الأحد 11/مايو/2025

الوعد: حصيلة مؤامرة.. وليس بداية لها!

الوعد: حصيلة مؤامرة.. وليس بداية لها!

كل ما سقناه من إرهاصات قبل قرار الحركة الصهيونية فيمؤتمر بازل عام 1897 وقبل قرار وزير الخارجية البريطاني بلفور فيما بعد عام 1917مثّلاً ولا يزالان مخططا تآمريا قديما عنوانه: التقاء المصالح الاستعمارية (مندول أوروبية متعددة) والصهيونية ومخططاتهما البعيدة المدى للوطن العربيوالقاضية: بإقامة دولة غريبة عن المنطقة وعدوة لسكانها في الجزء الفاصل بين دولالوطن العربي في آسيا والأخرى في إفريقيا.

الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني كل عام.. تتجدد ذكرى وعدبلفور الذي جرى إطلاقه في عام 1917. قبل بلفور كان نابليون بونابارت أول من اقترحإقامة دولة (حكما ذاتياً) لليهود في فلسطين تحت الولاية الفرنسية لها. كان يريداستخدام اليهود لخدمة المصالح الفرنسية في المنطقة. في عام 1862 نشر الزعيمالصهيوني موشيه هيس كتابه “روما والقدس” وفيه تحدث عن رعاية فرنسيةلدولة اليهود في فلسطين بمعنى: الاعتراف بإمكانية خدمة الدولة المنوي إنشاؤهالخدمة المصالح الاستعمارية في المنطقة. في عام 1838 تم افتتاح أول قنصلية بريطانيةفي القدس: لخدمة المصالح البريطانية ولتكثيف هجرة اليهود. ساعد القنصل ديكسون منذبداية عام 1839 اليهود في شراء الأراضي في فلسطين وإقامة المستعمرات وقد كانعددهم آنذاك 10 آلاف. في عام 1865 أنشأ الصهاينة البريطانيون “صندوق استكشاففلسطين” كان يقدم مساعدات مادية لكل من يريد الهجرة إلى فلسطين من اليهود.

بعد ذلك توالت موجات الهجرة كان أضخمها فترتان: الهجرةالأولى من عام 1882 – 1904. الثانية من عام 1914 – 1915. قبل هذا الوعد بزمن طويلجرى الحديث أوروبياً عن ضرورة إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين كخيار من عدةخيارات في دول أخرى: صحراء سيناء المصرية وفي العريش تحديداً: (اقتراح رئيسالوزراء البريطاني تشمبرلن) لكن “لجنة الخبراء الصهاينة” رفضته. كانأحد الخيارات: أوغندا (اقترحه بلفور نفسه) رفض المؤتمر الصهيوني السادس هذاالمقترح لأن أوغندا لن تشكل مصدر جاذبية لهجرة اليهود. ثم كانت الخيارات في:كندا الأرجنتين جنوب إفريقيا وغيرها وكلها جوبهت بالرفض الصهيوني لها .. هذايعني: أكذوبة الارتباط اليهودي بفلسطين.

بريطانيا كما كل الدول الاستعمارية هدفت إلى: استعمالاليهود ودولتهم الموعودة لخدمة مصالحها في المنطقة العربية وللتخلص من موجاتالهجرة اليهودية إليها من دول أوروبا الشرقية (في بريطانيا تشكلت اللجنة الملكيةللحد من هجرة الغرباء ـ يقصدون: هجرة اليهود ـ واستدعي هرتزل للإدلاء بشهادتهأمام اللجنة. قدمت الحكومة مشروع قرار لمجلس العموم في عام 1904 لوقف الهجرةواضطرت إلى سحبه تحت ضغوطات المعارضة ثم عادت وقدمته مرة أخرى في عام 1905 ونجح)كما هدفت بريطانيا إلى تأمين خطوط مواصلاتها إلى الهند. سبعة وتسعون عامًا مرّتعلى هذا الوعد المشؤوم من وزير خارجية بريطانيا العظمى للحركة الصهيونية، والذيجعل من فلسطين مكانًا لإقامة الوطن القومي لليهود فيه ظلما وزورا وبهتانا، بمايمثله ذلك من انصياع وتآمر بريطاني مشترك مع قرار المؤتمر الصهيوني الأول الذيانعقد في مدينة بازل السويسرية في عام 1897، والذي جعل من فلسطين “أرضًاللميعاد”.

كل ما سقناه من إرهاصات قبل قرار الحركة الصهيونية فيمؤتمر بازل عام 1897 وقبل قرار وزير الخارجية البريطاني بلفور فيما بعد عام 1917مثّلا ولا يزالان مخططا تآمريا قديما عنوانه: التقاء المصالح الاستعمارية (من دولأوروبية متعددة) والصهيونية ومخططاتهما البعيدة المدى للوطن العربي والقاضية:بإقامة دولة غريبة عن المنطقة وعدوة لسكانها في الجزء الفاصل بين دول الوطن العربيفي آسيا والأخرى في إفريقيا، هذه الدولة ستكون رأس جسرٍ للمصالح الاستعمارية فيالشرق الأوسط، وحربة في ممارسة العدوان على دوله وإبقاء شعوب المنطقة متأخرةومنع قيام أية مظاهر وحدوية بين دوله لأن وحدتها تجعل منها قوة مؤثرة على الساحةالدولية “فهي شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان”. تم رسمهذا المخطط بالمعنى الفعلي (رسمنته) في مؤتمر كامبل ـ بنرمان الذي امتدت جلساتهالمتباعدة من عام 1905 ـ عام 1907. بين الدول الاستعمارية: بريطانيا فرنسابلجيكا هولندا إسبانيا إيطاليا. هذه كلها كان لها أطماع في المنطقة العربيةوغالبيتها استعمرت دولا عربية و”إسرائيل” كانت طرفاً رئيسياً فيالاعتداء الثلاثي على مصر في عام 1956 وبمجموعها تآمرت على وحدة مصر وسوريا فيعام 1958 وصولاً إلى انفكاكها في عام 1961.

إن الصهيونية كمفهوم ديني جرت مزاولتها من قبلالمتصوفين اليهود على مر الأجيال نتيجة لارتباطها بالأمل الكبير في اليهوديةالقائم على عودة المسيح في نهاية الزمان وكانت هذه تعرف بـ”الصهيونيةالدينية”. عملت الحركة الصهيونية كجماعة سياسية منذ إنشائها كصهيونية سياسيةعندما بدأ طرحها بشكل أولي في القرن السابع عشر وجرت صياغتها رسمياً على يدي هرتزلفي عام 1896 الذي وبالمعنى العملي أوجد النظرية ومنهجها في كتابه “الدولةاليهودية” في ذلك العام وشرع في تطبيقها في المؤتمر الصهيوني الأول إذ بدأتفي تعريف نفسها كـ”عقيدة سياسية” و”عقيدة قومية” ثم بدأ ظهورمصطلحات جديدة عن “الشعب اليهودي” و”الأمة اليهودية”. إنإضفاء الطابع السياسي والقومي على الصهيونية لم يكن بمعزل عن تطورات أوروبا آنذاكوانتقالها من مرحلة الإقطاع إلى الرأسمالية وبدء ظهور مرحلة القوميات لذا فمادام قد جرى طرح اليهودية كـ”قومية” كان لا بد من وطن قومي لها وما دامتلم تمتلك وطنا عبر التاريخ كما أن لا وطن لها فبالضرورة من أجل ذلك لا بد وأنتحتل وطناً وتقتلع شعبه من أرضه وبذلك تحولت فعلياً إلى “عقيدة استعمارية”.

الحل للمسألة اليهودية تمثل في تصور العديدين منالمفكرين: أن يعيشوا في المجتمعات التي يتواجدون بين ظهرانيها لأن فكرة “القوميةاليهودية” هي “فكرة رجعية المحتوى” هذا ما طرحه ماركس “اليهوديالديانة” والذي اعتبر في كتابه المعنون بـ”حول المسألة اليهودية”:أن “تحرير اليهود يعني: أن تتحرر المجتمعات من اليهودية” ولينين جاءفيما بعد ليؤكد ما دعا إليه من حل.

مجمل القول: إن وعد بلفور جاء حصيلة لمؤامرة امتدتخيوطها لقرون خلت جرت مراكمتها أوروبيا وأميركيا فيما بعد. الوعد حلقة في مؤامرةولم يكن بداية أو أساساً لها … والحبل على الجرّار ما دام الكيان موجوداً.

صحيفة الوطن العمانية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات