الجمعة 09/مايو/2025

اجتياز الحدود .. رحلة موت تنتهي بالاعتقال!

اجتياز الحدود .. رحلة موت تنتهي بالاعتقال!

حين طالت غيبة الفتى محمد وحيد ثابت (17 عاما)، تقصّى والده أخباره في تلك الليلة فلم يحصل على إجابة، اتصل على هاتفه المحمول فلم يجب، حتى جاءه الجواب بمكالمة من الشرطة الصهيونية عند منتصف الليل تخبره أن محمد حاول اجتياز الحدود مع شاب آخر، وقد تم اعتقالهما.

كرر محمد ثابت وصديقه نور الزوارعة (19 عاما) ما فعله أكثر من 20 شابا وطفلا منذ انتهاء الحرب على غزة، فتقدما نحو السلك الحدودي، وحاولا اجتيازه، فكان جنود الاحتلال في انتظارهم بعد أن راقبوا تقدمهم الوجل نحو الحدود.

وتؤكد مصادر محلية وأمنية، أنَّ محاولات اجتياز الحدود تحدث عدة مرات كل أسبوع، خاصة من المنطقة المحاذية لمجمع النفايات الصلبة شرق قرية “وادي غزة”، والتي شهدت مئات الحوادث المشابهة خلال سنوات الانتفاضة، كانت غالباً تنتهي بموت أصحابها.

وأعلن مركز الميزان لحقوق الإنسان في غزة، أن أكثر من 75 فلسطينيًا منهم 32 طفلا، تسللوا من غزة إلى الأراضي المحتلة نهاية العام الماضي بذات الطريقة بحثًا عن عمل، ثم جرى اعتقالهم، فيما تشير الإحصاءات الأولية أن الظاهرة عادت بعد الحرب للحدود بوتيرة متسارعة.

ثنائي الحدود
حالات التسلل للحدود في معظمها تكون بشكل ثنائي أو ثلاثي، وقليلاً ما يقدم واحد بمفرده على اجتياز التجربة، معظمهم خاضوا الحالة في وقت الظهيرة من نقطة اعتقدوا أنها الأقرب لأشجار الحدود الواضحة للعيان من خلف الأسلاك، ألا وهي “مجمع النفايات الصلبة” جنوب شرق غزة.

ويؤكد وحيد ثابت والد الطفل “محمد”، من سكان قرية “وادي غزة”، وتفصل منزله 2500 متر عن الحدود، أن ابنه يعمل في قطف الزيتون، وأن شرطة الاحتلال حولت ابنه للمحكمة في سجن القاصرين بمدينة “نتانيا”، أما صديقه “نور” فهو في سجن آخر، متعجباً من فعلتهم ومستهجناً من صمت الأجهزة الأمنية عن الظاهرة.

أما “حسن الزوارعة” والد الشاب “نور” وهو أسير محرر أمضى 7 سنوات في سجون الاحتلال، ونال حريته سنة 2011 م، فيقول، إن ابنه يحيا حياة طبيعية، وأنه علم من وسائل الإعلام بحادثة اعتقاله، مشيراً إلى أن هناك يدا خفية خلف تكرار تلك الحوادث.

بذات الطريقة؛ حاول الشاب محمود السواركة (22 عاما) وقريبه محمد السواركة (17 عاما)، اجتياز الحدود بعد أقل من أسبوع على رحلة زميليهما “نور ومحمد”، فألقى جنود الاحتلال القبض عليهما وأودعاهما السجن بعد رحلة تحقيق وضرب مبرح.

تقف والدة “محمد” على أطلال منزلها المدمر شرق قرية “وادي غزة” مشيرةً بأصبعها نحو الحدود التي لا تبعد عن موطئ قدميها سوى مئات الأمتار، مؤكدة أن آخر عهدها به كان قبيل صلاة ظهر ذلك اليوم.

وتضيف: “بنينا خيمة قرب منزلنا المدمر كما ترى، ولم تنج من أشجارنا سوى هاتان الشجرتان، وسكنا 10 أفراد في خيمة واحدة، ويوم اعتقاله كنا ننهي بناء هذه الخيمة، فقال، سأصلي الظهر وأعود، لكنه اختفى حتى قال لي سكان المنطقة إنهم شاهدوه يجتاز الحدود مع قريبنا محمود”.

وعلى بعد أمتار من خيمة أسرة “محمد السواركة”، يقع منزل زميله “محمود” النصف مدمر، والذي نال نصيبه من الدمار مع قرابة 27 منزلا آخر، وهو ما يشكل “حي السواركة” الحدودي بأكمله.

يقول أحمد، إن تصرف “محمد ومحمود” كان مفاجئاً للأسرة، وإنّ أقاربه شاهدوا طريقة تسللهم والإمساك بهم بأعينهم، وهو مشهد بات يتكرر 3 مرات أسبوعياً، حيث يكون الجنود في انتظار محاولتهم ويقتادوهم لمواقع الاحتلال.

وعادةً ما يبرر الأطفال والشبان محاولاتهم اجتياز الحدود بذريعة البحث عن العمل في داخل “إسرائيل”، ظناً منهم أن مستوى الأجور مرتفع، وفرص العمل متاحة بشكل كبير، لكن أحلامهم تتحطم على بعد أمتار من الحدود.

أبعاد أمنية واجتماعية
وعلم مراسل “المركز الفلسطيني للإعلام”، من مصدر أمني -رفض الكشف عن هويته- أن ظاهرة اجتياز الأطفال أو الشبان للسلك الحدودي ليست جديدة، لكنها تواصلت عقب انتهاء الحرب الأخيرة على غزة، وأن يدا مشبوهة لعبت دوراً في دفع هؤلاء نحو الحدود خلال السنوات الماضية.

وأكد أحد كوادر المقاومة العاملين في رصد الحدود لـ”المركز الفلسطيني للإعلام”، أنه سجل أحداثا متكررة خلال الأسابيع الأربعة الماضية تتم بنفس الطريقة، حيث يتقدم في الغالب اثنان “أطفال أو شبان”، ويتسلقون السلك الحدودي ويكون الجنود بانتظارهم بعد أن يتأكدوا من عدم حيازتهم على أسلحة.

وفي معظم الحالات يلقي جنود الاحتلال المنتشرون على الحدود، والذين لا تراهم العين المجردة، القبض عليهم، ويتم نقلهم عبر دبابات أو مركبات عسكرية لمواقع الاحتلال للتحقيق معهم قبل عرضهم على المحكمة أو تحويلهم للسجون كل حسب سنه.

ويتعرض الأطفال والشبان للضرب والتنكيل، وتحاول مخابرات الاحتلال في معظم الحالات الحصول منهم على معلومات تفصيلية عن مناطق سكناهم قبل محاولة ربطهم أمنياً ليكونوا عيونا لها، لكنها تفشل في معظم محاولاتها حسب متابعة مصدر أمني مطلع.

ويرى أستاذ علم الاجتماع د. درداح الشاعر، أن جملة أسباب تقف خلف مخاطرة هؤلاء الأطفال أو الشبان بحياتهم لاستكشاف ما هو خلف الأسلاك، أولها تأكيد الذات للمجتمع وقدرته على المخاطرة أمام المجتمع، وثانيها محاولة تقليد رجال المقاومة.

ويضيف: “قد يعجبون بنماذج مقاومين سجلوا انتصارات وربما يكون لهم دافع مادي، فهم يسمعون أن العمل في “إسرائيل” يكسب مالاً وفيراً، وأحياناً تقف ضغوطات نفسية واجتماعية في البيئة وإحباط كبير خلف تصرفهم، وقد سبق هذه الظاهرة هجرة البحر والأنفاق”.

ويؤكد الشاعر، أنَّ الفئة العمرية معظمها ما بين (15-18)، وهي لا تشكّل مساحة وعي وإدراك كافية، لذا يدفعهم تفكيرهم غير المحسوب للقيام بتلك المخاطرة التي قد تكلفهم حياتهم.

ويقول شهود العيان والمصادر المحلية في المنطقة الحدودية، أنَّ الاحتلال يتعمّد في الأسابيع الأخيرة إلقاء القبض عليهم وعدم قتلهم بالرصاص أو القذائف المدفعية كما كان الأمر سابقاً، وفي بعض الأحيان يستخدم إطلاق النار من حولهم لإخافتهم.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...