إعادة إعمار غزة الخلفيات والتوظيف السياسي

أدى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى دمار غير مسبوق؛ مما خلق واقعا سياسيا تصبح الأولوية فيه لإعادة الإعمار وإيواء قرابة مئة ألف مهجر ممن تم تدمير منازلهم وترميم البنية التحتية بما تشمله من شبكات المياه والكهرباء والطرق، ويزداد هذا الأمر إلحاحاً على الأجندة الدولية في ضوء التقديرات الغربية السابقة للحرب بأن القطاع لن يعود مكانا صالحا للحياة بحلول العام 2020 في حال استمرار معدلات التلوث المياه والبيئة.
وقد جاء سلوك “إسرائيل” في إحداث قدر كبير من الدمار ضمن سياسة ممنهجة تسعى لتحقيق ما تسميه “عقيدة الضاحية”، إشارة إلى أثر تدمير الضاحية الجنوبية لبيروت عام 2006 في ردع حزب الله عن معاودة الهجمات على الاحتلال، حيث صرح العديد من المسؤولين الإسرائيليين أثناء العدوان بأن قادة حماس حينما سيخرجون من الأنفاق ويرون حجم الدمار فلن يستطيعوا إطالة أمد المعركة أو العودة إلى المواجهات العسكرية في المدى المنظور.
مواقف ودوافع
تعاملت حركة حماسبمسؤولية وطنية وإنسانية عالية تجاه الشعب الفلسطيني في القطاع، حيث تنازلت عن السلطة في غزة كاستحقاق مباشر لخطوة المصالحة؛ بالتزامنمع إحكام الحصار وتزايد الصعوبات بشأن إعالة السكان عقب تبدل النظام في مصر والتشدد الذي يبديه تجاه الحركة وقطاع غزة. إلا أن هذا الموقف فهم بصورة خاطئة على أنه دليل ضعف للحركة حيث سعى الاحتلال لتدمير بنيتها في الضفة وتغيير قواعد إطلاق النار في غزة؛ وهو ما دعا الحركة إلى خوض المواجهة البطولية مع في وجه العدوان الإسرائيلي، والتي استمرت 51 يوماً، وصولا إلى وقف إطلاق النار على قاعدة الموافقة على ورقة المطالب الفلسطينية.
وعقب المعركة وبفعل المعاناة الشعبية الكبيرة جراء آثار الحرب فقد أعطت الحركة الأولوية لإنجاح مساعي الإغاثة وإعادة الإعمار، واختبار صدق نوايا القائمين عليها.
وحيث أن كلا من دولة الاحتلال ومصر مدعومين بالموقف العربي والغربي قد أصروا على أن تتم إعادة الإعمار بإشراف سلطة محمود عباس وحكومة التوافق، فقد قبلت الحركة بذلك رغم حقها في أن تكون طرفا فيه؛ خصوصا بعد أدائها العسكري البطولي في معركة العصف المأكول.
وأثناء وعقب المعركة تعالت الأصوات المستنكرة لجرائم الاحتلال ولحصار غزة وخصوصا في الغرب، كما قدرت الولايات المتحدة والدول الأوروبية بأن استمرار الحصار وتأخر الإعمار قد يؤدي إلى تفجر الوضع العسكري على جبهة غزة وخروجها عن سيطرة جميع الأطراف. وهو ما دفع إلى إجماع دولي على ضرورة بدء مسار لتخفيف الضغط عن القطاع؛ وإن تفاوتت أهداف الأطراف من هذا الأمر، حيث يسعى كل طرف إلى تمرير أهدافه السياسية على جسر إعادة الإعمار.
فقد سعت “إسرائيل” إلى ربط بدء عملية الإعمار بنزع سلاح المقاومة، إلا أنها حينما أدركت عدم قدرتها على ذلك إكتفت بسيطرة السلطة على القطاع وإشرافها على الإعمار مشاركة مع الامم المتحدة، فيما تشترط “تحييد سلاح حماس” لاستمرار تطوير القطاع. وتراهن القيادة الإسرائيلية على ابتزاز أهل غزة من خلال عملية إعادة إعمار طويلة ومرهقة يتم ربطها على الدوام بتوقف المقاومة والرضوخ للشروط الإسرائيلية التي قد تكون شروطا مشتركة مع العديد من القوى الدولية والإقليمية.
أما السلطة فتهدف بشكل رئيس إلى استخدام الإعمار في بسط سيطرتها تدريجياً على القطاع، كما تسعى إلى تحميل أجندتها السياسية المتمثلة في تفعيل مسار التسوية على كاهل عملية إعمار القطاع، حيث صرح رئيس حكومة التوافق رامي الحمد الله بأن نجاح الإعمار مرهون بنجاح العملية السياسية التفاوضية وبشمول غزة بالمسار السياسي والأمني الذي تسير فيه سلطة رام الله.
وكان سلوك النظام المصري بشأن إعادة الإعمار واضحا في سعيه لاستخدام إعادة الإعمار لتهميش الحركة في المشهد السياسي الفلسطيني وإضعاف سلطتها في القطاع، بما ينسجم مع معركته السياسية الداخلية، وبما يتناسب مع الحملة الدولية والإقليمية المناهضة للثورات العربية ولصعود قوى الإسلام السياسي.
فيما تميز دور قطر بالإعلان عن تقديم أكبر مبلغ لإعادة الإعمار، ومقداره مليار دولار، إضافة إلى استعدادها السابق لتوفير رواتب موظفي الحكومة الحاليين في القطاع، وهو ما يؤهلها لتحقيق حضور أكبر في القضية الفلسطينية وعملية إعادة الإعمار.
وتراهن كلا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على “إعادة قطاع غزة إلى بيت الطاعة” من خلال الانصياع لشروط الرباعية الدولية؛ والمتمثلة في الاعتراف بشرعية “إسرائيل” والالتزام بالاتفاقات الموقعة معها، ووقف المقاومة ونزع سلاحها، وذلك من بوابة حاجة القطاع الماسة للمساعدات، بعدما مهد الإحتلال لهذا الواقع بالحصار والدمار الهائل الذي أحدثه.
وقد ظهر هذا الموقف جليا في مؤتمر إعمار غزة الذي عقد في القاهرة بتاريخ 11-12/10/2014 بمشاركة ممثلي 50 دولة ومنظمة، تعهدوا بتقديم 5.4 مليار دولار للسلطة الفلسطينية، نصفها مخصص لإعادة إعمار القطاع. ومن اللافت للانتباه أن هذا المؤتمر لم يحمل دولة الاحتلال المسؤولية عن التدمير والجرائم التي ارتكبتها، بل كافأها وجعلها شريكا في عملية إعادة الإعمار.
آفاق الإعمار
وبالنظر إلى مستقبل عملية الإعمار فيبدو أن هناك توافقا دوليا وإقليميا على تمرير المرحلة الأولى من أعمال الإعمار والإغاثة لضمان استقرار وقف إطلاق النار، خصوصا وأن حركة حماس قبلت بأن تتولى السلطة والامم المتحدة مسؤولية الإشراف على عمليات الإعمار.
إلا أن استكمال الإعمار تعترضه الكثير من العقبات، واهمها حرص القيادة الإسرائيلية على المماطلة فيه لضمان أكبر مكاسب سياسية ممكنة وتحقيق أطول فترة من الهدوء الأمني، وسعيها إلى خلق تعارض بين مصالح المقاومة من جهة، ومصالح سكان القطاع من جهة أخرى، وذلك بربط مصالحهم الاقتصادية وخصوصا إعمار بيوتهم بتوقف أعمال المقاومة.
ويضاف إلى هذه العقبات توجه السلطة لفرض مشروعها السياسي والأمني على القطاع واستخدام إعادة الإعمار وسيلة لابتزاز المقاومة على مدار فترة الإعمار التي لن تقل عن ثلاث أعوام حسب التقديرات الأولية.
وفي وجه هذه الهجمة السياسية تزداد أهمية تضافر مختلف الجهود الرسمية والشعبية لحماية مشروع المقاومة وتكريس مشروعيتها وجدواها، كما تستلزم هذه الهجمة – المترافقة مع الحملة العالمية على الإرهاب- تطوير أنماط العمل المقاوم بمختلف أشكاله، والتكيف مع الظروف الإقليمية المستجدة بما يحقق أهداف المقاومة وأهمها رفع كلفة الاحتلال كمقدمة لإزالته.
16/10/2014
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...

مستشفى الكويت الميداني بمواصي خانيونس يقلص خدماته بسبب الحصار
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن مستشفى الكويت التخصصي الميداني في مواصي خانيونس عن اضطراره لتقليص عدد من خدماته الطبية، وسط الأوضاع الصحية...

جيش الاحتلال يفرض إغلاقًا على قرية المغير في رام الله
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام فرضت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، إغلاقًا على قرية المُغَيِّر شمال شرق مدينة رام الله وسط الضفة...

بوريل: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بغزة بقنابل من أوروبا
المركز الفلسطيني للإعلام أكد المسؤول السابق للسياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في قطاع غزة، وأن نصف...

الاحتلال يواصل الإبادة بغزة موقعاً 147 شهيدًا وجريحًا خلال 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم السبت، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 23 شهيدا، و124 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...

أوتشا: 70% من سكان قطاع غزة تحت أوامر التهجير القسري
نيويورك - المركز الفلسطيني للإعلام أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، أن الفلسطينيين يموتون بقطاع غزة الذي يرزح تحت حصار...