الثلاثاء 13/مايو/2025

سياسات سلطة لا حكومة

لمى خاطر
يجتزئ كثيرون من المشهد السياسي جانبه الأقلّ أهمية وهم يحللون أو ينتقدون أداء حكومة رامي الحمد الله أو ما يسمى بحكومة الوفاق في تعاملها مع الملفّات الصعبة في الحالة الفلسطينية، وتحديداً في غزة.

ثم لا يجد هؤلاء وصفاً سوى (الفشل) لنعت أدائها، فيطالبها بعضهم بالرحيل، وينتقد آخرون أداء وزراء بعينهم مختزلين المشكلة في شخوصهم، بينما يطالب نفر آخر بحكومة جديدة قادرة على النهوض بمسؤولياتها.

وتبدو هذه الحالة من أكثر الأمور طرافة في الواقع الفلسطيني الراهن، وكأنّ حكومة أخرى ستملك المفاتيح السحرية التي من شأنها حلّ أزمات قطاع غزة، في إعادة الإعمار وتسوية أوضاع الموظفين وفتح المعابر!

والأمر على كل حال ليس غريبا، فالحالة الفلسطينية منذ سنوات يغلب عليها التركيز على الجزئيات وظواهر الأمور وإغفال جوهرها وأساسها، حدث ويحدث هذا في التعاطي الشكلي البائس مع مسألة الانقسام، ومع المشروع الوطني برمّته، وفي تجليّات ذلك الانزياح نحو أمور تعدّ ترفاً وقضايا ينبغي أن تكون مؤجلة في الأوطان المحتلة.

لعله التغافل أو الجهل، وأحياناً الجبن، من يُحيل كثيرين عن انتقاد صميم المشكلات وإبصار مواضع العقد فيها، أو لعلّها تلك النمطية القاتلة التي غلّفت لغة السياسة والتحليل والتشخيص، أو لعلّها أكذوبة الدولة التي صدّقها كثيرون، حتى صارت كل مشكلة تفصيلية تُعزى لخلل إداري جانبي، وتُقترح لحلّها حلول عقيمة لا تُقدّم ولا تؤخّر.

إلقاء ثقل الانتقاد على الحكومة أو على رئيسها هو ترحيل للأزمة أو تجميد لها، ويشبه ذلك التعامل القاصر مع حكومة فيّاض السابقة، حين كان يتم تلخيص المشكلة الفلسطينية في شخصه، بينما الحقيقة القاتلة كانت تقول دائماً إن أساس بلائنا ليس في شخص الرجل ولا في من سيخلفه في هذا المنصب، فهؤلاء جميعاً أدوات إدارية تنفّذ سياسات سلطة، وهذه السياسات مقرّة في اتفاقيات التسوية، ومرسومة بعناية لتحديد دور وظيفي خطير لهذه السلطة، وتكبيلها بأسوأ الالتزامات الأمنية والسياسية والاقتصادية.

والنتيجة التي تتبدى يوماً بعد آخر أن هذه السلطة بسياساتها ونهجها غير القابل للتحوّل أو التبديل تبدو أقرب لترسيخ أهداف المحتل منها لشعبها، ودوامها مرهون بدفعها المسبق لكل الأثمان التي يحددها مموّلوها ويباركها الاحتلال، ولذلك يصبح كلّ الكلام عن التوافق وإبرام إستراتيجية وطنية جامعة للتخلص من الاحتلال أو حتى لإدارة شؤون الناس مجرد كلام عائم لا يتحلّى بأقل قدر من المصداقية، تماماً كما هو (التشاطر) على ذمّ الحكومة وتجنّب التذكير بخطيئة السلطة وسياساتها!

وغزة اليوم، تتعطّل عجلة إعمارها، ويطول حصارها، لأن هذه الحكومة لا تستطيع أن تقدّم لها ما يخالف ثوابت السلطة وما يناقض (المعايير الدولية) التي لا يمكن أن تبارك ساحة تحظى المقاومة فيها بالشرعية الأولى، ولا يُطرح نزع سلاحها على موائد التفاوض.

وكل هذا التباطؤ والتلكّؤ والتأجيل في حلّ إشكالات غزة يحدث لأن السلطة وإلى جانبها عناصر الحصار الأخرى كإسرائيل ومصر تراهن على عامل الوقت حتى يكون ضاغطاً على المقاومة، وعلى أمل تحصيل تنازل كبير يتم بموجبه مقايضة السلاح بحاجات الناس، وجعل الإعمار والرفع الجزئي للحصار مشروطاً ومقترناً باستمرار الإذعان.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات