركيا. (حماس) تدافع عن القرار الفلسطيني المستقل، ترفض أن تتدخل في سياسات دول حالفتها، وتمانع التحرّش بالساحة الفلسطينية، ولو جاء من أقرب حلفائها. 

تقاوم، ولا تسأل حليفاً لمَ لم تفتح معركة تخفف من وقع العدوان على الشعب الفلسطيني، أو حتى تردّ عدواناً استهدفك؟ أو لماذا وقّعت اتفاقاً، أو لمَ بالغت في شكر دولة عربية، أو كيف لم تقاوم مقاومة مباشرة غزواً أجنبياً للمنطقة؟ تدرك (حماس) حجم كل تحالف ومداه، وخصوصية الدول في اتخاذ قراراتها، وتحديد سياساتها، وفق مصالحها التي ترتئيها. 

والشعب الفلسطيني ليس أقل من هذه الدول، بل القضية الفلسطينية هي أصل القضايا في المنطقة، وكل حرف بها يتصل مباشرة بوجدان شعوب المنطقة. وكل متبنٍ لهذه القضية، أو شعاراتها، هو رابح في النهاية، هكذا يقول التاريخ. فصحيح أن الفلسطيني ليس لديه وطن، لكنه يملك علماً يجعل من حامله بطلاً في الساحة الإقليمية، ومحاوراً في الساحة الدولية. هكذا أصبح عبد الناصر بطلاً، رغم انتكاسة جيشه. وهكذا تغاضت شعوب المنطقة عن أخطاء قادة في المنطقة، من أجل رفعهم علماً فلسطينياً.

لن تقف (حماس) عند باب أحد تستأذن الدخول، لأنها تعرف عظم القضية التي تحملها، والدور الذي ينتظر من يتبناها. وهذا ما يعرفه جيداً الرجل الذي قال الموساد عنه يوم قرر اغتياله: “لا توجد كلمة “إسرائيل” في قاموسه الأيديولوجي”، إنه خالد مشعل.

 لهذا لن تقف (حماس) عند باب أحد تستأذن الدخول، لأنها تعرف عظم القضية التي تحملها، والدور الذي ينتظر من يتبناها. وهذا ما يعرفه جيداً الرجل الذي قال الموساد عنه يوم قرر اغتياله: “لا توجد كلمة “إسرائيل” في قاموسه الأيديولوجي”، إنه خالد مشعل.

(حماس) أكبر من أن تُحشر ضمن محاور، كانت واضحة منذ بداية تحالفاتها مع ما سُمّي “محور الممانعة”، إن هذا التحالف فقط من أجل عنوان وحيد: قضية فلسطين، لهذا قال مشعل في ذروة هذا التحالف خلال حواره الشهير مع صحيفة “الحياة”: “علاقتنا الجيدة مع سورية وإيران لا تعني أننا جزء من برنامجهما، لكن هذه العلاقة جزء من تعزيز العمق العربي والإسلامي للقضية الفلسطينية”. 

كثيرون رفضوا أن يقرؤوا تلك العبارات، واختلط عليهم الأمر، ربما ظناً أن الفلسطيني هو الطرف الأضعف في هذا الحلف، وما حسبوا أن حركة (حماس) تعرف قدر نفسها، وقدر القضية التي تحملها، وأنها وجه المقاومة لهذا الحلف، هذا أولاً. أما ثانياً فإن سياسة الحركة تنطلق من مبادئ عامة، منصوص عليها، ترفض الانحياز لأي طرف في أي صراع عربي داخلي، كما تحرص على السلم الأهلي في الدول العربية. ثالثاً: حاولت (حماس) أن تترجم هذا الحرص من خلال مبادرات جادة وعملية، ولو وُجد من يؤيدها من أطراف الصراع، لكان الوضع العربي أفضل حالاً بما لا يُقاس.

الأزمة التي تعتري بعض الأطراف أنها بدل أن تحاول معالجة الآلام التي تعانيها من جرّاء اتخاذ حركة حماس مواقف مبدئية، فتبادر إلى طرح حلول لترميم التحالف السابق، وتتفهم استقلالية قرارات الحركة، بدلاً من ذلك فإنها تستخدم لغة الانتقام والثأر وهي ترجو المصالحة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات