السبت 10/مايو/2025

انتهاك «الأقصى» استدراج إسرائيلي لـ «حرب دينية»

انتهاك «الأقصى» استدراج إسرائيلي لـ «حرب دينية»

لعلتدنيس قدسية المسجد الأقصى الخطوة الأخيرة لزمرة التطرف في حكومة”إسرائيل” لتكريس «يهودية الدولة»، التي باتت شرطاً من شروطها لتفاوض«جدي» مع السلطة الفلسطينية على «تسوية» -وليس على سلام- تخضع أيضاً لشروطالاحتلال وسلطاته. ومن الواضح أن حكومة نتنياهو تعتمد على مجموعة «بلطجية» منالمستوطنين الذين يعملون على طريقة عصابات الأعوام الأولى من الاحتلال قبل ستةعقود ونيّف، ويقوم عدد من أعضاء الكنيست والحاخامات بإضفاء طابع «شرعي» على هذه«البلطجة» التي تشجعها الحكومة بتوفير الحماية لها، بل بفتح الطرق والأبوابأمامها، محتفظةً لنفسها بإمكان التبرّؤ منها، لكنها تتولّى في الوقت نفسه مدّهابالبعد السياسي وتتحيّن الفرص لانتزاع المكسب الذي حدّدته مسبقاً، أي: فرض وضعجديد على المسجد، سواء بزيادة جرعة ممارسة «السيادة» “الإسرائيلية”عليه، أو بفرض أمر واقع لتقسيمه بين المسلمين واليهود.

لميعد السيناريو غامضاً أو مجهولاً. فالمسّ بالأقصى كان دائماً خطاً أحمر تظاهرتسلطة الاحتلال بمراعاته، بشكل أو بآخر، علماً بأن الحادث الأكبر في أغسطس 1969 وهوإحراق الجناح الشرقي للجامع القبلي، إلى الجهة الجنوبية من الأقصى، نُسِب إلىمستوطن أسترالي نصراني متصهين ليبدو كعمل فردي، إلا أنه استُبق بقطع المياه فياليوم نفسه عن المنطقة المحيطة بالمسجد، كما أن وسائل الإطفاء التابعة لبلديةالاحتلال في القدس تعمّدت التأخير، واستغرق وصول سيارات الإطفاء من رام اللهوالخليل وقتاً طويلاً، فيما كانت النار تُجهز على الكثير من الأثاث الأثريوالتاريخي في المسجد. ورغم حصول انتهاكات كثيرة للأماكن المقدسة في الأعوام التيتلت فإنها لم تكن مبرمجة ومنهجية، إذ كانت لسلطات الاحتلال أولويات أخرى في تلكالحقبة. ولعل ما سمّي «سلام أوسلو» هو ما فتح ملف المقدسات، باعتبار أنه أوحىل”لإسرائيليين” أن كل شيء -فلسطيني- أصبح عرضة للمساومة، من أراضي 1967وحدودها، إلى المستوطنات المطاطة، إلى المياه والاقتصاد ولقمة العيش، إلى تقطيعأوصال «الدولة» الموعودة، إلى القدس وأماكنها المقدسة والوجود العربي فيها. وعندمابلغت مفاوضات كامب ديفيد عام 2000 حد وضع تفاصيل على الورق لصوغ اتفاق يتناولأيضاً وضع القدس، بشيء من التنازلات من الجانبين، لم يتمكّن الرئيس الراحل ياسرعرفات من الموافقة عليها، فأخفقت المفاوضات وحمّل الرئيس الأميركي بيل كلينتونآنذاك عرفات مسؤولية الفشل. لكن مجرد إقدام إيهود باراك على عرض «تنازلات» فيالقدس كلّفه عملياً منصبه وتسبّب بانهيار مديد لشعبية حزبه (العمل) لمصلحة صعودراسخ ومتمادٍ للمتطرّفين، بدءاً بـ «ليكود» إرييل شارون وصولاً إلى حزب أفيجدورليبرمان وغيره. ورغم سقوط ما اعتبر «تنازل باراك» ارتأى شارون، ردّاً على مقترحاتكامب ديفيد، أن يقوم شخصياً باقتحام المسجد الأقصى مستنداً إلى حماية أمنية، كمالو أنه يقول: هنا جوهر الصراع… وكان هذا الاقتحام الشرارة التي أشعلت الانتفاضةالفلسطينية الثالثة التي واجهها شارون، بعد انتخابه رئيساً للوزراء، بأقصى العنفوالوحشية، وصولاً إلى اغتيال عرفات. ولما استطاع شارون الحصول على تأييد أميركيكامل وناجز (مع صمت أوروبي، ومجرّد بيانات إدانة عربية، وحبر على ورق في مجلسالأمن) لقمعه الانتفاضة بكل الوسائل التي يراها فقد كرّس منذ ذلك الوقت إخضاع أياحتجاج فلسطيني لميزان القوى العسكري: الطائرات والدبابات والصواريخ مقابلالحجارة.

وهيالمعادلة التي صارت أخيراً: دماراً شاملاً في غزّة مقابل صواريخ الفصائلالفلسطينية. وليس مستبعداً أن تصبح قريباً: دماراً شاملاً في الضفة الغربية أيضاًمقابل المصالحة الفلسطينية، مقابل تحرّك «السلطة» دولياً، مقابل إقدام إدارة باراكأوباما على طرح أي مبادرة جديدة لإحياء المفاوضات. إذاً، فالسيناريو بالنسبة إلىالمسجد الأقصى مرشح للتكرار، وليست الصلاة في حرمه ما تبغيه قطعان المستوطنين، ولامجرد الزيارة، بل نزع القداسة عن هذا الحرم ليصبح الأقصى مجرد عقار كأي عقار آخرتضع سلطة الاحتلال يدها عليه، ومثل أي أرض تصادرها أو بناء تصادق الحكومة علىهدمه. وما يحاوله عضو الكنيست موشي فيغلين، كذلك ما سعى إليه الحاخام يهودا غليك،هو السير على خطى شارون، استدراجاً لانتفاضة ثالثة ولمنازلة وفقاً لـ «المعادلة»ذاتها. لكن حكومة نتنياهو ستستغلّ القمع هذه المرّة لفرض تغيير جذري على الوضع فيالقدس. ومعلوم أنه طوال العقدين الأخيرين، ومنذ مجزرة الحرم الإبراهيمي (1994)وخلال الانتفاضة الثانية وصولاً إلى العدوان الأخير على غزّة، تكررت الانتهاكاتللمقدسات الإسلامية، كما لو أنها تتقصّد التمهيد للمعركة الكبرى حول المسجدالأقصى.

وبالنسبةإلى العصابة التي تدير الحكم في “إسرائيل”، يهيّئ الوضع الإقليميوالانحلال العربي وجرائم «داعش» الموثّقة ومناخ الحرب الدولية على إرهابه عناصرمواتية لقضم السيادة على الأقصى وتحدّي الوصاية الأردنية عليه. وإذ تنذر أصواتكثيرة بالمخاطر التي يمثّلها تحوّل الصراع من عربي-“إسرائيلي” إلىإسلامي-يهودي، فإن عصابة نتنياهو-ليبرمان تعتبر أن الصراع مع العرب انتهى منذ زمن،وإذا كان للصراع أن يصبح دينياً فإن لحظته المناسبة هي الآن، للاستفادة من الحربعلى «الإرهاب الإسلامي» ومواكبتها كما لو أن استيلاء “إسرائيل” علىالمسجد الأقصى سيكون الضربة الحاسمة وعنوان «النصر» الغربي في هذه الحرب. والسؤالالذي يطرح نفسه: إذا كان السيناريو واضحاً ومعروفاً منذ أعوام فماذا يعنيه البرودالعربي، وهل الصراع بين الإسلاميين وغير الإسلاميين بلغ حدّ التهاون في شأنالمقدّسات نفسها؟ لا شك أن انشغال كل بلد عربي بأوضاعه الداخلية يوفّر جزءاً منالجواب لكنه غير كافٍ لتبرير خطأ تاريخي فادح أو لإقصاء شبهات التخلي عن ثالثالحرمين الشريفين وعروبة القدس.

صحيفةالعرب القطرية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...