الجمعة 09/مايو/2025

متاهة الحرب والإعمار

متاهة الحرب والإعمار

سياسة الحرب والإعمار لعبة الدول الكبرى، وفصلاً منمسرحية إدارة المجتمع الدولي وأصبحت لعبة مكشوفة ومكرورة، يتم اللجوء إليهاللإسهام في حل الأزمات السياسية التي يعاني منها أصحاب السلطة أو الائتلاف الحاكم،أو من أجل إحداث انفراجات جديدة في مسارب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تلقيبظلالها على اقتصاديات الدول الكبرى.

لذلك نجد هذه الدول المأزومة  تبحث عن طرف ضعيف ومناسب تشن عليه حرباًمفتعلة، تؤدي إلى تشغيل مصانع السلاح وشركات إنتاج الدمار، وتشبع نهم المتعهدينوالمقاولين في مجال الاستثمار الحديث العابر للقارات، وسماسرة النفط العالمي،بالإضافة إلى ما يمتزج  به الوضع الدولي منتخلخل وتغيرات وإعادة تموضع وتشكل بيئة سياسية جديدة، تسمح بالعبث في مكوناتالمجتمعات المترهلة، وتصنع الاختراقات من أجل تسهيل عمليات إعادة الفك والتركيبللدول الفاشلة والشعوب المنهكة والتجمعات البشرية الضائعة التي تعاني من الفرقةوالتشتت وتفتقر إلى أدنى مقومات القوة للدفاع عن النفس، وتفتقد إلى إمكانية مواجهةالغزو الخارجي.

ثم تكتمل فصول المسرحية عندما تضع الحرب أوزارها، فتجدأن الدولة التي ارتكبت وزر الحرب تشرع في طرح مشروع الإعمار لما تم تدميره فيالحرب، وتبدأ معركة جديدة ناعمة ولكنها أكثر أثراً  وفاعلية في سلب المقدرات والاستيلاء على ثرواتالشعب المنكوب مرتين؛ مرة بقتل الإنسان وتدمير المجتمع والدولة، ومرة أخرى في الاستباحةطويلة الأمد للارض والعرض؛ عبر مسلسل الإعمار المحتكر حصرا لشركات الدولةالمعتدية، مع توزيع بعض الفتات على الدول الأخرى المشاركة والمتحالفة معها، بقدرمشاركتها وإسهامها الفعلي في الحرب.

عندما شنت الولايات حربها على العراق في بداية القرن، ودمرتكل مقومات الدولة العراقية ولم يبق حجر على حجر، كل ذلك كان مقدمة لمعركة إعادةإعمار العراق حكراً على شركاتها الكبرى بنسبة تزيد عن (90%) وتفضلت على بعضحلفائها فيما تبقى، وكل ذلك طبعاً من نفط العراق، ومقدرات الشعب العراقي وثرواتهالمختلفة ، وحدث ذلك بصورة مقاربة للحرب على غزة، فبعد أن شنت «إسرائيل» حربها علىقطاع غزة، حيث أقدمت على إحداث تدمير هائل بالبنية التحتية للقطاع، وبعد توقفالحرب بدأت فصول معركة إعادة إعمار القطاع المدمر، عبر مفاوضات قائمة، تقولأخبارها إن «الإسرائيليين» يشترطون أن يكون الإعمار من خلالها وتحت وصايتهابالتعاون مع السلطة ،وبعض الأطراف العربية الأخرى المحددة من جهتها، وتحوز علىرضاها، وتقول الأخبار أيضاً أن «إسرائيل» تشترط أن تستأثر شركاتها بما لا يقل عن(65%) من تكلفة الإعمار التي سيتبرع بها المتبرعون من الدول العربية والدولالصديقة للشعب الفلسطيني.

ينبغي ملاحظة أن هذه الدول التي تشن هذه الاعتداءاتالكبرى التي تسمى  حروباً، تعمد إلى أخذكلفة هذه الحرب من الشعب والدولة التي تم الاعتداء عليها، حيث يتم تقدير ثمن كلطلقة وصاروخ تم إطلاقه في عمليات القتل، ويتم تقدير كلفة النقل والطاقة والوقود، وكلفةالخبراء والجنود بشكل مضاعف، وكلفة الاستعانة بالشركات الأمنية، والجواسيسوالعملاء والمترجمين، ويشترك في دفع الكلفة العرب أنفسهم والدول النفطية العربية،وينبغي كذلك ملاحظة أنهم يفرضون وصايتهم على عملية الإعمار والاستئثار بحصة الأسدفي هذا الريع لشركاتها، ولذلك نحن نموّل الحرب ونموّل الإعمار، وأصبحنا نعيش فيمتاهة الحرب والإعمار، نخرج من حرب إلى حرب، ومن معركة إعمار إلى معركة أخرىمشابهة، والذي يشن الحرب يحتفظ بحق الاستئثار بثمرات المغامرة، فبدلاً من معاقبةالمعتدي ومن كان سبباً في التدمير والمعاناة، يجري مكافأته وتعويض خسائره بشكلمضاعف، وأصبحت الحرب طريقاً للكسب وفكاً «للزنقات» وحلاً للأزمات.

التطوير الملحوظ الذي طرأ مؤخرا على الحرب  الجاريةفي العالم العربي الآن: أن القاتل والمقتول عرب ومسلمون، وتمويل كل الأطرافالمتقاتلة من خزائن العرب، في ظل امكانية تحقيق الأهداف نفسها والأرباح نفسها، دونتعريض جيوشها وأفرادها لاحتمالات خسائر الحروب، فميدان المعركة أرض العرب، والقاتلعربي، والمقتول عربي، والنفط عربي، والمال عربي، والعقل أجنبي، والإدارة أجنبية.

صحيفة الدستور الأردنية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات