برحيل محمد طه.. تلاميذه القادة يستعيدون الذكريات (تقرير)

من ينسى “كوفيته” البيضاء وهي تهتزّ وهو يخطب في الناس؟، من ينسى خطواته المتعجلة مسابقاً الشباب والصغار في تشييع الشهداء؟.. يتندرون بقصصه الطريفة في تحدي السجّان والجندي الاحتلالي ويختمون الحديث بعظم صبره وعجزهم عن مجاراته.. هذا هو المربي والمؤسس محمد طه “أبو أيمن”.
 
فعلى حين غرة صمت “محمد صالح طه”، أحد أبرز قادة جماعة الإخوان المسلمين وأحد مؤسسي حركة، الكلام بعد أن عاجله الموت لتنتقل روحه إلى السماء، تاركا الدمعة في مقل قادة حماس وجماعة الإخوان الذين تجمعوا في موكب تشييعه وراقبوا غيابه تحت التراب عائدين بدونه مرددين عبارة “إن غاب الجسد فالنهج باقٍ” .
 
توفي “أبو أيمن” عن عمر يناهز 77 سنة بعد وعكة صحية في المشفى يوم 12/11/2014 وشيعه آلاف المواطنين، يتقدمهم قادة حماس والقسام وكوادر من المجتمع المحلي والفصائل الوطنية في يوم أقل ما يوصف بأنه يوم مهم في حياة مخيم البريج بقطاع غزة .
 
يعد “طه” عالم دين ورجل إصلاح، عمل مدرساً لعشرات السنين ومأذوناً شرعياً وناشطاً في جمعيات القرآن والعمل الخيري، وتقلد في السنوات الأخيرة مناصب كثيرة منها رئاسة بلدية مخيم البريج ومستشاراً لرئيس الوزراء السابق “إسماعيل هنية” في شئون الإصلاح.
 

أكثر من بدا متأثراً برحيله، الأستاذ موسى السمّاك الذي يتقلد منصباً رفيعاً في حماس الآن، وقد تابع بنظراته الشاردة مراسم التشييع وأجرى مكالمات هاتفية كثيرة لإدارة الأمر حسب ما يليق بوداع شيخه .
 
أول ما قفز لذهن السماك حين رنّ هاتفه المحمول مخبراً بوفاة “طه” هي أيام الطفولة وهو يتعلم الصلاة على يدي معلمه الشيخ “محمد طه”، مختصراً مئات المواقف الأخرى.
 
يقول السماك لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام”: “تذكرت نفسي وأنا في الصف الثالث بمدرسة ذكور البريج الابتدائية (ب)، فهو أول من علمني قراءة القرآن في حلقات الفجر بالمسجد الكبير، وأن أبقى حتى طلوع الفجر، كان يصرّ على التفسير ولو باليسير من كلمات المصحف”.
 
على بعد أمتار من قبره، وقف د. سالم سلامة النائب في المجلس التشريعي رفيق “طه” في الإبعاد والسجون مستدعياً صمودا داخلياً ليجاهد دمعة تشق طريقها من عينيه وهو يراقب أبناء الراحل ومحبيه يهيلون عليه التراب.
 
ما يعزي سلامة في وداعه، ذلك الإرث العظيم الذي تركه “طه” فكل صفاته خير لكنه يزيد على الآخرين بالصبر والجلد والعزيمة بعد مشوار طويل في الدعوة والجهاد والوعظ، كما قال.
 
ويضيف لـ “المركز الفلسطيني للإعلام” :”هذا الرجل كان مدرسة في الصبر والجهاد، فقد استشهد له 4 من أسرته وهدم بيته، إن جالسته فهو عالم دين ولغة ونحو وتاريخ، ترك فراغاً كبيراً وإرثاً عظيماً .. لن يغيب وسيبقى علمه بيننا”.
 
ويصفه إسماعيل هنية، نائب رئيس المكتب السياسي في كلمة وداعه بالمسجد الكبير، أنه قاعدة من قواعد العمل الإسلامي، حمل مشروع الدعوة في أيام العسرة والملاحقة، وهو ثالث ثلاثة في جماعة الإخوان بعد الشيخين “عبد الفتاح دخان وحماد الحسنات”.
 
ويتابع: “تفتحت عيوني ورأيته في المقدمة في كل مناسبة .. كم خطب فيكم .. ووعظكم.. وحرّض على الجهاد وكان مرجعية إصلاح ومجتمع، وما أعظم صفة الصبر فيه والتحدي والقوة يأخذ بالعزائم ولا يأخذ بالرخص”.
 
أما القيادي البارز في حماس خليل الحية فألقى كلمة عقب التشييع لخّص فيها مواقع الفراغ التي تركها “طه” والتي لن يملأها إلا جيل كامل بعد وفاة الشيخ الراحل، كما قال.
 

الآلاف من أبناء وقادة حماس شهدوا مواقفه في السجون والتي تحدى فيها الاحتلال في أوقات الشدّة، فقد أصرّ دائماً على إقامة الأذان في اللحظات الحرجة بين يدي السجان، وهو مقيد وصدح بالإقامة تحت تهديد البندقية خلف القضبان.
 
يعدّه عيسى النشار، أبرز مؤسسي حركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين، من الرعيل الأول في الدعوة والحركة حيث كانت له مواقف قوية في السجون، خاصة أثناء نوبة عدّ السجناء حتى إذا ما حان الأذان قام وتجاهل السجان وأذن بصوته النديّ.
 
ويضيف لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام”: “في الإبعاد إلى مرج الزهور عشت معه فكان عنيداً وصلباً رغم كبر سنه فتحدى الثلج، وفي السجون سجنت معه عند الاحتلال وفي سجون السلطة الفلسطينية فكان من أصحاب العزائم، له رأي سديد وموقف سليم”.
 
أصرّ “طه” مع الشيخين “عبد الفتاح دخان وحماد الحسنات” أن يضعوا حداً لظاهرة الإبعاد فاتخذ قراراً مع قادة حماس في “مرج الزهور” أن يخلقا من إبعاد المئات من “حماس والجهاد” مشكلة ليحلوا ظاهرة الإبعاد.
 
يتذكر سلامة تلك الأيام متابعاً: “سبقنا 1700 مبعد إلى لبنان لم يعودوا، فقرر ثلاثتهم أن نبقى على أرض جنوب لبنان ولا نتحرك، وبالفعل نجحنا في إثارة انتباه العالم، ورغم ذلك كانت له مواقف مرحة فكان إذا غضب من ابنه أيمن قال له، الإبعاد القادم لن أصطحبك سأصطحب أخاك حسن..!”.
 
جسّد “طه” صمام أمان في الانتفاضة الأولى التي أسس العمل فيها عندما قطع عهداً على نفسه ألا يعترف بمهمته أمام المحقق ليحمي إخوانه في الخارج.
 
ويؤكد موسى السماك القيادي في حماس، أن مخيمهما “البريج” يشهد للشيخ بعطفه على الفقراء وحرصه على بناء شبكة علاقات اجتماعية، حيث لا يكاد بيت في محافظة وسط قطاع غزة والبريج خاصة يخلو من مناسبة شهدها الشيخ الراحل وأولها مناسبات الشهداء والجرحى.
 
ويتابع: “30 سنة وأنا أعمل تحت مشورته في البريج لكن أكثر ما أذكره هو موقفه مع المحقق في السجن الذي كان دوماً يرفض أن ينتزع مصحفه من جيبه ويقول له أنت نجس لا يمكن أن تمس مصحفي” .
 
وكشف إسماعيل هنية نائب رئيس المكتب السياسي في كلمته قبيل الصلاة عليه، أن الشيخ “طه” كان من المعارضين لدخول انتخابات 2006، وكان له رأي مخالف لكن بعد قرار حماس بالدخول كان من أول من دعا للانتخابات على المنابر وفي المهرجانات.
 
وفقدت جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس برحيل “طه”، مرجعاً مهماً محرضاً على الجهاد والعمل الإسلامي في كل المراحل التي سجلت فيها حماس انحساراً أو تمدداً وهي تقارع الاحتلال وأعوانه.