الجمعة 09/مايو/2025

الاعتراف البريطاني… ليس تصحيحاً للظلم التاريخي!

الاعتراف البريطاني… ليس تصحيحاً للظلم التاريخي!

“تركت بريطانيا قبل الانسحابمن فلسطين، تركت طائراتها وأسلحة قواتها، للجيش الإسرائيلي الذي تشكل آنذاك منإرهابيي منظمات القتل الصهيوني، ثم أعلنت بريطانيا انتهاء تواجدها في فلسطين وقامتبسحب قواتها. بعد ذلك ومباشرة: جرى إعلان قيام دولة الكيان وتم قراءة ما سمي “بوثيقةالاستقلال”. عماذا ينم ذلك؟”

ترحيب وزير خارجية السلطة الفلسطينية، باعتراف مجلسالعموم البريطاني، بدولة فلسطين، رغم أنه قرار رمزي لا يلزم الحكومة البريطانية،ترحيبٌ مفهوم وجيد. غير أن الوزير الفلسطيني رياض المالكي، اعتبره في ذات الوقت: “تصحيحاًللظلم التاريخي “الذي اقترفته بريطانيا، بحق الفلسطينيين بأنها “أرض بلاشعب لشعب بلا أرض”، مشير بذلك إلى وعد وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفورعام 1917 الذي تعهد فيه” بإقامة وطن قومي للشعب اليهودي” في فلسطين.

ليعذرنا وزير الخارجية الفلسطيني القول: بأنه في رد فعلهكممثل للسلطة الفلسطينية، بالغ وعاظم كثيراً في الخطوة البريطانية، فبريطانيا قبلعام 1917 تحالفت مع المنظمات الإرهابية في قتل وترويع الفلسطينيين والتنكيل بهم.كما ساعدت الحركة الصهيونية في إغراق فلسطين، بالمهاجرين اليهود من المستوطنين،وساعدت على ترحيل الفلسطينيين. بريطانيا وبعد احتلالها فلسطين (تحت رايةالانتداب!!) حكمت على عشرات الفلسطينيين بالإعدام لمجرد أن وجدت قواتها معهم،أسلحة بسيطة كالمسدس، والبنادق القديمة. من هؤلاء الشهداء الثلاثة، (محمد جمجموم،فؤاد حجازي، عطا الزير)، وقد أعدمتهم في يوم الثلاثاء (عُرِف فيما بعد …بالثلاثاءالحمراء) في 17 يونيو عام 1930 وغيرهم وغيرهم من الفلسطينيين. حكمت بريطانيا علىالآلاف من الفلسطينيين، بسنوات سجن طويلة، لمجرد سيرهم في مظاهرات سلمية ضدالتعاون الصهيوني ـ البريطاني، هذا في الوقت الذي كانت فيه بريطانيا، تصدر الأسلحةالحديثة حينذاك إلى المنظمات الإرهابية الصهيونية، لتقوي من شوكتها علىالفلسطينيين. كما ساعدت، تلك المنظمات من عصابات القتل الصهيونية، على الهجماتالتي كانت تشنها على مواقع الثوار الفلسطينيين والعرب، وتساندها من الخلف، بدكالمواقع العربية بالقذائف المدفعية. القوات البريطانية حين كانت تقوم بتفتيشالبيوت الفلسطينية، تجمع الفلسطينيين في الجوامع، تدخل البيوت وتتلف مخزون البيتوتمويله: تكب الكاز والزيت، على السمن والسكر والأرز والزيتون. هذا كان مسلكاًعاماً للقوات البريطانية.

بريطانيا ساعدت ومهدت لقوات عصابات القتل الصهيونية،اقتراف العديد من المذابح في القرى والبلدات الفلسطينية، وكانت أبرزها: مذبحة ديرياسين في عام 1947، وقد تبنتها المنظمتان الإرهابيتان الصهيونيتان “أرجون”و”شيرين”وذهب ضحيتها 360 شهيداً، وغيرها وغيرها من المذابح. إن كل اللجان التي شكلتهابريطانيا للحل في فلسطين، وبالرغم من محاولات صياغاتها اللفظية المتوازنة بينالعرب واليهود، كانت تتم بالمعنى التطبيقي الفعلي، لصالح اليهود!.تكرر ذلك في”لجنةبيل” وما أصدرته من كتاب أبيض أول في عام 1936، ولجنة” وودهيد” وماأصدرته من قرارات عُرفت” بكتاب نوفمبر” عام 1938، والكتاب الأبيض الثانيعام 1939. الاعتداءات الصهيونية على المناطق المخصصة للعرب كانت تتم على مرأىومسمع من القوات البريطانية، ومن يود معرفة حقيقة السياسة البريطانية في فلسطين،فليقرأ كتبا عديدة مختصة بهذا الموضوع، ولعل أبرزها: كتاب “التطهير العرقيللفلسطينيين” للمؤرخ الإسرائيلي ذي الضمير: إيلان بابيه، كتاب” اليهود،اليهودية، والصهيونية” للدكتور عبد الوهاب المسيري، “مذكرات المناضلبهجت أبو غربية” البريطاني بجزأيها الأول والثاني، كتاب ” فلسطينوالانتداب البريطاني” للدكتور كامل محمود حارة، وغيرها.

في سبيل المزيد من الضغط على بريطانيا، للوقوف أكثر معالعصابات الصهيونية، قامت الأخيرة بعمليات ضد مواقع بريطانية في فلسطين وخارجها،كان من أبرزها: اغتيال الوزير البريطاني لورد موين في نوفمبر عام 1944 في القاهرة.قتل العديد من الجنود والضباط البريطانيين وبخاصة بين العامين 1944-1945. اختطافرقيبين بريطانيين وقتلهما عمداً والتنكيل بجثتيهما ورميهما. في عام 1946 قامتالعصابات الصهيونية بتفجير فندق الملك داود في القدس وذهب ضحية الحادث ما ينوف عن90 شخصاً. تفجير السفارة البريطانية في روما عام 1946. اغتيال وسيط الأمم المتحدةالكونت برنادوت في سبتمبر عام 1948، تحت تهمة الانحياز للجانب العربي. معروف أنالمنظمات الصهيونية قامت بتفجير سفن مهاجرين يهود في عرض البحر المتوسط، لكسبالمزيد من التعاطف مع مطالب اليهود بوطن قومي، ولمزيد من الضغط على بريطانيا لعدمتحديد الهجرة وتقنينها. رغم ذلك لم تأخذ قوات الاحتلال البريطاني أية خطوات جديةعقابية ضد المنظمات الإرهابية الصهيونية، كما أنها ساعدت هذه المنظمات على إقامةالشق المتعلق بإنشاء دولة “إسرائيل” (من قرار التقسيم للجمعية العامةللأمم المتحدة رقم 181 في 29 نوفمبر عام 1947) وعرقلت بالمعنى الفعلي تحقيق الجزءالمتعلق من القرار، بإنشاء دولة عربية. يمكن إلقاء الضوء على العديد من هذهالقضايا، في كتب كثيرة مختصة، من أبرزها:”حرب فلسطين 1947-1948 “الرواية الإسرائيلية الرسمية للمؤلف: أحمد خليفة، كتاب “مأساة فلسطينبين الانتداب البريطاني ودولة إسرائيل” للمؤلف أحمد زكي الدجاني. رغم كلالقتل الصهيوني للبريطانيين، تركت بريطانيا قبل الانسحاب من فلسطين، تركت طائراتهاوأسلحة قواتها، للجيش الإسرائيلي الذي تشكل آنذاك من إرهابيي منظمات القتلالصهيوني، ثم أعلنت بريطانيا انتهاء تواجدها في فلسطين وقامت بسحب قواتها. بعد ذلكومباشرة: جرى إعلان قيام دولة الكيان وتم قراءة ما سمي”بوثيقة الاستقلال”.عماذا ينم ذلك؟ عن اتفاق مسبق صهيوني – بريطاني للانسحاب البريطاني وإنشاء “إسرائيل”؟!أليس كذلك؟ بريطانيا تحالفت مع “إسرائيل” وفرنسا في العدوان الثلاثي علىمصر عبد الناصر في عام 1956.

راهناً، ومثلما قلنا سابقاً : قرار مجلس العمومالبريطاني، لا يُلزم حكومة المحافظين برئاسة المتشدد ديفيد كاميرون (وهي المواليةتماماً لإسرائيل والمنحازة لها في كل مواقفها)، بتنفيذه. ثم إن القرار، لا يتحدثعن حدود الدولة الفلسطينية على كل أراضي عام 1967، التي احتلها الكيان الصهيونيعام 1967، لكن رغم كل ذلك، فهو قرار إيجابي، وخاصة بعد اعتراف السويد بالدولةالعتيدة.

السياسة الإسرائيلية وصفت القرار البريطاني”بأنهيقوض عملية السلام”. الموقف الصهيوني هو ضد أي خطوات فلسطينية، ودولية، منجانب واحد (دون التشاور مع إسرائيل). الاعتراف للأسف لن يساعد في ترجمة الحلمالفلسطيني بإقامة الدولة، واقعاً على الأرض. يحضرني في هذا الموقف ما كان الإرهابيمناحيم بيغن قد صرّح به: “لو أن كل دول الأمم المتحدة أجمعت على قرار يخالفالسياسة الإسرائيلية، فلن يجري تنفيذ أي قرار سوى القرار الإسرائيلي!”.تصوروا العنجهية والصلف؟!.

جملة القول: إن الحكومات البريطانية بحاجة إلى فعلالكثير، وعلى مدى قرون زمنية قادمة طويلة، لصالح الشعب الفلسطيني، بالمعنى الفعليوالتطبيق على الأرض. ذلك، حتى تقوم بتصويب جزءٍ بسيط مما اقترفته من ظلم تاريخيبحق الفلسطينيين ومعاناتهم الشديدة وتهجيرهم من بلدهم، وإلغاء وطنهم من القاموس…لصالح حليفة بريطانيا وأميركا والاستعمار: دولة الكيان الصهيوني.

صحيفة الوطن العمانية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات