الأحد 30/يونيو/2024

مشروع قرار مجلس الأمن .. خروج على الاجماع وتصفية للقضية (تحليل)

مشروع قرار مجلس الأمن .. خروج على الاجماع وتصفية للقضية (تحليل)

فوجئت الفصائل الفلسطينية بحجم التنازلات التي قدمها رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس في مشروع القرار الفلسطيني المقدم إلى مجلس الأمن تحت عنوان طلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو ما دفع العديد من الفصائل المنضوية في منظمة التحرير – كالجبهتين الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب- للاعتراض على النص الذي تم تقديمه إلى مجلس الأمن دون إطلاع اللجنة التنفيذية للمنظمة عليه؛ بما يدلل على تغول السيد محمود عباس على قرار المنظمة وتفرده في التصرف بحقوق الشعب الفلسطيني.

مضمون المشروع

ينص مشروع القرار على استئناف المفاوضات المباشرة لمدة عام، وعلى انسحاب القوات “الإسرائيلية” في فترة لا تتجاوز نهاية العام 2017، ويشتمل المشروع على العديد من النقاط التي تنتقص من حقوق الشعب الفلسطيني والثوابت الوطنية؛ وأهمها:

1-نزع شرعية المقاومة؛ من خلال التأكيد على أن “التوصل إلى تسوية عادلة ودائمة وسلمية للصراع (الإسرائيلي – الفلسطيني) لا يمكن أن تتحقق إلا بالوسائل السلمية”، ووصم المقاومة بالإرهاب من خلال التأكيد على “التحرر من العنف والتحريض والإرهاب”، بل وبالحديث عن “منع ظهور الإرهاب” فيما يشير إلى العمل على تجفيف منابع المقاومة واعتماد أسلوب الضربات الاستباقية.

2-التنازل عن حق عودة جميع اللاجئين، من خلال المطالبة ب”حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين الفلسطينيين”.

3-التركيز على البعد الأمني بما يعزز الدور الوظيفي للسلطة في خدمة الاحتلال.

4-الدعوة إلى التنفيذ الكامل لمبادرة السلام العربية، بما يعزز التطبيع ويزيد من خطر تشكيل تحالف (عربي – إسرائيلي) لمواجهة المقاومة تحت ستار الحرب على الإرهاب.

5-الاعتراف الضمني بيهودية الدولة الصهيونية وما يترتب عليه من المباشرة في تنفيذ مخطط التهجير القسري للفلسطينيين من مناطق الـ48 الى مناطق الدولة الفلسطينية الموعودة ضمن أراض وحدود يتم رسمها بناء على مبدأ تبادلية الأراضي بعيدا عن الالتزام بحدود الرابع من حزيران للعام 1967م.

6-فرض الوصاية الدولية على الشعب الفلسطيني من خلال القبول بـ”وجود طرف ثالث” يساعد في الترتيبات الأمنية التي “تضمن أمن كل من “إسرائيل” وفلسطين، عن طريق منع ظهور الإرهاب والتصدي بفعالية للتهديدات الأمنية، بما في ذلك التهديدات الحيوية والناشئة في المنطقة”.

7-وأخيرا، تعليق السلطة الفلسطينية مسعاها لاستكمال الحصول على العضوية في المؤسسات الدولية، كمحكمة الجنايات الدولية بإقرار مشروع القرار إياه.

 وللعلم؛ فإن القرار – في حال صدوره – لن يصدر تحت البند السابع، وبالتالي فلن يمتلك الأدوات والقدرة لتنفيذه على الأرض، ما يعني أن “إسرائيل” لن تلتزم به، وهو ما عبر عنه وزير خارجيتها بقوله، “إنه لن يحدث أي تغيير في الأوضاع ما لم توافق “إسرائيل” على شكل هذا التغيير”.

وتجدر الإشارة إلى أن النص الذي تم تقديمه إلى مجلس الأمن يختلف عن النص الأصلي الذي عرض شفويا على فصائل منظمة التحرير؛ وأبرز نقاط الاختلاف كانت:

النص الأصلي
 النص المعدل
 1- “القدس الشرقية” عاصمة لدولة فلسطين.   “القدس عاصمة مشتركة للدولتين. والتي تلبي التطلعات المشروعة للطرفين”.
 2- التفاوض سيتم على أساس حدود 4 يونيو /حزيران 1967.   التفاوض سيتم على أساس الحدود التي تستند إلى خطوط 4 يونيو /حزيران 1967.
 3- إنهاء القوات “الإسرائيلية” احتلالها قبل نهاية العام 2016.  إنهاء القوات “الإسرائيلية” احتلالها قبل نهاية العام 2017.
 4- الاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة.   الاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة “ضمن الإطار الزمني المحدد في هذا القرار”.

إلا أن رفض الفصائل الفلسطينية لهذا المشروع؛ أدى إلى إجبار رئيس السلطة الفلسطينية لمحاولة تخفيف حدة رفض القرار، من خلال إجراء ثمانية تعديلات جديدة، من ضمنها العودة إلى النص على “القدس الشرقية” عاصمة لدولة فلسطين، واعتبار الأنشطة الاستيطانية غير شرعية، وحل قضية اللاجئين استنادا إلى القرار 194، وإضافة بند يتعلق بالأسرى الفلسطينيين. 

إلا أن هذه التعديلات لا تغير جوهر القرار، وتبقي على العديد من آثاره الكارثية على حقوق الشعب الفلسطيني.

جوهر المشروع

إن جوهر فكرة مشروع القرار، هي “بيع” ثلاث سنوات للاحتلال، تستمر فيها مفاوضات التسوية، مقابل استمرار مكاسب المنتفعين مع السلطة، مع محاولة توفير غطاء وطني لهذه العملية.

الخلفيات والدوافع

على إثر فشل عملية التسوية السياسية وتوقف المفاوضات مع نهاية شهر أبريل /نيسان من هذا العام، وعجزها عن وقف الاستيطان وتهويد القدس والضفة الغربية، وفي ضوء انتصار المقاومة العسكرية في غزة ضد الجيش الصهيوني، وما تبعه من التفاف شعبي كبير حولها، ومع إصرار رئيس السلطة والفريق المقرب منه على رفض الاعتراف والتسليم بهذه المفارقة، وما يترتب عليه من استحقاقات سياسية وشراكة وطنية في اعتماد إستراتيجية وطنية موحدة لإدارة الصراع مع العدو، فقد أعلنت القيادة المتنفذة في منظمة التحرير، التوجه نحو “إستراتيجية فلسطينية لإقامة الدولة”، وتشمل – ضمن خطوات عديدة- الانضمام إلى منظمات الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها اتفاقية روما التي تتيح ملاحقة الاحتلال على جرائمه أمام المحكمة الجنائية الدولية. ولجأت المنظمة إلى هذه “الاستراتيجية”، بما يضمن بقاءها واستمرار دورها، وهو ما يمهد الطريق للعودة إلى استئناف المفاوضات مع العدو الصهيوني، بعيدا عن المرجعيات السياسية السابقة، ودون أي غطاء وطني لها، مما ينزع  عنها الشرعية الشعبية والوطنية.

وقد أدى هذا المسار إلى الاعتراف بفلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة، وإلى انضمام هذه الدولة إلى مجموعة من منظمات الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية.

ففي تشرين الأول /أكتوبر الماضي قررت السويد الاعتراف بدولة فلسطين، ثم صوتت برلمانات بريطانيا وفرنسا وإيرلندا وإسبانيا والبرتغال ولوكسمبورغ على قرارات غير ملزمة للحكومات تدعوها إلى الاعتراف بها، كما تبنى البرلمان الأوروبي قرارا يؤيد قيام دولة فلسطينية من حيث المبدأ على أن يكون ذلك “مصاحبا لتطور محادثات السلام التي يجب دفعها قدما”. وتظهر هذه الخطوات تزايد الدعم الشعبي في أوروبا للقضية الفلسطينية، إلا أن حكومات هذه الدول لا تزال تضبط وتيرة تحركها بناء على مصالحها الدولية وعلاقاتها بالولايات المتحدة.

ردود الفعل

وفي ردود الفعل على مشروع القرار الفلسطيني كان الموقف الصهيوني رافضا له لسبب أساسي وهو أنه يحدد موعدا للتوصل إلى اتفاق نهائي وللانسحاب من الأراضي التي يتم الاتفاق عليها، وهو ما يخالف الاستراتيجية الصهيونية بإطالة أمد المفاوضات قدر الإمكان، واستثمار هذا الوقت في فرض الوقائع على الأرض، كما أن التوصل إلى اتفاق نهائي ستفسر على أنها  تقديم “تنازلات” صهيونية ستثير الخلاف بين الأحزاب الصهيونية، وستنال من رصيد أي مسئول صهيوني يوافق عليها، علاوة على المخاوف من أن هذه التنازلات في النهاية ستؤدي الى تمكين  حركة حماس في الضفة الغربية، في ضوء ضعف السلطة وافتقادها إلى الغطاء الوطني.

وتشترك الإدارة الأمريكية مع “إسرائيل” في رفضها تحديد موعد نهائي لإقامة الدولة الفلسطينية، من منطلق التزامها بالمصالح الصهيونية، إلا أنها ترفض “بيع” هذا الموقف لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو؛ بل ترغب بتجييره لصالح أصدقائها في “إسرائيل” وعلى رأسهم كل من تسيبي ليفني وشمعون بيريز، ولذلك فعلى الرغم من استعدادها لاستخدام الفيتو في وجه المشروع الفلسطيني، فقد رفض وزير الخارجية الأمريكي جون كيري تأكيد هذا الاستعداد لنتنياهو لدى لقائه في روما بتاريخ 16 ديسمبر، وهو ما دعا نتنياهو إلى الضغط علنا على الإدارة الأمريكية بقوله أن بلاده تنتظر من الولايات المتحدة استخدام حق النقض “فيتو” في مجلس الأمن ضد أي قرارات تضع إطارا زمنيا لإقامة دولة فلسطينية، وأنه لا يرى سببا لتغير السياسة الأمريكي المستمرة منذ 47 عاماً، والداعية إلى إيجاد حل للصراع (الفلسطيني – الإسرائيلي) عبر المفاوضات.

وفي المقابل أبلغ كيري مبعوثين للاتحاد الأوروبي بأن واشنطن لن تسمح بتمرير أي مشروع قرار يتعلق بعملية السلام في مجلس الأمن قبل إجراء الانتخابات الصهيونية في 17 مارس/آذار المقبل. وبرر كيري موقف بلاده بأن شمعون بيريز وتسيبي ليفني أعربا عن مخاوفهما من أن أي تحرك في مجلس الأمن للضغط على “إسرائيل” قبل الانتتخابات، سيكون من شأنه تعزيز المتشددين في “إسرائيل” بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الاقتصاد نفتالي بينيت.

أما الموقف الأوروبي فلا يبتعد عن التنسيق  مع الإدارة الأمريكية، وجاء مشروع القرار الأوروبي في محاولة لقطع الطريق على المشروع الفلسطيني رغم كل الملاحظات عليه؛ حيث سعت كل من فرنسا وألمانيا إلى طرح مشروع قرار ينص على استئناف التفاوض بين الطرفين دون تحديد موعد لنهاية هذا التفاوض أو لإقامة الدولة الفلسطينية “الموعودة”.
وبدورهم فقد تناغم موقف السفراء العرب في مجلس الأمن مع الموقف الأمريكي، وأعرب بعضهم عن تحفظه على توقيت طرح مشروع القرار، ومارسوا ضغوطا لإرجاء طرح المشروع وبذريعة  الحاجة إلى مراجعة بلادهم قبل اتخاذ قرار بشأن المشروع. 

هذه المواقف العربية إلى جانب الضغوط الغربية، أدت إلى تقديم مشروع القرار إلى مجلس الأمن مع تعليق التصويت عليه إلى أجل غير محدد، مع التذرع ب”حماية” مشروع القرار بإطالة أمد المشاورات حوله.

وفي ضوء المواقف الأمريكية والأوروبية والعربية، فإن فرص إقرار المشروع كما هو ستكون ضئيلة قبل موعد الانتخابات “الإسرائيلية”.

وقد ظهرت بوادر عديدة لاحتمال تأجيل التصويت على المشروع، ومنها تصريح السفيرة الأردنية في مجلس الأمن دينا قعوار بأن “الأمر قد يأخذ وقتاً”، والتصريحات الأمريكية بأن “الفلسطينيين يفهمون” موقفها المعارض لمشروع القرار.إضافة إلى التسريبات الدبلوماسية من الأمم المتحدة بأن “الفلسطينيين قد يوافقون على الانتظار في حال حصولهم على ضمانات بأن “إسرائيل” ستجمد الاستيطان بعد الانتخابات الصهيونية المبكرة في مارس/ آذار المقبل”.

وفي حال عدم حصول السلطة على ضمانات كهذه فإن أمامها خيارين هما: تعديل القانون بما يلبي المطلب الأمريكي بعدم تحديد موعد للاعتراف بالدولة الفلسطينية، أو طرح المشروع الحالي للتصويت مع توقع فشله سواء لعدم تحصيل الأصوات التسعة اللازمة لإقراره، أو بفعل الفيتو الأمريكي.

وفي ا

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات