خزاعة.. فصول نكبة يجددها المطر (تقرير)
كانت هناك جنة، تتربع على ضاحية من ضواحي مدينة خانيونس، وفي الجهة الشرقية منها، يكسوها اللون الأخضر ويُردد الأذان فيها مآذن ثمانية مساجد، وتتقارب بنايات أناسٍ جلّ حياتهم الكِفاف، رغيف خبزهم من خير أرضهم وبعرق جبينهم، سعادتهم في بعدهم عن صخب المدينة ومكدرات صفو هوائها.
شبه حل!
هم سكان قرية خزاعة البسطاء، الذين لم يكن لهم حولٌ ولا قوة أمام آلة الدمار الصهيونية، وقد أتت على قريتهم من القواعد فخرّ عليهم السقف، لتُحيلها خراباً، لا تستطيب سُكْنه الهوام، وتفرّ منه الأشباح حتى.
شبه حل أقدمت عليه هيئة الأعمال الخيرية تمثل ببناء “كرافانات” صغيرة لأصحاب المنازل المدمرة، بات هو المشكلة بحد ذاتها بعدما أذابت حرارة الصيف ما تبقى من شموع الأمل، وأغرق سيل الشتاء مأواهم تارةً بمائه وأخرى بمياه المجاري العادمة، التي اجتاحت “الكرافانات” مع أول زخّة مطر.
الحاجة أم بسام النجار إحدى سكان قرية خزاعة، وقد حدّدت تجاعيد وجهها خطوط المعاناة وملامح المأساة لا تجد أمامها سوى الصبر حلاً وحيداً، وكيف لا تصبر وهي التي تجرّعت علقم التشرد للمرة الثانية – كما تقول لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام” – كانت أولاها عام 2008 بعدما سوّت صواريخ الطائرات الحربية الصهيونية منزلها بالأرض، لتُعيد وأبناءها بناؤه قبل أن تعيد ذات الصواريخ قصفه في العدوان الأخير على غزة.
كل تلك الآلام لا تساوي شيئا أمام حرقة قلب أم بسام على ابنها عماد في سنته الجامعية الثانية والحافظ لكتاب الله، والذي ارتقى شهيداً في العدوان الأخير، فلا يكاد يُذكر اسمه حتى تحاول جاهدةً حبس الدموع في عينيها، إلا أن رحمة الله التي ألقاها على قلوب الأمهات تفتح نهراً من الدموع آخذاً من أخاديد خدّيْها مسلكاً له.
تقول أم بسام: “والله يمّا منقول إنا صامدين وصابرين، لكن النار والله بتاكلنا أكل من جوانا على أولادنا وبيوتنا وشقى عمرنا، إحنا رضينا بـ”الكرافانات” من ضيق مش من وسع، بس عشان البنات ينستروا فيهن”.
كمن يأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت، هو الوصف الأبلغ لما آلت إليه أمور أم بسام النجار وعائلتها، لاسيما ومع دخول سيول الأمطار كرافاناتهم لتغرق الطين بلة، ولتكون الأمراض هي العدو القادم المرتقب وقد هيأت السيول ورطوبة المكان الأجواء المناسبة للحشرات والجراثيم المُعدية.
فتقول الحاجة: “أول ما مطّرت غرقنا، المجاري دخلت علينا والريحة فاحت، لولا ربنا ثم الشباب جابوا معدات وطريات وعملوا سواتر رملية، ولا حد سائل فينا، يا ريت شفتونا وقت المطرة كيف كان حالنا ببكي الحجر”.
وضع مأساوي
ومعها في ذات “الكرافان” الحاجة حسنة النجّار، والتي قصم ظهرها استشهاد زوجها في عدوان عام 2008، وتبعاه حفيديها شادي وآلاء النجار، لتدمر آلة الدمار الصهيونية في عدوانها الأخير منزلها المكوّن من 6 طبقات، تاركةً لها عبَرات الحسرة ما تسلّي به مصابها.
فتقول الحاجة والكبت يعصرها: “كل واحد من أولادي كان له طابق مكوّن من 6 غرف، وحالنا ميسورة والحمد لله، والله بدنا ننجن بعد ما انقصفت هالعمارة، كلفتنا كثير وعمرنا راح معها، وإحنا مجبورين على هالحال اللي بصعب على الكافر”.
ويتكوّن “الكرافان” الواحد من غرفتين صغيرتين ومطبخ وحمام لا يكاد يتسع لشخص واحد، بمساحة 30 متر مربع، عمل غالبية سكان “الكرافانات” على توسعتها لـ9 أمتار إضافية أخرى، ما يكلفهم قرابة 1800 شيكل، وهو ما تعجز الحاجة حسنة عن دفعه.
ولا يتوقف الخطر المحدق بساكني “الكرافانات” على سيول الأمطار الجارفة، بل تعدّاه لخطر الصواعق التي أصابت مؤخراً سيدة كادت تودي بحياتها، بعدما ضربت صاعقة من البرق إحدى الكرافانات الحديدية.
مخاطر بعضها فوق بعض تهدد أمنهم من جديد، وتُجبر دماغهم لما رأوا على التفكير بسيناريوهات غير متوقعة، كالحاجة حليمة النجّار التي تخشى أن تصبح يوماً وقد جرف نهرٌ جارٍ معه الكرفان بما حمل.
تقول الحاجة حليمة: “حالنا مش حال بالمرة، مبارح المية دخلت علينا زي البحر وإحنا نايمين والنسوان والأطفال يبكو، يعني معاناة لا يمكن وصفها، بيتنا كان 3 طوابق و6 شقق، كان فيه ساكن أكثر من 20 نفر، راح باللي فيه، وحسبي الله ونعم الوكيل على اليهود اللي خربوا بيوتنا”.
ومنهم الأطفال الصغار والنساء حريٌ بهم الخوف وهم الذين يصادفون الكلاب الضالة في كرافاناتهم تارة، وتارة تفاجئهم الأفاعي السامة والحشرات، إضافة إلى البرد الذي يقرص أجسادهم النحيلة، في صورة متكاملة لجحيم الدنيا الحقيقي.
سوسن النجّار وهي تحتضن ابنها الرضيع لتمنحه شيئاً من الدفء، وهو الذي رُزقته بعد 16 عاماً من زواجها تقول: “نعيش في الكرافان 8 أشخاص، وأنا معي ولد صغير بنخاف يمرض من هالوضع المأساوي، زوجي عاطل عن العمل، ووالدي معاه غضروف ولا يستطيع العمل، وعايشين على المساعدات اللي هية حقنا مش أكتر”.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلام شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، حملة دهم واعتقالات في عدة مناطق في الضفة الغربية المحتلة، تخللها...

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...