مسيحيو فلسطين في مرمى الاستهداف الصهيوني

في ظل الاستهداف الصهيوني لكل ما هو فلسطيني، نال المسيحيون في فلسطين وعلى مدار عقود، جزءًا مما ناله كافة أبناء الشعب الفلسطيني من انتهاكات واعتداءات طالت البشر والحجر والشجر، ولا زال مسيحيو فلسطين يعانون من آثار النكبات الفلسطينية منذ عام 1948 وحتى اليوم، والتي أدت إلى طرد معظمهم من مدنهم وقراهم، وهجرة قسم آخر تحت وطأة الاحتلال، وصمود قسم ثالث في ظروف سياسية وأمنية واقتصادية قاسية.
فنتيجة لقيام الكيان الصهيوني، تعرّض المسيحيون والمسلمون في فلسطين بشكل عام، وفي القدس المحتلة بشكل خاص، لضغوط شديدة في حياتهم الاقتصادية والسياسية وممارساتهم الدينية، فضلاً عن سلب أراضيهم ومنازلهم وتهجير غالبيتهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة وإلى الدول العربية المجاورة.
ومع تصاعد اعتداءات ما يعرف بعصابات “تدفيع الثمن” الصهيونية ضد الفلسطينيين في مدن الضفة الغربية وقراها وفي الأراضي المحتلة عام 1948، طال الكثير من تلك الاعتداءات الأماكن المقدسة والمقابر ودور العبادة لدى المسيحيين.
وفي سعيه المتواصل لشق وحدة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، وطمس الهوية العربية لفلسطينيي الداخل عبر تشتيت وتمزيق النسيج الاجتماعي، يحاول الاحتلال تجنيد المسيحيين في جيشه، وهو الأمر الذي يرفضه معظم المسيحيين العرب.
ويقول الكاتب جوني منصور، وهو مسيحي من أراضي 1948، في مقال له: “المسيحيون العرب لن يحملوا السلاح، ولن ينخرطوا في الجيش الذي هجّر أهالي قرى كفر برعم وإقرث والبصة والبروة والمنصورة وسحماتا ومعلول والدامون وسيرين وبيسان وطبريا وصفد، ولن يحملوا سلاحا ولن يتجندوا في صفوف جيش يحتل أراضي شعبهم في الضفة الغربية ويحاصر أهلهم في غزة، ولن يتجندوا في جيش يقهر شعبهم يوميًّا، ويفرض حصارًا عنصريًّا وحشيًّا لا شبيه له في تاريخ البشرية على الإطلاق”.
ولم يكن المسيحيون بمنأى عن الممارسات والإجراءات التي مارستها العصابات الصهيونية سابقا، والكيان الصهيوني لاحقًا، والتي أدت بمجملها إلى طرد وتهجير آلاف الفلسطينيين، ولا تزال.
ويشير رئيس أساقفة سبسطية المطران عطا الله حنا، إلى أن إفراغ فلسطين من مسيحييها هو جزء من المشروع الصهيوني لتكريس الكيان الصهيوني الذي يريد إقامة دولة يهودية خالصة على أرض فلسطين.
ويضيف أن ذلك يندرج أيضا ضمن مسلسل تهجير المسيحيين من المشرق العربي، لتصوير الصراع على أنه صراع ديني بين المسلمين من جهة واليهود والغرب المسيحي الداعم للكيان الصهيوني من جهة أخرى، إذ أن وجود المسيحيين في فلسطين وباقي الدول العربية ينفي هذه المزاعم.
وقد شهدت أعداد المسيحيين في فلسطين تراجعاً مستمراً منذ نهاية القرن التاسع عشر، وكان لسياسات الانتداب البريطاني، وما تبعه من قيام الكيان الصهيوني، والحروب التي شهدتها فلسطين خلال قرن من الزمان، دور رئيس في ذلك.
وبحسب دراسة أعدها عضو في المجلس التشريعي الفلسطيني وأستاذ علم الاجتماع في جامعة بيت لحم برنارد سابيلا، فقد كان عدد المسيحيين في فلسطين 42871 مسيحياً في العام 1894، أي 13.3% من مجموع سكان فلسطين آنذاك والبالغ 322338 نسمة، وانخفض هذا العدد تدريجيًّا ليصل إلى 145 ألف مسيحي، أي 7.6% من مجموع السكان، وبقي 34 ألف مسيحي في الأراضي المحتلة عام 1948، بينما تحوّل 60 ألفًا، أي 41.3% من المسيحيين الفلسطينيين إلى لاجئين، ووصل عدد المسيحيين في الضفة الغربية وقطاع غزة قبل حرب 1948 إلى 51063 نسمة، أي أكثر بقليل من عدد المسيحيين في الضفة والقطاع اليوم.
ويهدد الواقع القائم في القدس حاليًّا بتلاشي المسيحيين هناك تدريجيًّا، بسبب استمرار الاحتلال وسياساته ضد الفلسطينيين في القدس التي تضم 14 كنيسة، بينما لا يزيد عدد المسيحيين في القدس الشرقية اليوم عن ثمانية آلاف، وفي إحصاءات أخرى فإنهم لا يزيدون عن ستة آلاف.
وفي شباط (فبراير) 2010، أُعلن عن مخطط صهيوني لطرد 1500 فلسطيني من بيوتهم في القدس المحتلة، بحجة بنائها من دون إذن بلدية الاحتلال، التي لا تأذن على أي حال لأحد بالبناء أو الترميم، وكان من بين هؤلاء 400 مسيحي.
ومنذ عام 2001 تتسارع وتيرة هجرة المسيحيين الفلسطينيين بشكل واضح، نتيجة ما رافق انتفاضة الأقصى من عدوان صهيوني واسع استهدف جميع الشعب الفلسطيني والأماكن المقدسة ودور العبادة.
وتُرجع الكنائس زيادة الهجرة المسيحية إلى عدة أسباب، أهمها فرض الكيان الصهيوني قيودًا على لمّ شمل العائلات الفلسطينية، والقدرة المحدودة المتوافرة أمام المجتمعات المسيحية في القدس للتوسّع العمراني بسبب مصادرة الاحتلال لممتلكات الكنيسة، والقيود المفروضة على البناء، والضرائب الباهظة، وصعوبات الحصول على تصاريح إقامة لرجال الدين المسيحيين، وبناء الجدار الفاصل في قلب الضفة الغربية لفصل المناطق الفلسطينية عن القدس وعن المستوطنات وأراضي 1948.
ويؤكد أمين عام الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات الدكتور حنا عيسى، أن هجرة المسيحيين من الأراضي الفلسطينية في الآونة الأخيرة أصبحت ظاهرة مقلقة، لا سيّما وأن آخر المؤشرات تشير إلى أن 600 مسيحي من القدس المحتلة والضفة الغربية وقطاع غزة يهاجرون للخارج سنويًّا.
وتدفع ممارسات الاحتلال، خصوصًا التضييق على حرية العبادة، المسيحيين إلى الهجرة، ولهذا فان العديد من المراقبين يرون أن إنهاء الاحتلال هو السبيل الوحيد لكي يتمتع الفلسطينيون المسيحيون والمسلمون بالازدهار والتقدم، وهو السبيل الأكيد لاستمرار الوجود المسيحي في فلسطين.
ويمارس الاحتلال عددًا من الإجراءات لإفراغ القدس من سكانها المسلمين والمسيحيين، تشمل إلغاء الإقامة، وفرض قيود صارمة على حرية العبادة، وهذا هو الحال في مدينة بيت لحم أيضا، والتي يطوّقها الجدار الفاصل ويصادر مئات الدونمات من أراضيها، ويحرم سكانها من الوصول إلى كنيسة المهد بحرية.
وفي أعياد الميلاد والفصح حين يأتي آلاف المسيحيين إلى القدس أو بيت لحم للاحتفال بالعيد، يمُنع الفلسطينيون المسيحيون الذين وُلدوا ويعيشون في المدينة المقدسة أو قربها من المشاركة بمراسم العبادة في المدينة.
ويمنع نظام المستوطنات والجدار حرية الحركة والعبادة بين أقدس مدينتين لدى المسيحيين، ويخنق الحركة السياحية التي يعتاش منها الكثير من المسيحيين.
اعتبرت الكنائس نفسها دومًا جزءًا لا يتجزأ من محيطها العربي، وساهمت بمدارسها وبمستشفياتها وبمؤسساتها الخدماتية الأخرى في فلسطين، ويعود تاريخ إنشاء المدارس التابعة للكنيسة فيها إلى منتصف القرن التاسع عشر.
ويؤكد رئيس الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في فلسطين المطران منيب يونان، أن المسيحيين هم جزء لا يتجزأ من المجتمع العربي الفلسطيني، ومرتبط بتاريخه ونضاله وتراثه وآماله.
وقد شكل المسيحيون ركيزة مهمة في التاريخ الفلسطيني منذ بداية القرن الماضي، وبرز منهم أسماء لامعة في تاريخ النضال الفلسطيني، أبرزهم جورج حبش وكمال ناصر والمطران ايلاريون كبوتشي والمطران عطا الله حنا، والعشرات من النخب والمثقفين والكوادر السياسية والعسكرية.
وتحاول وسائل الإعلام الصهيونية إشاعة أن المسيحيين في فلسطين يتعرضون للاضطهاد على يد المسلمين، وأن نسبة كبيرة منهم تحاول الهجرة أو هاجرت فعلاً إلى خارج الأراضي الفلسطينية.
إلا أن الحقائق على الأرض تنفي تلك المزاعم، ففي قطاع غزة؛ حيث تجلت وحدة المسلمين والمسيحيين في غزة في الحرب الأخيرة عندما قتلت الصواريخ الصهيونية مسنة مسيحية من عائلة عياد، وعندما فتحت الكنائس هناك أبوابها أمام المسلمين لأداء الصلاة بعد استهداف الاحتلال للمساجد وتدميرها.
ويقول فادي سمعان، أحد أبناء الطائفة المسيحية في غزة: “نحن هنا لا نعاني من أية ضغوطات من أي أحد، بل على العكس، كافة المسيحيين يعيشون بحرية ومن دون خوف، ويمارسون العبادات بكل حرية ومن دون تدخل من أي شخص.
ويؤكد راعي طائفة اللاتين في غزة الأب إمانويل، أن العلاقات المسيحية – المسلمة على أحسن ما يرام في غزة، وأن مغادرة أفراد قلائل من أبناء الطائفة للقطاع لا يمكن تصنيفها بأنها سياسية، وإنما هجرة اقتصادية.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...