الخميس 08/مايو/2025

أبعد من اقتحام الأقصى ومهاجمة الكنيس

أبعد من اقتحام الأقصى ومهاجمة الكنيس

بعد الهجوم على الكنيس اليهودي يوم الثلاثاء 18 نوفمبرعلّقت البارونة سعيدة وارسي بتغريدة جاء فيها: «متطرفون إسرائيليون هاجموا الأقصىوضايقوا المصلين– فلسطينيون متطرفون هاجموا الكنيس وقتلوا أربعة مصلين». وكانتوارسي بين 2010 و2012، وهي من أصل باكستاني، رئيسة حزب المحافظين الحاكم حالياً فيبريطانيا، ثم وزيرة في حكومة ديفيد كاميرون حتى أغسطس الماضي عندما استقالت وأعلنتصراحةً أنها فعلت ذلك احتجاجاً على حكومتها التي اتّبعت حيال حرب غزّة سياسةمنحازة إلى “إسرائيل” ومتبنّية للتبريرات التي قدمتها بأن عملياتالتدمير الإجرامية الواسعة كانت ردّاً على الصواريخ التي تطلق على أراضيها منغزّة. ولم يقبل الرئيس الحالي للحزب غرانت شابس تعليق البارونة فغرد بدوره ردّاًعليها، قال: إنها «تتكلم باسمها الشخصي وليس باسم الحزب. نصلّي مع عائلات الذينقتلوا. لا تبرير للإرهاب».

لم يتوقف التلاسن التويتري عند هذا الحدّ؛ إذ ردّت وارسيبأنها تتطلع إلى عدالة للجميع وليس إلى مزيد من النفاق: «هناك فلسطينيونوإسرائيليون فقدوا حياتهم في الأسابيع الأخيرة بأيدي متطرفين. ديفيد كاميرون وإدميليباند يقولان إن حياة الفلسطيني مساوية لحياة الإسرائيلي، فلنندد جميعاً بالقتلعلى الجانبين»… من الواضح أن البارونة، المندمجة جداً في الحياة البريطانيةوالمؤمنة بالقيم السياسية والديمقراطية التي أوصلتها إلى مرتبة رفيعة في حزب يمينيمحافظ، كانت بحاجة إلى تجربة داخل الحكم لتدرك الفارق بين المبادئ وبين ما تسميه«النفاق» في صناعة القرار السياسي؛ إذ لم يتحمّل شابس، الرئيس الحالي للحزب الذيتنتمي إليه وارسي، البديهية التي جعلتها ترى أن في هجوم شابين فلسطينيين علىالكنيس اليهودي ردّ فعل على الاقتحامات المنظمة للمستوطنين الإسرائيليين للمسجدالأقصى.

في أقل تقدير تمثّل هذه الاقتحامات استفزازاًللفلسطينيين وللمسلمين عموماً، فهل يُتوقّع أن يبقى الاستفزاز المتكرر من رد فعلمماثل؟ اختارت حكومة المتطرفين الموتورين في “إسرائيل” أن تعود إلىعنصريتها المتأصلة لترفض ربط حادث الكنيس بأي حدث آخر، فهذا ما أراد بنياميننتنياهو أن يسمعه من الدول الغربية محاولاً فصله عن «زيارات الأقصى» التي يعدّهاحقّاً لليهود، فهو أراد فقط أن يُوضع الحادث في سياق المواجهة مع الإرهاب، كمنيقول إنه «داعش» في القدس. وفي الوقت نفسه وجد الفرصة سانحة للذهاب بالبروباجنداالسياسية إلى أقصاها، إثباتاً للتواصل في أفكاره: فالهجوم على الكنيس يؤكد عدماستعداد الجانب العربي والفلسطيني للاعتراف ب”إسرائيل” «دولة لليهود»،بل إن نتنياهو رأى أيضاً التشبث بتعاطف دولي مع “إسرائيل” بسبب الضحايا،لأن التعاطف مع سياساتها بات نادراً في الأعوام الأخيرة (باستثناء الولاياتالمتحدة وبريطانيا)، فاستغل تلك اللحظة ليوجّه سهام النقد للدول الأوروبية التيتدرس الاعتراف بـ «الدولة الفلسطينية».

في اليوم التالي صوّت البرلمان الإسباني «رمزياً» علىمثل هذا الاعتراف، متمثلاً بالخطوة التي أقدم عليها مجلس العموم البريطاني (منتصفأكتوبر الماضي)، وسيتبعهما البرلمان الفرنسي مطلع ديسمبر المقبل. وإذ لم يتناقضالتصويت الإسباني مع استنكار حادث الكنيس وإدانته، فإن إجراءه في موعده من دونتأجيل شكّل إشارة إلى أن تصريحات نتنياهو وانتقاداته لم تحرج أحداً. صحيح أن هذهالمبادرات البرلمانية غير ملزمة للحكومات، وأنها لا تتجاوز مبدأ التفاوض على تسويةلإقامة دولتين مستقلّتين، إلا أنها تظهر نفاد صبر أوروبي حيال سياسات التهرّبالإسرائيلية من حتمية إجراء مفاوضات حقيقية، بمقدار ما تبدي أيضاً ضيقاً من تملّصالولايات المتحدة من مسؤولياتها حيال هذا النزاع.

لم يستطع نتنياهو أن يوجّه الأنظار إلى ضحايا الكنيسليجني مكاسب سياسية، ولا أن يدفع الرأي العام الخارجي إلى إقرار تمايز بين اليهوديوالمسلم. فالعالم الذي يراقب ممارسات حكومته ومستوطنيه كان في تلك اللحظة يوجّهالانتقادات لمشروع استيطاني جديد في القدس تحديداً، وبالتالي فإن حديث رئيسالوزراء الإسرائيلي عن «تحريض» فلسطيني يبقى بلا صدى؛ إذ لا يمكن أن يكون هناكتحريض أكثر قسوة وسوءاً من هذا الاستيطان الذي كان ولا يزال مجرد سرقة موصوفةللأرض الفلسطينية، ولا يمكن أن يكون هناك تحريض أكبر من التدمير الإجرامي الهائلالذي ارتكبه الإسرائيليون في حروبهم العدوانية على غزّة.

لكن، في المقابل، ورغم العزلة الدبلوماسية المتزايدة ل”إسرائيل”،فإن تحرك البرلمانات الأوروبية يبقى عاجزاً عن إحداث التغيير المطلوب حتى لو كانيكشف ما سمّته البارونة وارسي «نفاقاً» يلازم سياسات الحكومات. وفي الوقت نفسههناك العجز العربي الدائم عن إنتاج دبلوماسية قادرة على زحزحة الموقف الأوروبيبحيث يدفع التعاجز الأميركي إلى شيء من المبادرة. وبسبب هذا الجمود الذي فرضتهواشنطن على الملف الفلسطيني، لا يزال متطرفو “إسرائيل” قادرين علىمواصلة سياسة تغيير الحقائق والمعالم في القدس وغيرها. وإذا كان الفلسطينيونوالإسرائيليون حذّروا على التوالي، خلال الأسابيع الأخيرة، من «صراع ديني إسلامي-يهودي» فإن الإسرائيليين يبقون واثقين بأن «ميزان القوى» كفيل بحسم أي حرب كهذه.

في أي حال، وعلى غرار ما حصل بالنسبة إلى الاستيطانوالإفلات من العقاب على جرائم غزّة، لم يطرأ حتى الآن ما يمكن أن يردع “إسرائيل”ويحول دون مواصلة اقتحامات المسجد الأقصى، لا الدعوات الأميركية ولا الاجتماعالثلاثي في عمان ولا بيانات مجلس الأمن. ومن الواضح أن الإسرائيليين ماضون فيتهويد القدس وفقاً للمخطط الذي وضعوه وينفذونه ويكادون ينتهون منه على خلفية منالتوتيرات التي يستغلّونها، فيما العالم يواصل مخاطبتهم بمطالب لا ينفك الواقعيتخطّاها، وأبرزها كما هو معلوم مطلب إنشاء الدولتين.

صخيفة العرب القطرية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات