الأحد 30/يونيو/2024

تحليل: يهودية الدولة يجهض حق عودة اللاجئين ويزيد التطرف اليميني

تحليل: يهودية الدولة يجهض حق عودة اللاجئين ويزيد التطرف اليميني

قدم كل من عضوي الكنيست زئيف إلكين عن حزب الليكود، ولأييليت شاكيد عن حزب البيت اليهودي اقتراحي “قانون أساس القومية” الذي يقضي باعتبار دولة “إسرائيل” الوطن القومي لليهود فقط، وقد صوتت الحكومة “الإسرائيلية” يوم 25 تشرين ثاني/نوفمبر 2014 على دعم الاقتراحين، ولكن تمريرهما للكنسيت تعطل على إثر معارضة رئيسة لجنة التشريع ووزيرة العمل تسيفي ليفني وذلك للنظر في اقتراحات أخرى يمكن أن تقدم، على اعتبار أن هذين الاقتراحيين يمثلان الصورة الأكثر راديكالية، وهو ما دفع رئيس مكتب رئيس الوزراء للإعداد لمسودة ثالثة تكون بديلا عن الاقتراحين السابقين. 

ويقضي هذا القانون باعتبار “إسرائيل” الوطنَ القومي لليهود؛ بمعنى أن حق تقرير المصير وحق العودة مقصوران على اليهود فقط دون سواهم من الأقليات التي تعيش داخل “إسرائيل” وهو ما يحول بشكل مباشر العرب الذين يشكلون أكبر أقلية دخل إسرائيل لمواطنين من الدرجة الثانية، ويقطع الطريق أمام أي عودة للاجئين الفلسطينين لقراهم ومدنهم التي هجروا منها عام 1948. 

وبرر رئيس الحكومة دعمه لمثل هذا القانون – حسب تصريحاته في الكنيسيت يوم الأربعاء 26/11/2014 – بالادعاء أن هناك الكثيرين يهددون فكرة أن “إسرائيل” هي الوطن القومي للشعب اليهودي، وأن هذا القانون جاء ليدعم هذا الحق، ويمنع أي محاولات لتغيير الطابع اليهودي للدولة سواء عن طريق تغيير النشيد الوطني، أو تغيير الطابع الديمغرافي للدولة بإغراقها باللاجئين الفلسطينين، مؤكداً أن هذا القانون سيكون عائقاً في وجه أولئك الذين يتطلعون لإقامة حكم ذاتي للعرب في الجليل والنقب. 

ويقف في صف الداعمين بقوة لمشروع هذا القرار الأحزاب والتيارات المحسوبة على اليمين القومي والديني المتطرف سواء داخل الائتلاف الحكومي أو خارجه، على رأسهم زعيم حزب البيت اليهودي ووزير الاقتصاد “نفتالي بينت” الذي هدد أنه ما لم يتم تمرير القانون فإنه سوف ينسحب من الائتلاف، في المقابل فإنه بالإضافة لحزب الحركة الإسرائيلي فإن حزب “يوجد مستقبل” بزعامة يائير لبيد يقف في صف المعارضين للقانون وإن كانت معارضته تنصب على الصيغ الراديكالية لمشروع القرار وليس على أصل الفكرة باعتبار “إسرائيل” وطناً قومياً لليهود! 

كما اصطف في فريق المنتقدين لمشروع القانون الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين الذي وصفه بأنه رهينة بيد أولئك الذي يسعون لتشويه سمعة “إسرائيل”، وانضم إليه الرئيس الإسرائيلي الأسبق شمعون بيرز والذي عدّ بدوره القانون محاولة لاخضاع إعلان “الاستقلال” ليخدم أجندات سياسية خاصة لدى البعض، وأنه بصيغته الحالية يشكل عقبة في وجه التوصل لاتفاق سلام مع الفلسطينيين. 

أما حزب العمل الإسرائيلي؛ فقد عارض القانون الذي رأى فيها تهديداً مباشراً للصبغة العلمانية للدولة وللطبيعة الديمقراطية، وعبر زعيمة اتسحاق هرتسوغ عن ثقته بقدرة الحزب على تشكيل الحكومة المقبلة في حال توجه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لانتخابات مبكرة، ودعا كلا من يائير لبيد وتسيفي ليفني للانضمام إليه وتشكيل جبهة وسط تقف في وجه التيارات الدينية واليمينية. 

وبين أولئك الذين يدعمون القانون ويهددون بالانسحاب من الحكومة إذا لم يُقر، وبين أولئك الذين يهددون بالانسحاب إذا ما أقر يجد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو نفسه بموقف حرج، فالائتلاف الحكومي مهدد بالانهيار، والذهاب لانتخابات مبكرة أمر وارد في الحسبان، ولذلك فهو يسابق الزمن لأجل استمالة الأحزاب الأرثادوكسية مثل حزب شاس للانضمام للائتلاف لإبقائه متماسكاً في حال خرج أحد مكوناته، أو دعم تسميته كرئيس وزراء قادم في حال الذهاب لانتخابات مبكرة، وقطع الطريق عن منافسيه!  

وإذا تم وضع مشروع القرار ضمن سياق بيئته المحلية والإقليمية؛ فإنه يمكن تسجيل الملاحظات التالية:
أولا:
على الجانب القانوني؛ فمهمة المشروع هي قوننة إجراءات إقصائية تحدث بحكم الأمر الواقع منذ عقود في فلسطين المحتلة ضد الفلسطينين داخل “الخط الأخضر”، من حيث مصادرة الأراضي، والتهويد، والإبعاد، والحرمان من الحقوق المدنية والوطنية، ولذلك لم يستغرب الفلسطينيون من حملة الجنسية الإسرائيلية من إصدار مثل هذا القانون، فهو يضاف لغيره من القوانين العنصرية التي صدرت في السابق، ومع ذلك فقد عبروا عن استنكارهم الشديد له ولغيره من القوانين العنصرية كقانون “حنين زعبي” الذي يقضي بفصل أي نائب يتضامن مع نضال الشعب الفلسطيني، والخطورة تكمن هنا بأن القانون سيعمل على تعطيل واحدة من الأدوات المهمة التي يلجأ إليها العرب في “إسرائيل” للمطالبة بحقوقهم أو رفع الظلم عنهم وهي المحكمة الدستورية والتي ستعتمد في نظامها القضائي هذا القانون في حال تم المصادقة عليه، وبذلك تصبح سياسة التمييز والإقصاء ضد العرب محمية بموجب القانون! 

ثانيا: على جانب حق العودة وتقرير المصير والهجرة؛ فإن القانون سيشكل قاعدة قوية لإجهاض أي حل يتضمن حق العودة للاجئين الفلسطينيين، فحق العودة حسب القانون مقصور على اليهود فقط، حيث ستوفر لهم الدولة كافة التسهيلات للهجرة إليها والاستيطان فيها مع ضمان كافة الحقوق المدنية والسياسية. كما أن تقرير المصير هو حق لليهود فقط بمعنى أن الأقليات الأخرى والتي لا تملك مثل هذا الحق سيجدون أنفسهم أمام خيارين: إما المكوث والعيش كمواطنين من الدرجة الثانية، وإما الرحيل. 

ثالثا: على جانب هوية الدولة؛ فإنه يعمل على إضفاء مزيد من التطرف اليميني عليها، يظهر ذلك بذهاب رئيس الوزراء لحشد التأييد من حزب شاس اليميني المتطرف على حساب أحزاب يسار- وسط كحزب يوجد مستقبل، أو يمين- وسط كحزب البيت اليهودي، كما ويعكس في ذات الوقت التصدّع في المجتمع الإسرائيلي المنقسم بين العلمانيين والدينيين.

كما ويعكس أيضا التصدّع الحاصل داخل التيار اليميني نفسه؛ فطائفة الحريديم أبدت انزعاجها من مشروع القانون الذي لم ينص صراحة على مصطلحات مثل اليهودية (Judaism) والتوراه (Torah) والهلاكاه (Halakha) وهي مصطلحات من صميم التدين اليهودي، وبرأي الحاخام إيلي أوفران فإن اليهودية التي ذكرت بمشروع القرار تعود للثقافة والتاريخ وليس لتعاليم التوراه. 

رابعا: على المستوى الدستوري سيعد القانون من القوانين الأساسية التي يتعامل معها المُشرِّع الإسرائيلي على أنها واحدة من المواد الدستورية لدستور غير مدون، فـ”إسرائيل” تفتقر لدستور بالمصطلح السياسي والقانوني المتعارف عليه دوليا، وكما هو معروف فإن النظام القضائي في “إسرائيل” يخلو من قاعدة واضحة لتحديد أسبقية القواعد الأسياسية بعضها من بعض أو حتى تحديد أسبقيتها مع التشريعات العادية، وفي كثير من الحالات يتم ترك تفسير هذا التداخل بناء على اجتهادات القضاة، وهو معيار غير منضبط قد يخضع لتوظيفات سياسية تضر بأصحاب القضايا وتحرمهم حقوقهم.  

خامسا: على الجانب الحزبي يخدم مشروع القرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في اتجاهين، الاتجاه الأول يتعلق بالانتخابات الحزبية المزمع عقدها نهاية هذا العام والتي يتنافس على رئاسة حزب الليكود فيها كل من بنيامين نتناهو والسياسي المتطرف موشيه فيجلين، وبلا شك فإن مثل هذا المشروع من شأنه أن يستميل مناصري فيجلين الأكثر تطرفاً في الحزب لدعم نتنياهو والفوز بأغلبية الأصوات بما يمكنه من مواصلة زعامة الليكود وإجراء التعديلات في قائمته للانتخابات القادمة بما يضمن له رئاسة الوزراء لفترة جديدة. 

الاتجاه الآخر يتعلق بالانتخابات العامة؛ حيث يبدي بنيامين نتنياهو امتعاضه من الائتلاف الحكومي الحالي الذي يصف فيه رفقاءه في الحكم بأنهم أشد عليه من خصومه في المعارضة، وفي حال طلب من رئيس الدولة إعفاءه من الاستمرار في منصبه فإنه يسعى لأن يضع العراقيل في وجه أي تسمية لأحد من خصومه في الائتلاف ليكون رئيسا للوزراء في الدورة الحالية وذلك من خلال التقارب مع الأحزاب الأرثدوكسية مثل شاس وحزب “يهودية التوراه” تجاه عدم دعم مثل هكذا ترشيح، وهو بذلك يجبر رئيس الدولة على حل الكنيست والدعوة لانتخابات مبكرة، والتي يسعى فيها نتنياهو للفوز مجددا وتشكيل ائتلاف حكومي أقل تبايناً من الائتلاف الحالي وذلك عبر انضمام التيارات اليمينية الأخرى والتضحية بكل من اليسار، واليسار – وسط مثل حزب “يوجد مستقبل”. 

سادسا: على مستوى الصراع مع الفلسطينيين فإن حلم الصهاينة ما يزال يتمحور حول تفريغ فلسطين التاريخية من سكانها الأصليين، وهو حلم ما بزال زعماء الكيان الصهيوني يسعون لأجل تحقيقه عبر استخدام كافة الطرق سواء العسكرية والأمنية والثقافية والتشريعية والقانونية كما هو الحال في مشروع القانون الأساسي الأخير، ولا يخفي زعماء الكيان خوفهم الشديد من المعضلة الديموغرافية للدولة والمتمثله بالانفجار السكاني الفلسطيني سواء عبر الزيادة الطبيعية أو من خلال عودة اللاجئين – وإن بشكل محدود – ضمن ترتيبات اتفاقيات الحل النهائي في عملية السلام.

وقد لا يكون مستغرباً تزامن هذا القانون مع التصريحات التي يطلقلها مسؤولون من كلا الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي حول عملية السلام واتفاق الحل النهائي، فرئيس السلطة الفلسطيني محمود عباس عبر عن قبوله بإقامة الدولة الفلسطينية على مساحة 22% فقط من أرض فلسطين التاريخية وذلك في كلمته خلال احتفال الأمم المتحدة باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في مقرها بنيويورك يوم الاثنين 24/11/2014، في حين تحدثت صحيفة يديعوت أحرونوت يوم الجمعة 28/11/2014 عن خطة سلام أعدها وزير الخارجية الإسرائيلي افغدور ليبرمان ووافق عليها حزبه “إسرائيل بيتنا” تتضمن إفساح المجال أمام المواطنين العرب المقيمين داخل “الخط الأخضر” والذين لا يبدون تضامنهم مع دولة “إسرائيل” أن يصبحوا جزءاً من الدولة الفلسطينية المزمع قيامها. يتزامن ذلك أيضا مع التسريب الذي نشره المراسل الدبلوماسي لموقع (Walla)  العبري عمير تيبون في صحيفة New Republic  بتاريخ 26/11/2014 والذي يتحدث فيه عن قناة سرية للتفاوض بين مسؤول فلسطيني (لم يسمّه لدواعٍ أمنية) والمستشار الخاص لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يتسحاق مولخو والتي قدم فيها الجانبان تنازلات وصفها بالمهمة فيما يتعلق بالحدود واللاجئين مع استثناء القدس تماما.  

خاتمة
بغض النظر عن المسودة الأخيرة التي ستعتمد لقانون يهودية الدولة، فإنه سيبقى قانوناً تمييزياً عنصرياً يهدد الأقلية العربية التي تتواجد داخل “الخط الأخضر” على وجه التحديد، وهو ما قد يعمل على تأجيج حدة التوتر في الأراضي الفلسطينية بشكل عام وخصوصاً في القدس ومناطق الـ 48. كما سيكون له آثار واضحة على هوية الدولة التي تنزلق تدريجياً نحو التطرف اليميني مع استمرار عجز الليبراليين واليسار عن لملمة أرصدتهم المتبعثرة هنا وهناك سواء على الجانب الاجتماعي والسياسي أو حتى على جانب الرؤية والمشروع، والحديث هنا لا يتمحور حول إصدار القانون؛ فالأمر أصبح في عداد المؤكد حسب ما صرحت به مصادر مقربة من مطبخ القرار الإسرائيلي لصحيفة (الجاروزاليم بوست) يوم الجمعة 28/11/2014 ، و

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات