الأربعاء 02/أكتوبر/2024

المنطقة العازلة في رفح تزيد من تباعد حماس ومصر

د. عدنان أبو عامر
في الوقت الذي تأملت حماس خيراً في إمكانية تحسن العلاقات مع القاهرة، فقد شهدت المنطقة الحدودية بين رفح وسيناء تحركات ميدانية متلاحقة من الجيش المصري، وبدأ توسيع المنطقة العازلة في الشريط الحدودي مع غزة، بمدينة رفح، لتصل إلى كيلو متر، لتقام المنطقة على طول 5 كيلو متر، مما سيتيح مراقبة أفضل للمنطقة الحدودية مع القطاع، وسيمنع استخدام الأنفاق لنقل الأسلحة، أو تسلل مسلحين.

القيام بجولة ميدانية على الحدود المصرية الفلسطينية عند رفح جنوباً، يظهر بأمّ العين أعمالاً حثيثة يقوم بها الجيش المصري عبر مركباته العسكرية لهدم المزيد من المنازل، والقيام بحفريات كبيرة على الحدود.
وكان لافتاً أن حماس لم تعلق على القرار المصري بتوسيع المنطقة العازلة، رغبة منها في عدم صبّ مزيد من الزيت على نار التوتر القائم أصلاً بين غزة والقاهرة، وربما لإبقاء شعرة معاوية قائمة بينهما، مع علم حماس الأكيد بأن هذا القرار المصري لا يصبّ في مصلحة تحسين العلاقة، بل يعمل على تفجيرها.

حماس عبر أكثر من ناطق باسمها اعتبرت أن قرار توسيع المنطقة العازلة يتعارض مع العلاقة بين غزة ومصر القائمة على التواصل والتفاعل، وهو قرار يأتي في إطار خدمة سياسات إقليمية وعالمية ضد شعبنا الفلسطيني، وسيعمل على مفاقمة المعاناة في القطاع، وهي خدمات مجانية تقدمها القاهرة لمصالح إقليمية ولحفظ أمن (إسرائيل)، على حساب مصالح شعبنا واستقراره في غزة.

ورغم أن مصر حرة في تطبيق السياسة التي تراها مناسبة داخل حدودها، لكن توسيع المنطقة العازلة رسالة واضحة من القاهرة إلى غزة تفيد باستمرار القطيعة مع حماس، وبأن التوتر على حاله مع الحركة، وليس هناك توجه مصري لتحسين العلاقة مع حماس في القريب.

هذا التباين في ردود فعل قادة حماس يعكس وجود وجهات نظر مختلفة في التعامل مع مصر التي يسميها الفلسطينيون “الشقيقة الكبرى”، وهم يرون أن مصر تجاوزت مرحلة الانقلاب، وبات التعامل الإقليمي والدولي معها على أنها حالة طبيعية، والسيسي بات رئيساً معترفاً به، لا سيما بعد المصالحة الأخيرة مع قطر، وقرأته أوساط في حماس أنه دعوة للتعامل مع الأمر الواقع في مصر، وتجاوز تعاطفها مع الإخوان المسلمين.

في حين يرى آخرون في حماس أن القرار المصري الخاص بتوسيع المنطقة العازلة يأتي امتداداً للسلوك الإسرائيلي بمحاصرة غزة بعد الحرب الأخيرة، وحرمانها من تعويض النقص الذي عانته الحركة من الأسلحة والقذائف والذخائر، ولا بد من مواجهة القرار المصري، على الأقل في الناحية الإعلامية، وعدم السكوت عنه.
كما أن توسيع المنطقة العازلة سيلقي بظلال سلبية على دخول الأسلحة لغزة عبر الأنفاق، بسبب الملاحقة الأمنية المكثفة للأمن المصري لتجار السلاح في سيناء، وانقطاع التواصل بين شبكات التهريب في جانبي رفح؛ المصرية والفلسطينية، لأنه سيسفر عن عقبات متلاحقة بإيصال الكميات والنوعيات المطلوبة من السلاح إلى غزة، تارة ننجح وأخرى نخفق، لكن التوسيع الأخير للمنطقة العازلة سيجعل تجار السلاح أمام تحدٍ أمني غير مسبوق، لا يعرفون كيف يتعاملون مع توابعه ونتائجه.

ورغم أن حماس تحاول أن تقلل من تأثير توسيع المنطقة العازلة على القدرات العسكرية لديها لأن المقاومة لديها أسلحة ذاتية نوعية تغنيها عن الاستعانة بقدرات لوجستية من الخارج، لكن التضييق على قدراتها العسكرية يأتي مكافأة لـ(إسرائيل)، وما في أيديها حالياً يمكنها من صد أي عدوان إسرائيلي على غزة.
حديث حماس هذا يأتي لرفع معنويات مقاتلي الحركة الذين يعانون من تراجع تدفق الأسلحة، بفعل ضرب الأنفاق وهدمها على الحدود المصرية، حيث شرعت كتائب القسام بحملة تصنيع ذاتي للأسلحة في الورش التصنيعية خلال الفترة الماضية، لكنه لا يعوض النقص الذي ستعانيه الحركة من الأسلحة النوعية التي لا يمكن تصنيعها داخل القطاع، مثل مضادات الأفراد والدروع.

وهو ما يعني أن توسيع مصر للمنطقة العازلة سيمنع وصول تقنيات عسكرية متقدمة لكتائب القسام، مما سيدفعها بالتأكيد للبحث عن بدائل محلية تواجه ما يملكه جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهي في طريقها لأن توجد إمكانيات بديلة عن الأنفاق للتزود بالأسلحة اللازمة، دون الإشارة لمكانها أو طبيعتها.

أخيراً.. حماس تعلم أن قرار مصر بتوسيع المنطقة العازلة سياسي بامتياز، وإنْ جاء من خلال إعلانات أمنية عسكرية، والمفتاح السحري لوقف الإجراءات المصرية على حدود غزة سياسي أيضاً بتفاهم الحركة مع النظام المصري، لكن الجانبين لا يبدو أنهما جاهزان حتى الآن للوصول لهذه التفاهمات التي تتطلب دفع أثمان مشتركة، وإلى حين تحقق هذه التفاهمات، ستبقى حدود غزة مع مصر مدخلاً للتوتر بينهما.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات