الإثنين 12/مايو/2025

مفاضلات حماس بين المكلف والأقل كلفة

د.عدنان أبو عامر
كان واضحًا أن حماس التي ذهبت باتجاه المصالحة مع فتح أواخر نيسان/ أبريل، ووافقت على تشكيل حكومة الوفاق أوائل حزيران/ يونيو استأخرت كثيرًا قدوم هذه الحكومة لتعقد أول اجتماع لها في غزة أوائل تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، وهو ليس حدثًا شاذًّا أو استثنائيًّا، لكن الغريب واللافت ألا تأتي هذه الحكومة إلى غزة، وقد مضى على تشكيلها أكثر من 4 أشهر، حتى في ذروة الحرب عليها.

وقد تبدى أن سير المصالحة الهشة بين فتح وحماس قد يدفع الأخيرة إلى خيارات قد لا تريدها، ولا ترغب بها، لكنها تبدو كمن يفاضل بين خيار سيئ وأقل سوءًا، وبديل مكلف وأقل كلفة، على أساس أن زمن البدائل الحسنة والجميلة قد فات منذ زمن بعيد في أجندة حماس.

ومن هذه الخيارات المتوقعة، ويبدو أن حماس ستخرجها من أدراجها في قادم الأيام، إن بقيت المصالحة على حالها من البطء والتردد:

1- العودة مجددًا إلى حكم غزة: وهو خيار يبدو مستبعدًا كثيرًا في هذه الآونة لأسباب عديدة: داخلية وخارجية، فالحركة ما زالت تعاني من أزمة مالية لم تتحرر منها بعد، والعودة إلى حكم غزة بصورة انفرادية يعني استنساخ المشاكل التي كانت قائمة طوال السنوات السبع الماضية (2007م-2014م)، وأجبرتها في النهاية على توقيع مصالحة مع فتح بدا أنها قدمت فيها تنازلات أكثر مما قدمت شريكتها.

وهذا الخيار الصعب قد يعيد إغلاق الأبواب التي تبدو “مواربة” حاليًّا مع الجارة الجنوبية والشقيقة الكبرى مصر؛ لأنه سيعني لها عودة كابوس “الإمارة الإخوانية” على حدودها الشرقية، وقد تنفست الصعداء نسبيًّا بعد أن انسحبت حماس من المشهد الحكومي مؤقتًا بسبب المصالحة الأخيرة مع فتح.

فضلًا عن أن تحقق هذا (السيناريو) الاضطراري يعني بكل وضوح وصراحة طي صفحة مشروع إعادة إعمار غزة؛ لأن المجتمع الدولي والدول العربية ببساطة لن تضخ المليارات الخمسة التي وعدت بها أخيرًا في ميزانية حماس، وهذا يعني بقاء مشاهد الدمار ماثلة أمام ناظري قادة الحركة في غزة.

2- التحالف مع دحلان: يعلم كلٌّ أن مصالحة فتح وحماس لم تنزل بردًا وسلامًا على محمد دحلان القيادي “الفتحاوي”، وخصم عباس اللدود، بل إن بعضًا رأى أن الأخير سارع إلى المصالحة مع حماس عقب ورود معلومات أولية، مفادها أن الجانبين: حماس ودحلان قد يذهبان نحو مصالحة ثنائية دونه.

وهذا يعني سحب تمثيل عباس لقطاع كبير من فتح؛ لأن قواعد تنظيمية كبيرة في غزة لا تخفي ولاءها لدحلان، بجانب أن الرئيس بنظر العالم لا يمثل كل الأراضي الفلسطينية؛ لأن حماس تسيطر على غزة.

في هذا (السيناريو) لا تنظر حماس إلى دحلان بصفته “الفتحاوية” الفلسطينية فحسب، بل تنظر أيضًا إليه بصفته له ارتباطاته الوثيقة مع دوائر صنع القرار في القاهرة والرياض وأبو ظبي، وحماس في وارد تحسين العلاقة مع هذه العواصم، ويبدو لها أن كلمة السر لذلك في جيب دحلان، لكن ذلك يتطلب منها تنازلات تقترب مما قدمته لعباس.

3- تشكيل هيئة وطنية: ربما هذا الخيار الأقل كلفة لحماس قياسًا بالخيارين السابقين، لكنه الأكثر عجزًا عن مواجهة مشاكل قطاع غزة؛ لأنه _باختصار_ ليس هناك من “تكنوقراط” حقيقي مجرد في غزة خصوصًا، والأراضي الفلسطينية عمومًا، دون أن يكون له ارتباط فكري أيديولوجي، فضلًا عن تبعية تنظيمية لهذا التيار أو ذاك.

وهذه الهيئة لن تنجح بالانعتاق من وصاية حماس الأمنية والسياسية، وفي النهاية تبدو “بضاعة كاسدة” أمام العالم لن يشتريها أحد، وسيبقى كلٌّ مقتنع أنها “شكل ديكوري” يخفي خلفه سيطرة حماس على غزة من وراء ستار، ولذا لن يكون العالم متشجعًا كثيرًا على التعامل مع هذه الهيئة التي تجد قبولًا لدى أوساط لا بأس بها من رجال الأعمال والتجار والأكاديميين في غزة.

أخيرًا: إن تشجع حماس على إنجاح المصالحة مع فتح يخلصها من أعباء كثيرة عانت منها في السنوات الماضية، لكن تأرجح هذه المصالحة بين اشتراطات عباس وكارثية الواقع المأسوي في غزة قد يذهب بحماس إلى خيارات أخرى وردت آنفًا، مع أن كلفتها باهظة، ولسان حالها يقول: “مكره أخوك لا بطل”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات