الأحد 11/مايو/2025

ما وراء الهجوم على أبو مازن

ما وراء الهجوم على أبو مازن

يصعّد ساسة “إسرائيل”، في الآونة الأخيرة،هجومهم على الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، ويتهمونه بأنه وراء تصعيدالمواجهات والهبّات الجماهيرية في القدس المحتلة، بفعل “خطاب التحريض الذييطلقه”. ويسارع خصوم عباس، في الساحتين الفلسطينية والعربية، إلى طرح نظريةالمؤامرة، وكأن الرئيس الفلسطيني يربح شعبياً من هذا الهجوم الإسرائيلي، بعد أنكان منهم مَن امتدح خطوات استراتيجية قادها أبو مازن في الأمم المتحدة.

لكن حينما نرى ساسة المؤسسة الإسرائيلية والصهيونيةينتظمون في جوقة لا تتوقف يومياً، فإن علينا البحث في الخلفية والتوقيت. فنحن لسنافي فترة انتخابات رئاسية، وحتى حالة الانقسام باتت منتهية، على الأقل ظاهرياً.ولهذا، فإن للمؤسسة الإسرائيلية أهدافاً أخرى، عدا الهدف التقليدي المتمثل فيالقول إنه “لا يوجد شريك فلسطيني للسلام”.

في السنوات الأخيرة للرئيس الراحل ياسر عرفات، اختلقتالمؤسسة الإسرائيلية، أمام الرأي العام لديها كما للحلبة الدولية، صورة أخرى لأبومازن؛  تستطيع معه “إسرائيل”التوصل إلى أي اتفاق تريده في غضون وقت قصير، لربما يكون بضعة أشهر. وكان في هذاأيضاً مادّة غنية لخصوم أبو مازن على الساحة الفلسطينية؛ إذ “نجح” عباسفي غضون تسع سنوات تقريباً، في أن “يبيع فلسطين عن بكرة أبيها” نحو 99مرّة، كما “باعها” من قبله ياسر عرفات ألف مرّة، قبل أن يزفه من خوّنهشهيداً! وأذكر هذا ليس من باب الدفاع عن عرفات أو أبو مازن، فلي كغيري انتقاداتعلى جوانب من نهجهما، لكن الخطورة حينما يصل خطاب الخصوم، على الساحتين الفلسطينيةوالعربية، الى درجة التخوين.

تورطت المؤسسة الإسرائيلية وماكينة دعايتها لاحقاً بأبومازن. فهو وصل إلى الرئاسة، ولم يوقّع على ما تريده “إسرائيل”. وطالمايهاجمه ساسة “إسرائيل” والحركة الصهيونية، بأنه لم يقبل حتى بما يسمونه”العرض السخي” الذي قدمه له رئيس الوزراء حينها إيهود أولمرت، تماماًكما كان “الاتهام” ذاته لياسر عرفات الذي لم يقبل بعرض إيهود باراك”السخي” في كامب ديفيد العام 2000.

والحملة الإسرائيلية المنظمة ضد عباس، في هذه المرحلةوقبلها، تخاطب أيضاً جهات ذات وزن في الحلبة الدولية، وخاصة أوروبا. والهدف الآنيهو صد مسارين متزامنين: الحراك الفلسطيني في الأمم المتحدة، للحصول على مزيد منالقرارات الداعمة للقرار السابق بالإعتراف بدولة فلسطين؛ وكذلك منع نشوء مسلسلاعترافات بالدولة الفلسطينية في أوروبا. ويمكن ملاحظة أن خطاً واحداً يجمع خطاباتالهجوم على الرئيس عباس، ابتداء من ذاك الذي يطلقه نتنياهو، وحتى آخر عضو كنيست فيمعسكر اليمين المتطرف، وأحياناً أيضاً ضمن ما يسمى “اليمين المعتدل”،وهو دمغ أبو مازن بتهمة التحريض على ما يسمى بـ”الإرهاب”.

وتحاول ماكينة الدعاية الصهيونية في هذه المرحلة دمغالنضال الفلسطيني الشرعي ضد الاحتلال وجرائمه، بإرهاب تنظيمات مثل”داعش” وغيره، على نحو ما فعلت في العام 2001، حينما حاولت دمغ النضالالفلسطيني بإرهاب تنظيم “القاعدة”، بعد تفجيرات 11 أيلول (سبتمبر) منذلك العام، في محاولة لاستغلال المخاوف الناشئة لدى شعوب العالم، وخاصة أوروبا،مما يجري في الشرق الأوسط، وردع تلك الشعوب عن مناصرة الشعب الفلسطيني في قضيته.

باعتقادي أنه يخطئ من يستخف بالحراك الفلسطيني في الأممالمتحدة، وبالقرارات الصادرة في أوروبا. فهما حقاً لن يأتيا بالدولة الفلسطينيةمباشرة على الأرض، وتبقى القرارات رمزية، أو أكثر بقليل، من مثل وضع”فلسطين” الدولة على قائمة دول العالم، مع أنه قرار ضروري ومردوده أكثرمن معنوي؛ كما تدرك “إسرائيل” جيداً. لكن، وكما ذكر هنا في مقالاتسابقة، فإن ما يقلق “إسرائيل” أيضاً، انعكاس مثل هذه القرارات الدوليةعلى الرأي العام في الدول المركزية في العالم، ليعيد اهتمامه بالقضية الفلسطينية،ويخلق حالة أوسع لمناهضة “إسرائيل” وسياستها، ما يساعد على نهجالمقاطعة، وتشجيع الحكومات على النفور من “إسرائيل”، تمهيداً -كسيناريوافتراضي مستقبلي- لمقاطعة “إسرائيل” اقتصادياً وسياسياً.

من المحزن غرق بعضنا في الدعاية الإسرائيلية الصهيونية،وانجراره وراءها، واستغلالها لإثارة الخلافات في الساحة الفلسطينية، بما يخدمالأهداف الإسرائيلية. والمطلوب دائماً البحث في خلفيات وعمق الخطاب الإسرائيلي،والبحث عن دوافعه لمواجهته، وليس تأويل الخطاب الإسرائيلي لشن الحرب ضد بعضنا بعضاً،وكأنه تنقصنا جروح ونزيف وآلام!

صحيفة الغد الأردنية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات