السبت 10/مايو/2025

عن «أسرلة» يهود العالم

عن «أسرلة» يهود العالم

معظم المعالجات العربية لقضايا الصراع العربي/ الصهيوني،تدرك الفارق بين اليهودية واليهود من جهة، وبين الصهيونية والصهاينة و”إسرائيل”من جهة أخرى.

في هذه المقاربة يكمن الاعتقاد بضرورة عدم أخذ اليهود،كآحاد وجماعات، بجرائر السياسات والتصرفات الإسرائيلية العدوانية القميئة. ولا ريبفي أن توجهاً من هذا القبيل يعبر عن فطنة سياسية وعملية، كما أنه يتسق فقهياًوعلمياً مع قاعدة عدم استسهال التعميم، أو وضع اليهود جميعهم في سلة واحدة.. فليسكل اليهود صهاينة، ولا كل الصهاينة والإسرائيليين يهوداً.

لكن المفارقة – ولعلها الطرافة – بهذا الخصوص، أنالدوائر الصهيونية ومشتقاتها الإسرائيلية، تسعى في اتجاه مضاد لهذه العقلانيةالعربية.. فهي لا تستسيغ وجود مسافة بين يهود العالم وإسرائيل، بل وتعمل بقوة لأجلاعتبار اليهود عموماً و”إسرائيل” كياناً واحداً.

ووفقاً لتقرير لمعهد تخطيط سياسات الشعب اليهودي التابعللوكالة اليهودية، فإنه «يتعين العمل على إزالة مظاهر الفصل القائمة بين “إسرائيل”واليهود أينما وجدوا..». وفي سبيل تشجيع هذا الالتحام، يعتقد البروفيسور سيرجيو ديلافيرجورا، المشرف على التقرير، أنه «يجب إشراك ممثلي الجاليات اليهودية في حسمالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بالرغم من بقاء اتخاذ القرارات الفعلية حكراًلإسرائيل».

هذا التصور يعيد للأذهان التدافع القديم بين رئيسالمؤتمر اليهودي العالمي ناحوم غولدمان، وبين بن غوريون أول رئيس وزراء ل”إسرائيل”غداة قيامها.. الأمر الذي انتهى إلى انتصار فكرة أولوية الدولة، وسيطرتها علىصناعة القرارين الصهيوني واليهودي على حد سواء.

وإذا أخذنا هذه الاستعادة بعين الاعتبار، فسوف نلاحظالانحراف الفاقع بعيداً عن هذه الفكرة، انصياعاً من “إسرائيل” الدولةللحقائق التي أفرزتها سيرورة الصراع مع الفلسطينيين والعرب..

وأهمها أن يهود العالم ليسوا بمعزل عن الاكتواء بما يصدرعن “إسرائيل” من قرارات وتصرفات.. وعليه، فإنه لا يمكن ل”إسرائيل”أن تطلب من قطاعات «يهود الشتات» المدد والعون الخارجي، فيما تبقى هذه القطاعاتبمنأى عن المشاركة في صناعة القرارات الإسرائيلية.

والحق أن الكثيرين من فلاسفة السياسة والحكم في “إسرائيل”،باتوا يتفهمون حساسية اليهود إزاء المعاناة التي يلقونها في عوالم الآخرين، بفعلسياسات وسلوكيات ليسوا طرفاً في صناعتها! ومنهم من يلتمس العذر لهذا التحسس،قائلين ما معناه إنه «لا يصح لإسرائيل أن تأكل العنب..

بينما يضرس اليهود في كافة أنحاء الدنيا». هذا الفهمالجديد لم ينشأ عن أريحية هبطت على الصهاينة الإسرائيليين، جعلتهم يتنازلون طوعاًعن جزء من حصتهم في صناعة قرارات الدولة..

وإنما هو نتاج لتوجه بالغ الخبث، يرمي إلى مزيد من توريطيهود العالم وتوظيف طاقاتهم لصالح الدولة. فكلما زاد تأسرل اليهود، تحت زعمإشراكهم في القرارات الإسرائيلية الفارقة، ارتقت قدرة إسرائيل الدولة على تسخيرهمفي خدمة أغراضها.

نود القول بأن تعزيز التلاحم بين “إسرائيل”ويهود العالم، ينفي عنها مفهوم التفرد في صناعة القرارات المؤثرة فيهم، لكن هذاالتلاحم ذاته يضع على كاهل اليهود أعباء إضافية لصالح الدولة. وليس من المستبعد أنيأتي ذلك الحين من الدهر الذي يمّحي فيه التمييز، القائم راهناً، بين اليهودوالصهاينة والإسرائيليين. عندئذ ستزداد معاناة اليهود..

ولا تنقص، في جهات الدنيا الأربع. كأن “إسرائيل”تضع فخاً لليهود، فهي تستدرجهم إلى الحوزة الجهنمية التي تأتت عن المشروع الصهيونيالاستيطاني. والواقع أنه في ضوء التركيز الإسرائيلي الملحوظ منذ بضع سنين على هدف«يهودية الدولة»..

فإن حدوث هذا التحول أو الاستدراج، يبدو خياراً شبه حتميلا فكاك منه، إذ لا يمكن ل”إسرائيل” الانغماس أكثر في المنظورات الدينيةاليهودية، على النحو الذي ينادى به نتنياهو ورهطه ليل نهار، دون أن ينال يهودالعالم شيئاً موازياً من الانغماس في شؤون هذه الدولة وشجونها.

تقديرنا أن زيادة منسوب تأثير يهود العالم في السياساتالإسرائيلية، ربما يكون خبراً طيباً لدى اليهود المتشددين دينياً، وكذا لدىالقطاعات المنحازة منهم للصهيونية ومشروعها.. غير أن الخبر ذاته لن يستهوي فئاتيهودية أخرى، لا سيما من أولئك الرافضين أصلاً للصهيونية والممتعضين من التطرفوالغلو الإسرائيليين في انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني..

الراغبين في فرملة الانحدار الأخلاقي لليهود وتحسينصورتهم. الشاهد، أن إلحاق يهود العالم بالقاطرة الإسرائيلية بمواصفاتها العدوانية،سيثير مروحة من ردود الأفعال، التي لا يصح وصفها جميعاً بالحميدة.

صحيفة البيان الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات