الأحد 30/يونيو/2024

حماس وفتح.. إشكاليات البرامج وإمكانات التوافق (تحليل)

حماس وفتح.. إشكاليات البرامج وإمكانات التوافق (تحليل)

بدءًا من “أساطين” السياسة وحتى بائعة اللبن والخضار في السوق باتوا متشائمين من تجاوز “حماس وفتح” إشكاليات البرامج السياسية ورؤيتهما المراوحة بين “المقاومة والسلام” للقضية، حتى تصل الحركتان لحالة من الفهم بضرورة العمل والالتقاء في تفاصيل كثيرة تتلو ابتسامة الصور المشتركة.
 
فتح التي أكلمت قبل أيام نصف قرن من “تراجيديا” الثورة، لا تقبل حتى الآن بحماس كشريك وطني في اتخاذ القرار وإدارة ملف الصراع، وهي مسألة بعيدة نسبياً عن إشكاليات برامجهما السياسية ورؤيتهما للحل الذي فشلت في أتونه “عملية التسوية”.
 
ورغم التباين الشاسع بين البرنامجين الموصوفين بخطين متوازيين إلا أن إمكانية التوافق قد تتسلل من كوّة الجلوس حول الطاولة تلبيةً لخطورة المرحلة وأهمية الحفاظ على الثوابت؛ عبر بناء استراتيجية وطنية تعرّف العدو، وتضع برنامجاً وطنياً موحداً يشارك فيه الجميع.
 

البرامج السياسية

الكفاح المسلح لحركتي تحرر وضع عربة “فتح” بعد سنوات من تاريخها النضالي على سكة طريق “التسوية”، فولجت لجلسات مفاوضات زاد في سنيها الاستيطان والتهويد وصولاً لطريق مسدود مع “إسرائيل” التي دعمها دوماً “الفيتو” الأمريكي، بينما لم تتمكن حماس من قطع مشوار طويل وهي تقاوم الاحتلال والحصار والقوى الضاغطة في الإقليم.
 
وتعرف حركة فتح نفسها أنها حركة تحرر فلسطينية وطنية علمانية انطلقت مطلع 1965 تعترف بوجود دولة “إسرائيل” على الأرضي التي احتلتها قبل العام 1967 ، وهي من أكبر الفصائل الفلسطينية في منظمة التحرير التي تتولى قيادتها وقيادة السلطة، وقد حولت عملها المسلح لعملية التسوية مع اتفاق أوسلو.
 
أما حركة حماس التي تعد خليفة جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين وانطلقت بديسمبر 1987 ، فهي حركة تحرر إسلامية هدفها وهو تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، ولا تعترف بوجود “إسرائيل” وقد دخلت لمؤسسات السلطة بعد انتخابات 2006 ، ومن يومها تعيش الحصار وهي تتخذ المقاومة المسلحة شعاراً تمارسه على الدوام.
 
ويؤكد المحلل السياسي د. عبد الستار قاسم في حديث لـ“المركز الفلسطيني للإعلام” أن فتح انطلقت بمشروع وطني برنامجه الكفاح المسلح لتحرير فلسطين لكنها وصلت عبر قطار “السلام” إلى مجرد البحث عن حلول مع “إسرائيل” تحافظ من خلالها على قوتها في السلطة.
 
حماس التي أشبهت فتح جزئياً في شارة البدء “الكفاح المسلح” تحمل -حسب رؤية المحلل قاسم- فكراً إسلامياً يعدّ فلسطين أرضاً مقدسة، وأن من يتأخر عن تحريرها آثم، وهي تمارس المقاومة المسلحة وتواجه الاحتلال حتى الآن.

ولا يشترط المحلل السياسي مصطفى الصواف في حديث لـ“المركز الفلسطيني للإعلام” على برنامجي “حماس وفتح” أن ينصهرا حتى تتوافق الحركتان؛ فلكلتا الحركتين برنامج رؤية وكذلك بقية الفصائل الوطنية، لكن المطلوب عامل مشترك يجمع الكل الفلسطيني ضد الاحتلال.
 
اختلاف البرامج والرؤى السياسة ليس معضلة كبيرة حسب رؤية المراقبين للمشهد السياسي الفلسطيني، الأهم هو توظيف رؤية وبرامج حماس وفتح لخدمة القضية ومواجهة المخطط الصهيوني، لكن فتح وصلت عبر التسوية لطريق مسدود، وحماس لا تزال محاصرة.
 

الخلاف والاختلاف

لم تكد حماس تضع الكأس على شفتيها حين فازت بالانتخابات التشريعية سنة 2006 حتى بدأ فصل جديد من إشكالية العلاقة مع فتح التي استخدمت “سوبر ماركت” أفكار لإعاقة ممارسة حماس دورها في المؤسسات الحكومية وإدارة الضفة وغزة.
 
ويقول المحلل السياسي د. أسعد العويوي لـ“المركز الفلسطيني للإعلام” إن الخلاف الرئيس بدأ بين “حماس وفتح” بعيد انتخابات 2006 ، تلاه حالة الانقسام التي عكست عدم نضوج الثقافة الديمقراطية الفلسطينية بعد نتائج صندوق الانتخابات.
 
ويضيف: “الخلاف على محاصصة السلطة أكثر منه خلاف سياسي، وحماس غلّبت مؤخراً العامل العسكري على السياسي، بينما كانت فتح من قبل عسكرية لكن واقعها تغير ودخلت عملية التسوية” .
 
وقعت “فتح” في أشراك العسل من يوم اتفاق “أوسلو” وتأسيس السلطة، فتحدثوا عن “سنغافورة” ثانية في غزة ومؤسسات متطورة في أريحا والضفة، واليوم يوصد “الفيتو” الأمريكي والانحياز الغربي لـ”إسرائيل” الباب في وجهها وهي تتوجه لمجلس الأمن ومحكمة الجنايات الدولية.
 
ويقول المحلل الصواف إن الوقت الحالي مناسب جداً لتجلس فتح وحماس بل وكل الفصائل لتحديد من هو العدو ورؤيتها للتعامل معه، فرغم أن هناك قضايا خلافية إلا أن هناك قضايا تجمع الكل، وهي مسألة قابلة للإنجاز كما اتفق الكل الفلسطيني سابقاً على “وثيقة الأسرى” كخير دليل.
 

العقبات

لا يحتاج شرح العقبات إلى “كياسة سياسية”؛ فإبرة البوصلة عند الحديث عن إشكاليات فتح وحماس تتجه دوماً إلى معضلة “التنسيق الأمني” والذي ربما بقي الوجه الوحيد لاتفاق “أوسلو” المنهار منذ عقود.
 
ويبدو المحلل قاسم متشائما من التقاء “فتح وحماس”؛ لأن برنامجهما متناقضان، ولأن “التنسيق الأمني” يقف عقبةً أمام احتمالات التوافق، وهو يجرّ بالتبعية قضايا تختلف فيها حماس وفتح منها التطبيع والاعتقال السياسي وواقع عملية التسوية.
 
ويتابع: “تمزق الشارع الفلسطيني بعد اتفاق أوسلو، وانهرنا أخلاقياً وتجيّرنا اقتصادياً، وبدلا من التركيز على الثوابت والقضايا الوطنية تحولت الثقافة في كثير من المحطات إلى ثقافة استهلاك ومسألة رتب ورواتب” .
 
لمرات كثيرة؛ أضاعت الفصائل الفلسطينية الفرص، وهي نقاط انطلاق يراها فيها المحلل الصواف لدعم القضية، واليوم تتجلى فرصة واجبة الانتهاز حين تقف أمريكا مع “إسرائيل” في مؤسسات الأمم المتحدة ضد مصالح الشعب الفلسطيني.
 
ويتوقع المحلل الصواف أن تبقى حماس في معاناة تزيد وتنقص رغم أن خيار المقاومة بات مقنعاً لمعظم الفلسطينيين وليس خيار المفاوضات، بينما سيبقى ملف التسوية مسدوداً أمام حركة فتح.
 
وضع الثوابت الوطنية في مركز الدائرة وتجنب التداخلات الإقليمية المؤثرة على “فتح وحماس” هو الرافعة الأساسية -حسب قراءة المحلل العويوي- لتجاوز العقبات إذا ما قارنتا لاعبتا الإقليم “أمريكا وإسرائيل” المتحالفتان عضوياً.
 

التوافق

يحتاج الخلاف العميق بين الحركتين إلى “ترياق” صعب المنال حتى الآن، فأمام “حصان” التوافق الكثير من العربات التي يعجز عن زحزحتها قيد أنملة وحتى سنوات مضت ظل الحديث عن “المصالحة” مصطلحاً حفّز إحباط الشارع الفلسطيني ومرآة عكست سلباً صورة الفلسطينيين خارج حدود وطنهم.
 
ويدعو المحلل العويوي “حماس وفتح” كحركتين انطلقتا بالأساس كحركتي تحرر إلى الاتفاق على برنامج وطني موحد والتفكير بما يصفه “النضج السياسي والديمقراطي” أسوةً بأحزاب الاحتلال “اليمين واليسار والوسط” المتباينة فكرياً المتفقة في المصلحة وإدارة شئون دولتها.
 
ويتابع: “نحتاج برنامجا وطنيا وقيادة ناضجة، فظروفنا الإقليمية صعبة، ورأينا أطرافا عربية تآمرت مؤخراً في حرب غزة، وحتى نحافظ على ثوابتنا ومقاومتنا لابد من استثمار الطاقات والقوى ببرنامج وطني يلزم الجميع، والحل هو الخروج من حالة الإحباط بعد الانقسام والبدء باستراتيجية الأمل والصمود” .
 
أما المحلل الصواف فيرى الظروف الإقليمية وانسداد أفق التسوية عاملين مهمّين يدفعان بوجوب وضع الفصائل الوطنية وعلى رأسها حماس وفتح لاستراتيجية توضح “ماذا نريد؟” لأن عملية التسوية كشفت عن خلاصتها والانقسام أضر بالكل الفلسطيني.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات