حق تقرير المصير ما بين الفلسطيني واليهودي الإسرائيلي

كما انه معروف أيضا أن أوروبا فيها الأقليات قليلة جدا هذا على عكس المنطقة العربية التي يوجد فيها تشكيلات عديدة من العرقية والاثنية والأقليات وحتى المذاهب في سياق الدين الواحد لكن ضمن إطار جامع من الموروث الحضاري والمشترك اللغوي الجامع والإنساني، ولذلك ما إن بدأ عصر النهضة في أوروبا وانطلقت فيها الثورة الصناعية والحاجة الامبريالية لغزو الشعوب الأخرى بما فيها دول العالم الثالث في أسيا وأفريقيا، حتى رأت التخلص من الجماعات الاقلوية ذات الصبغة والطابع الوظيفي كفائض بشري وكمادة نفعية ينبغي تجديد الاستفادة منها في مستوطناتها في الأقاليم والدول المستعمرة، حيث إن الجماعات الوظيفية بمن فيهم وعلى رأسهم الجماعات اليهودية كانت تغلب عليهم سمات العمل في بعض الأعمال الهامشية والمهمة أيضا، والتي لا يتقبلها المجتمع الموجودون فيه لدواعي الحفاظ على متانة وتماسك الحالة الاجتماعية عندهم من مثل بعض الأعمال المالية والتجارية والربا وبعض أعمال الوساطة التجارية في تمويل وتموين بعض القطاعات الرسمية في الدول الأوروبية لا سيما العسكرية في أوقات الحروب والأزمات.
كان لا بد من تجديد تفاصيل وأعمال الحالة الوظيفية لهؤلاء؛ لينتقلوا من وصف الجماعة الوظيفية المالية والتجارية ليصبحوا مادة نفعية لكن هذه المرة في الجانب القتالي والاستيطاني كقاعدة عسكرية زهيدة التكلفة وضامنة لحالة الضعف والتفتت في المنطقة العربية، وتحديدا في الجزء المهم من الناحية الجغرافية والسكانية في فلسطين
والجماعات اليهودية ليست واحدة لا في سياق المنظومة الدينية ولا اللغوية ولا الحضارية أيضا، أي لا يمكن النظر إليها على أنها كل واحد بل هي جماعات منتشرة في جميع أنحاء العالم، وهي جزء من التشكيل المجتمعي والحضاري في البيئات التي تتواجد فيها، وان كان لها بعض الخصوصية والحركية فهي مرتبطة بوضعها كأقلية تتسم فيها بسمات المشترك مع الأقليات الأخرى في العالم. وهي في النسق الديني أيضا ليست واحدة فمعروف أن كتاب التلمود التفسيري ألحاخامي فيه طبقات عديدة من العقيدة وحتى الشريعة اليهودية، وقد تم تأليفه وكتابته على مر قرون متطاولة في الزمن تأثرت بما هو موجود من معتقدات وأفكار ورؤى سواء دينية أو اثنيه أو ثقافية حضارية في تلك المجتمعات الإنسانية عبر التاريخ.
إذا، فالمشروع الصهيوني والحركة الصهيونية كحركة قومية كولونيالية استعمارية هي انعكاس حقيقي للفكر والممارسة الاستعمارية الغربية، ويجب أن ينظر إليها في إطار التشكيل الاستعماري الغربي لا اقل ولا أكثر ، وان ما يستخدم سواء غربيا أو من المشروع الصهيوني من تقديمات وتبريرات بوحدة النسق اليهودي والحالة اليهودية الواحدية وغيرها إنما هو لأجل إسباغ الشرعية على الحالة الاحلالية الاستيطانية التي أوجدها ورعاها الغرب الاستعماري خدمة لأغراضه وأهدافه في السيطرة على ثروات المنطقة ومقدراتها، من خلال تجربة الاستيطان الاحلالي اليهودي في فلسطين باعتبار الأخيرة حلقة وصل مادية جغرافية بين جزئي العالم العربي بمشرقه ومغربه. من خلال المراجعة التاريخية والدينية للجماعات اليهودية سواء في أوربا الغربية أو وسطها أو في شرقها، نجد أن هذه الجماعات اليهودية قد اندمجت في المجتمعات التي تعيش فيها بعد مسألة التحديث والنهضة الأوروبية تحديدا في الغرب الأوروبي، وأما في شرق أوروبا فكانت هذه الجماعات تريد الاندماج في المجتمع القائمة فيه بالأساس برغم تعثر المشروع التحديثي في روسيا القيصرية في أواخر القرن التاسع عشر، والدليل أن كثير من قادة الحراك الثوري والاجتماعي في تلك الدول كانوا من الأقلية اليهودية أو الجماعة اليهودية، بسبب أن مساحة ونوع الظلم في العادة يصيب الأقليات الدينية والعرقية بطريقة أكثر مباشريه ووضوح.
وهذا يعني أن المشروع الصهيوني في استجلاب اليهود – كجماعات منتشرة ومندمجة أو تحاول الاندماج- إلى فلسطين كان بطريق الخداع الاستعماري والتضليل والقسر والجبر في أحيان أخرى.
وبعد إقامة المشروع الصهيوني على ارض فلسطين كمشروع احتلالي إحلالي عنصري وابادي واستبعادي تمييزي في آن معا عام 1948 كانت النظرة الفلسطينية والعربية سواء الرسمية منها أو الشعبية إلى هذا المشروع على انه استعماري وكولونيالي، وليست قومية في مواجهة قومية أخرى كما يدعي المشروع الصهيوني شكلا وإعلانا وإعلاما أو تروج له الدول الغربية وفي المقدم منها الولايات المتحدة الأمريكية الراعي الأول والحصري اليوم للمشروع الصهيوني ولدولة إسرائيل كدولة وظيفية استيطانية أمنية قتالية ضد طموح شعوب المنطقة العربية وبعض أنظمتها الرسمية في مراحل تاريخية بعينها.
ولذلك برأيي أن بداية النظر للمشروع الصهيوني على انه كولونيالي استيطاني استعماري كان بداية رؤية صحيحة وإستراتيجية، لكن بالإضافة إلى ضعف وقصور الحركة العربية والفلسطينية النضالية عامة، إلا انه وعلى وجه الخصوص كان هناك التباس وحالة من الغلط الكلي على مستوى أدوات الصراع مع المشروع الصهيوني والغاية والهدف المتوخى والنهائي لهذا الصراع والتدافع، ذلك انه:
1- نظر إلى الصراع باعتباره صراعا وكفاحا مسلحا وحيدا للتحرير الشامل وتقرير المصير، تحديدا مع انطلاق الحركة الوطنية الفلسطينية عام 1964 ثم منظمة التحرير التي قادتها حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح عام 1968 حتى عام 1974.
2- كان مفهوم معنى حق تقرير المصير لكامل الشعب الفلسطيني على كامل ارض فلسطين الانتدابية هو عودة اللاجئين الفلسطينيين في الداخل أو في الشتات ومن ثم تقرير مصير الفلسطينيين عموما على أرضهم بعد العودة والتحرير وفقط.
3- تم إغفال أن هناك حالة قومية وشعبية تشكلت على ارض فلسطين من تشكيل وموزاييك الجماعات اليهودية الاستيطانية التي نشأت لها أجيال متعاقبة ومتتالية وأصبح يجمعها شئنا أم أبينا جامع يشبه القومية والهوية إلى حد ما(وهذا لا يعني أبدا أن لهم حق في استيطان فلسطين وطرد أهلها).
4- للأسف بعد عام 1974 اختارت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وعلى رأسها حركة فتح منحى آخر للصراع حينما تم طرح برنامج النقاط العشر كحل تدريجي بإقامة سلطة أو دولة للفلسطينيين على أي شبر يتم تحريره، وكان الغرض من ذلك الطرح البناء عليه في سياق حل الدولتين الذي تم تبنيه رسميا عام 1988 ثم في أوسلو 1993 وحتى كتابة هذه السطور ودون طائل منه.
5- كان اختيار حل الدولتين من قبل منظمة التحرير الفلسطينية حينذاك تعبير عن منطلق جديد للصراع مع المشروع الصهيوني ودولة إسرائيل يقوم على صراع قومي قومي، وان حل هذا الصراع يتأتي عبر حل الدولتين لشعبين. وهذا ما ترحب به إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا الغربية عموما ولكن من ناحية شكلية أما على الأرض فلا دولة فلسطينية بل سلطة ممزقة وكانتونية ومتصارعة في آن واحد وبالنتيجة لهكذا توجه.
إن بديل الرؤية الاستعمارية الكولونيالية للصراع مع إسرائيل والمشروع الصهيوني المعتمد على القومية وحل الدولتين ثبت فشله وبالنتائج العملية على الأرض من خلال التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس وتحويل الضفة الغربية إلى معازل والى أكثر من سجن واحد. وأما قطاع غزة فتحول وبامتياز إلى السجن الأكبر عالميا والممنوع عنه الغذاء والدواء في الحالة المعاصرة والحداثية التي نعيش، وكان ذلك للأسباب التالية:
1- إن حل الدولتين للقوميتين الفلسطينية واليهودية بحسب هذا التصور أولا قد استجر على الشعب الفلسطيني حالة من الاعتراف الشكلي السيادي الرسمي للمنظومة الصهيونية الممثلة بدولة إسرائيل، مما أعطى هذا الكيان الاحلالي الالغائي الشرعية كمنظومة عمل متكاملة تبحث عن الأمن المطلق وتجلياته على الأرض بكافة السبل من توسيع الاستيطان ومصادرة الأراضي وإقامة جدار الفصل العنصري وعزل قطاع غزة وضرب وحدة وتكاملية الأراضي المحتلة عام 1967 على الأقل. وفي هذا كله إسرائيل تنظر إلى نفسها كمشروع كولونيالي استيطاني مدركة لطبيعتها هذه وبالتالي إجراءاتها على ارض الواقع.
2- إن حل الدولتين قد استجر ومن جديد مطالبة القيادة الفلسطينية الرسمية ومنذ ما قبل مؤتمر انابوليس بفترة ليست ببعيدة إلى الاعتراف بالمضمون الأخطر للمشروع الصهيوني وإسرائيل على أنها دولة يهودية خالصة وحصرية للشعب اليهودي الإسرائيلي، وهذا يعني أولا نفي وإلغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين سواء الموجودين في الأراضي المحتلة عام 1967 أو في المحيط العربي أو خارجه، وهو أيضا يشكل بنية خطرة في القانون والسياسة وتبرير ذلك في العلاقات الدولية حول وجود ومصير الفلسطينيين ومن هو لاجئ منهم في الأراضي المحتلة عام 1948.
3- إن حل الدولتين ثبت وبما لا يدع مجالا للشك انه يستهدف وحدة وتكاملية الشعب الفلسطيني على جميع الأرض الفلسطينية، وهو يهدد مستقبليا الهوية الوطنية الجامعة الكائنة والمتكونة من مجمل التراث العربي الإسلامي المشترك ومن خلال ما تم مراكمته في وعي الفلسطيني من تجارب الانتداب البريطاني والاحتلال الصهيوني لأرضه وما نتج عنها من تشرد ولجوء حافز بالأساس إلى التمسك بالعودة وتقرير المصير.
إن العلة والمشكلة الكبرى تبقى في حقيقة وماهية المشروع الصهيوني الذي لا يقبل الشراكة المجاورة دولة مقابل دولة على فرض أننا تجاوزنا عن حق العودة وتم إلغاؤه، ولا يقبل كذلك الشراكة المندمجة في إطار من الدولة الواحدة الديمقراطية لجميع سكانها بمن فيهم اللاجئون الفلسطينيون واليهودي الإسرائيلي المواطن العادي في إطار من تقرير المصير ضمن سائد الثقافة العربية الإسلامية واحترام والاعتراف بخصوصية وشراكة الثقافة اليهودية للشعب اليهودي الإسرائيلي في إطار دولة العدالة والمساواة والديمقراطية.
إذن هناك تناقض ما بين الشروع الصهيوني بسبب طبيعته وما بين أية حلول أخرى سواء كانت تقسيميه كخيار حل الدولتين أو كلية شاملة كحل الدولة الواحدة الديمقراطية، لان المشروع الصهيوني دائما ينظر إلى نفسه من زاوية الأمن المطلق الكولونيالي وليس من زاوية الأمن التبادلي بين قوميتين أو دولتين.
لذا فان الصراع مع المشروع الصهيوني ومع دولة الاحتلال والإحلال الإسرائيلي هو صراع قيمي أخلاقي بسبب طبيعته وطبيعتها ومعهما فقط وليس مع اليهودي الإسرائيلي العادي (الشعب اليهودي الإسرائيلي)، انه صراع وتدافع مع المشروع العنصري والاستبدادي والاستبعادي، صراع مع مشروع الظلم ونهب الثروات وإلغاء الآخرين، لأجل تحقيق العدالة والمساواة والتوزيع العادل للثروات دون امتياز جماعة أو قومية على أخرى.
وهذا الصراع وضمن الرؤية أعلاه يتطلب اخذ الشعب اليهودي الإسرائيلي بالاعتبار عند وضع مشروع وطني فلسطيني جامع لغايات هدم وكسر المشروع الصهيوني نهائيا، وبالتالي تحرير الإنسان الفلسطيني من سطوته وإعادة حقوق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم بالإضافة إلى التعويض وليس بديلا بأي حال عن الحقوق الأساسية والطبيعية لجميع الشعب الفلسطيني(أي إعادة تعريف مفهوم حق تقرير المصير بما كائن وسيكون لا بما كان قبل الاستيطان اليهودي الإسرائيلي لفلسطين). وهذا يتطلب أولا وأخيرا استحداث لغة وسلوك سياسي وإعلامي ومن قبل أخلاقي وإنساني جديد ضمن منظومة المشروع الوطني الفلسطيني الجديد في التعامل وفي توصيل الرسالة
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأورومتوسطي: إسرائيل تمارس حرب تجويع شرسة في قطاع غزة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن الهجوم الإسرائيلي المتواصل والحصار الخانق والنقص الحاد في الإمدادات...

550 مسؤولا أمنيا إسرائيليا سابقا يطالبون ترامب بوقف الحرب بغزة
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام طالب مئات المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالعمل على وقف الحرب في...

حماس تدعو للنفير لحماية الأقصى بعد محاولة ذبح القرابين
القدس المحتلة – حركة حماس قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن محاولة المستوطنين ذبح قربان في المسجد الأقصى يعد تصعيداً خطيراً يستدعي النفير...

مؤسسات الأسرى: تصعيد ممنهج وجرائم مركّبة بحق الأسرى خلال نيسان الماضي
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال شهر نيسان/ إبريل 2025 تنفيذ حملات اعتقال ممنهجة في محافظات الضفة الغربية،...

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...