ما الذي يتوقعه الفلسطينيون من أوروبا؟

أمس صوّت البرلمانيون البريطانيون بالأغلبية للاعترافبدولة فلسطينية. ورغم قيمة التصويت الرمزية وعدم تأثيره المباشر على موقف الحكومةالبريطانية الراهنة إلا أن القرار يعد معلماً مهما في تطور السياسة البريطانيةوالأوروبية تجاه الفلسطينيين. يأتي ذلك في أعقاب التعهد الذي صدر مؤخراً عنالحكومة السويدية الجديدة بانها ستعترف بدولة فلسطين.
ورغم عدم وجود علاقة بين هاتين الخطوتين إلا أنهما نتاجلظاهرة واحدة، وهي – تحديداً- التحول الآخذ في التزايد في الرأي العام داخل الدولالأعضاء في الاتحاد الأوروبي لصالح تطلعات الفلسطينيين. وبهذا يبقى الصراعالإسرائيلي/ الفلسطيني القضية الأبرز على صعيد السياسة الخارجية، حتى عند مقارنتهابالحرب الأهلية الدائرة في سوريا أو الأزمة الحالية التي تسبب بها داعش، وهذا ماأثبتته شعوب أوروبا. ففي المملكة المتحدة على سبيل المثال اجتذبت التظاهراتالمناوئة للعمليات العسكرية الإسرائيلية خلال الحرب الأخيرة في غزة أكثر من 100000متظاهر بحسب التقارير، فيما طبق المستهلكون البريطانيون إجراءات دفعت المتاجر هناكإلى سحب منتجات المستوطنات من رفوفها. كما ان الأوروبيين مستاؤون من سياساتحكوماتهم تجاه هذا الصراع، حيث استحوذت هذه القضية على غالبية الأسئلة التي طرحهاجمهور الناخبين البريطانيين على نوابهم في البرلمان في مجال السياسة الخارجية.
لكن هذا لا يعني ان الأوروبيين مجمعون في آرائهم بشأندعمهم للفلسطينيين، بل لا يزال يفصــــلهم عن مـــــثل هذا الإجماع شوط بعيد.
وبحسب استطلاع يو غوف (You Gov) حول اتجاهات التعاطف الشعبي فيبريطــــانيا وفرنسا، الذي أُجري في 5 أغسطس/آب 2014، لم تتعاطــــف غالبية جمهورالبلدين مع أي من الطرفين، في حين تعاطفت ما نسبته 18٪ و27٪ فقط من جمهور الذيناستُطلعت آراؤهم في فرنسا وبريطانيا، على الترتيب، مع الفلسطينيين. ومع ذلك ظلتهذه النسبة أعلى من نسبة المتعاطفين أكثر مع الإسرائيليين التي بلغت 11٪ و12٪ فيالبلدين، على الترتيب.
ويظل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني بالفعل قضية خلافيةتسبب انقساماً في المواقف تفضّل الحكومات الأوروبية حيالها تحاشي اتخاذ قراراتصعبة قد يتبيّن انها مكلفة سياسياً، لصالح إدارة الوضع الراهن. والنتيجة هي انسدادفي الأفق السياسي، الأمر الذي أدى إلى إصابة قسم كبير من دوائر صنع القرارالأوروبي بالشلل تجاه هذا الصراع.
لقد أثّر التأييد المتزايد في صفوف الجماهير الأوروبيةلصالح إقامة دولة فلسطينية على حكومات بلادها، وهي حكومات على الرغم من تخلفها عنركب شعوبها في هذا الصدد إلا انها نحت المنحى ذاته. تخضع الحكومات المنتخبةللمساءلة من قبل جمهور ناخبيها، لذا فإن هذه الحكومات ستتصرف إذا كان هناك ضغطكافٍ من هذه الجماهير. كما انه ليس بمقدور هذه الحكومات ان تنأى بعيداً إلى هذاالحد عن الإجماع الشعبي. ومن الأمثلة المعبرة عن ذلك ما حدث في إيطاليا عندالتصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على الاعتراف بالفلسطينيين عام 2012، حيثكان رئيس الوزراء آنذاك، ماريو مونتي، يميل إلى الامتناع عن التصويت، لكنه تحتالضغط الشعبي وضغط الحكام المحليين والقيادات السياسية غير التصويت إلى نعم فيغضون 24 ساعة.
ما يحدث الآن في بريطانيا والسويد قد يجري استنساخه،إذن، في دول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي في المستقبل.
بيد أنه من اللافت ان يحدث هذا التحول لصالح القضيةالفلسطينية في ظل غياب شبه تام للجهود الفلسطينية الدبلوماسية والدعائية لشرح وجهةالنظر الفلسطينية، أي استراتيجية فعالة من قبل القيادة الفلسطينية للتواصل مع صناعالسياسات الأوروبيين وجمهورهم. إن الأوروبيين يتفهمون المحنة الفلسطينية ويتعاطفونمعها، غير ان ذلك وحده غير كافٍ. لقد أظهر الأوروبيون التزاماً واضحاً بإقامةالدولة الفلسطينية، لكن ذلك لن يُترجم إلى مقاربة بريطانية أو أوروبية جديدةللصراع. فلا تتوقع من الأوروبيين أن يكونوا أكثر فلسطينية من القيادة الفلسطينية.
ونحن لا نقول هنا أنه يتعين على استراتيجية الاتصالالعامة الفلسطينية الجديدة أن تتعامل فقط مع الجمهور الأوروبي. ويقر الكثير منالدبلوماسيين الأوروبيين في مجالسهم الخاصة، وبانتظام، أنهم يتمنون لو أنالفلسطينيين يضعونهم تحت ضغط أكبر من خلال التقدم بطلبات مادية محددة منهم. إذن،ما الذي يمكن لأوروبا أن تفعله في الواقع ويطلبه الفلسطينيون؟
في الصيف الماضي، نشر الاتحاد الأوروبي مجموعة منالمبادئ التوجيهية تحظر على الكيانات الإسرائيلية الواقعة خارج الخط الأخضر لعام1967 تلقي أي أموال من الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من أن تلك الخطوة لا تشكل بحدذاتها سياسة جديدة – إذ ثابر الاتحاد الأوروبي على رفضه لشرعية المستوطناتالإسرائيلية – إلا انها تعد خطوة مهمة على صعيد التأكيد على تطبيق الاتحادالأوروبي لقوانينه وأنظمته في تعاملاته الثنائية مع “إسرائيل”. كما أنهذه المبادئ التوجيهية فتحت المجال لمجموعة من المبادرات الجديدة على مستوىالاتحاد الأوروبي ومستوى الدول الأعضاء على حد سواء للتفريق بين “إسرائيل”ومستوطناتها، من قبيل العمل بإجراءات وضع علامات إجبارية تميز منتجات المستوطناتمما ينبه الشركات، وتحذير مخاطر التعامل تجارياً مع كيانات إسرائيلية على صلةبالاحتلال. ورغم مضي سنة كاملة على هذه الإجراءات، إلا أنه لم يتم تطبيقها علىالأغلب بسبب انعدام الشهية السياسية والزخم المؤسساتي. ومن هنا، ثمة دور مهم ينبغيعلى الفلسطينيين أن يؤدوه في لفت الانتباه إلى تلك الأدوات السياسية والمطالبة بأنتتطابق سياسات الاتحاد الأوروبي مع أفعاله.
ثانياً، تطبيق القانون الدولي له أهميته، وبالتالي فإنالتحقيق الذي ستجريه الأمم المتحدة حول حرب غزة يشكل وسيلة من شأنها تعزيزالمساءلة، فيما تشكل المصادقة الفلسطينية على اتفاقية روما الخاصة بالمحكمةالجنائية الدولية وسيلة أخرى. فكيف سيتسنى للاتحاد الأوروبي إذن شرح التناقض بيندعمه للأعراف الدولية ومعارضته في الوقت ذاته لأي خطوات فلسطينية للذهاب إلىالمحكمة الجنائية الدولية التي هي من بنات أفكار أوروبا؟ أوروبا عبارة عن مجتمعقائم على القانون، وهذا عنصر ينبغي ألا يفوت صناع السياسة الفلسطينية الانتباهإليه، بيد أن القانون وُجد كي يُستخدم في المحاكم لا ليكون عنصراً للغو والخطابة.
ثالثاً، أكد الاتحاد الأوروبي مراراً في العديد منبياناته على أهمية المنطقة (ج) بالنسبة لتطور الدولة الفلسطينية وبيانات الاتحادالأوروبي ليست مجرد سياسة لإصدار إعلانات، بل هي توجيهات صادرة إلى السلكالدبلوماسي للاتحاد الأوروبي الذي يتصرف بناء عليها. أضف إلى ذلك، ان التدميرالإسرائيلي المستمر للبنية التحتية التي بُنيت بأموال المانحين في المنطقة (ج) لنيمر بدون ان يقف عليه أحد. ومع ذلك، يبدو واضحاً ان هذا لا يمثل أولوية بالنسبةلجهود حشد التأييد التي تبذلها القيادة الفلسطينية في أوروبا.
لقد لعبت أوروبا دوراً هامشياً إلى حد بعيد خلال عمليةالسلام التي تزعمتها الولايات المتحدة، وينبغي ألا يعتري الفلسطينيون أي أوهام بأنالاتحاد الأوروبي يمكن أن يكون بديلاً عن الولايات المتحدة. إن قوة النفوذالأوروبي ضد “إسرائيل” لا تُقارن بقوة النفوذ التي تمتلكها الولاياتالمتحدة، ولكن على الرغم من ذلك، يمكن لأوروبا – إذا ما مورس عليها الضغط – أنتغيّر من حسابات الربح والخسارة للاحتلال الإسرائيلي. وفي سبيل القيام بذلك، فإناللغة القاسية التي استخدمها الرئيس عباس في الأمم المتحدة سيكون لها أثر عكسي،خاصة عندما تكون مصحوبة بسياسات منظمة التحرير الفلسطينية القائمة على فعل القليللتغيير الوضع الراهن. إن أوروبا عبارة عن مج
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

أوتشا: 70% من سكان قطاع غزة تحت أوامر التهجير القسري
نيويورك - المركز الفلسطيني للإعلام أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، أن الفلسطينيين يموتون بقطاع غزة الذي يرزح تحت حصار...

وثيقة للشاباك تحذر من خطر انتشار السلاح في الأراضي المحتلة عام 48
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام حذّر جهاز الأمن الإسرائيلي العامّ "الشاباك"، من أن النطاق الواسع لانتشار الأسلحة في الأراضي الفلسطينية المحتلة...

الأونروا: الاحتلال يحرم 550 طالباً في القدس من الوصول إلى مدارسهم
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام أكدت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، أن سلطات الاحتلال تحرم 550 طالبا من...

قوات الاحتلال تواصل تصعيدها الميداني في مخيمي طولكرم ونور شمس
طولكرم - المركز الفلسطيني للإعلام تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على مدينة طولكرم ومخيمها لليوم الـ 104 على التوالي، ولليوم الـ 91 على مخيم...

إصابة جنود إسرائيليين بصاروخ مضاد للدروع في حي الشجاعية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وسائل إعلام إسرائيلية، اليوم السبت، بإصابة عدد من جنود جيش الاحتلال في قطاع غزة نيران المقاومة الفلسطينية. وقال...

جامعة كولومبيا تعلّق دراسة 65 طالبا احجوا ضد الإبادة في غزة
واشنطن - المركز الفسطيني للإعلام علقت جامعة كولومبيا دراسة 65 طالبا من "مؤيدي فلسطين" لمشاركتهم في احتجاج داخل المكتبة الرئيسية للجامعة يوم الأربعاء...

باكستان تطلق عملية “البنيان المرصوص” ضد الهند
إسلام أباد - المركز الفلسطيني للإعلام أطلقت باكستان فجر اليوم السبت، عملية عسكرية مضادة للهجمات العدوانية الهندية على أراضيها ومنشآتها العسكرية تحت...