السبت 10/مايو/2025

مسؤولية أمريكا في الحرب على غزة

مسؤولية أمريكا في الحرب على غزة

في عدوانه “الثالث”، 2014، على قطاع غزة أخفقجيش الاحتلال في القتال البري، وتكبد خسائر بشرية ومادية ومعنوية لم يعهدها فيالعدوانيْن السابقيْن، 2008 و2012. لكن حكومة نتنياهو الفاشية التي أربك حساباتهاإخفاق جيشها لجأت لارتكاب جريمة تدمير قطاع غزة، وتنفيذ مذبحة إبادة جماعية،لإملاء شروطها السياسية الماثلة في مطالب: “التهدئة” مقابل إعادة تنظيمالحصار، الفصل بين قضايا غزة والضفة، التحكم في آليات استيراد وإدخال مواد إعادةبناء قطاع غزة، وصولاً إلى مطلب إنهاء الحصار مقابل نزع سلاح المقاومة الفلسطينية،المساوي لتجريد الشعب الفلسطيني من حقه المشروع في المقاومة الدفاعية ضد الاحتلال،جذر الصراع، وسبب الحروب الوحيد، ما يعني أن الحرب على غزة ليست حرباً بين دولتينكما تُصَور زوراً، بل هي، (ككل ما سبقها وما سيتلوها من حروب واعتداءات”إسرائيلية”)، حرب عدوانية مبيتة شنتها دولة احتلال غاشم ضد شعب يكافحمنذ عقود بمقاومة دفاعية مشروعة متعددة الأشكال لانتزاع حقه الطبيعي والمشروع فيالحرية والاستقلال والعودة. ماذا يعني هذا الكلام بالنسبة إلى مطالب الوفدالفلسطيني الموحد في مفاوضات القاهرة غير المباشرة المتوقع استئنافها قريباً؟

كالعادة يشكل الغطاء الدولي الثابت الذي تقوده الولاياتالمتحدة حائلاً دون تحقيق هذه المطالب، بل مظلة لتمرير جرائم حكومة نتنياهوالميدانية، وسنداً لتحقيق جوهر شروطها السياسية الاحتلالية. كيف؟

عوض أن يدعو أمين عام هيئة الأمم المتحدة لتشكيل لجنةدولية للتحقيق، تحت البند السابع، في جريمة حرب الاحتلال “الإسرائيلي”بحق المدنيين في قطاع غزة، وفي جرائم الاستيطان والتهويد والقتل المتواصلة فيالضفة، وقلبها القدس، تمهيداً لمثول مجرمي الحرب في “إسرائيل” أماممحكمة الجنايات الدولية، اكتفى، (الأمين العام)، بإطلاق تصريح عن “الحاجةلإجراء تحقيق في دوافع وأسباب ونتائج القصف “الإسرائيلي” لبعض المدارسوالمؤسسات التابعة للأمم المتحدة”، بل ولم يأمر بتشكيل فريق للتحقيق في ذلكحتى الآن، ويبدو أنه لن يأمر استجابة للضغط الأمريكي. وأكثر، تشير الدلائل الأوليةإلى وجود عقبات جدية أمام فريق التحقيق الذي شكله مجلس حقوق الإنسان التابع للأممالمتحدة “للتحقيق في شبهة ارتكاب “إسرائيل” جرائم حرب”. فقدمرت شهور من دون أن يتحرك فريق التحقيق هذا، ما يشي باحتمال أن يتراجع رئيسه،وربما كامل أعضائه، عن القيام بالمهمة حتى النهاية، ليس بسبب رفض”إسرائيل” المعلن التعامل معه، فقط، بل أيضاً بسبب ما يتلقاه ويتعرض لهفي الخفاء من تهديدات وضغوط من “إسرائيل” وحلفائها، وفي مقدمتهمالولايات المتحدة. ويبدو أن أعضاء الفريق أدركوا أن لا جدوى من الاستمرار فيالمهمة، وأن مصير جهدهم سيكون، في أحسن الأحوال، نفس مصير جهود فريق زملائهم، لجنةغولدستون، التي تحول تقريرها حول عدوان 2008 على قطاع غزة إلى مجرد ملف في أرشيفزاخر بتقارير دولية تدين “إسرائيل” حال الضغط الأمريكي دون تحويلها إلىإجراءات عملية ضدها.

وكالعادة أيضاً، عوض إلزام “إسرائيل” كدولةاحتلال ارتكبت جريمة تدمير شامل قل نظيرها بدفع تكاليف إعادة بناء قطاع غزة، يتيحالغطاء الدولي الثابت بقيادة أمريكية ل”إسرائيل” التملص من جريمتها، بلوتحويل إعادة البناء بتمويل عربي ودولي إلى مشروع ربح مالي يوفره لها توريد موادالبناء. وأكثر، عوض اشتراط تمويل إعادة بناء القطاع بتأييد المسعى الفلسطيني فيمجلس الأمن إلى اصدار قرار يقضي بإنهاء الاحتلال خلال مدة زمنية محددة، وبعدمتكرار جريمة تدمير القطاع، كان لافتاً اشتراط تمويل وتنفيذ خطة إعادة بناء القطاعبالتوصل إلى “تهدئة ثابتة ودائمة”، حسب ما أعلن وزير الخارجية الأمريكيبعد انتهاء أعمال المؤتمر، وكأن ثمة إمكانية واقعية لمثل هذه التهدئة من دون إنهاءالاحتلال ووقْف جرائمه واستباحته الشاملة لكل ما هو فلسطيني. وعوض الربط بينالتصعيد الميداني في الضفة وقطاع غزة وفشل جولة التفاوض الثنائي الأخيرة برعايةكيري ممثلاً للإدارة الأمريكية، تواظب الإدارة الأمريكية على إعداد خطة لاستئنافالمفاوضات الثنائية بالشروط الفاشلة ذاتها، بهدف إحباط المسعى الفلسطيني في التوجهإلى مجلس الأمن لوضع سقف زمني لإنهاء الاحتلال. ماذا يعني هذا الكلام؟

على الرغم من النجاح في منع “إسرائيل” من حضورمؤتمر القاهرة لإعادة اعمار قطاع غزة. وعلى الرغم من نجاح المؤتمر في الحصول علىوعد بتوفير الأموال اللازمة لإعادة بناء غزة، بل وتجنيد مبلغ إضافي لخزينة السلطةالفلسطينية. وعلى الرغم من الرسالة السياسية الكبيرة والمهمة التي وجهها الرئيس المصري،السيسي، لحكومة نتنياهو، في خطابه أمام المؤتمر، حيث قال ما جوهره: طريق القاهرةوالرياض.. يمر برام الله، وهو ما أُعتبر – بحق – رداً رسمياً عربياً على التصريحاتالأخيرة لأركان حكومة المستوطنين بقيادة نتنياهو حول الحل الإقليمي للصراع علىحساب الشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه الوطنية والتاريخية. نقول على الرغم من كل هذهالنجاحات التي لعبت مصر فيها دوراً أساسياً، إلا أن ثمة ل”إسرائيل”وجرائمها وشروطها التفاوضية حليفاً أمريكياً ثابتاً يدافع عنها باستماتة وفيالحالات كافة. ما يعني أن ثمة عراقيل لا يستهان بها تعترض طريق مفاوضات”تثبيت التهدئة” المتوقع استئنافها قريباً، وطريق الوفاء السريع والكليوالمنتظم بتقديم التبرعات الموعودة لإعادة بناء قطاع غزة.

قصارى القول: لم يكن بوسع حكومة الاحتلال أن تكون علىهذا القدر من الفاشية أثناء الحرب، وعلى هذا القدر من الصلف تجاه شروط وقف العدوانوإعادة بناء قطاع غزة، لولا دعم الولايات المتحدة للحرب على غزة والتغطية علىجرائمها، ولولا عملها في السر تارة وفي العلن تارة، على تحويل الشروط التفاوضية”الإسرائيلية” إلى شروط إقليمية ودولية، ولولا أنها بما لها من نفوذدولي وإقليمي متعدد الأشكال والمجالات، تحمي “إسرائيل” كدولة احتلالوإرهاب، وتحول دون مثول قادتها كمجرمي حرب أمام محكمة الجنايات الدولية، بل وتحمي،بقيادة إدارة أوباما، (التي وُصفت يوماً بالتوازن)، أشد حكومات”إسرائيل” صلفاً وتطرفاً ويمينية وأكثرها استعداداً لارتكاب أبشع أشكالجرائم الحرب والإبادة الجماعية والتطهير العرقي.

صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات