الإثنين 12/مايو/2025

بين إعمار وإعمار

د.ديمة طارق طهبوب
كانت قبائل قريش مستعدة ربما أن تأخذ من قوت عيالها و تقطع من لحمها إن جاز التعبير لتحتفظ بعمارة المسجد الحرام بكل نشاطاته من سقاية و سدانة و رفادة فالأمر كان من القدسية بمكان و من التشريف بمكان جعلهم يقتتلون بل و يريقون دماء بعضهم البعض قبل الوصول الى صيغة تشاركية في توزيع مهام إعمار البيت الحرام الذي جلب لهم الاحترام و القوة و التشريف و الغنى

و لكن بعد مجيء الاسلام جاء قانون فاصل سحب بساط العز و القوة الدنيوية من تحت المشركين و سلمه لأصحاب الحق مطلقا حملة تغييرية كبيرة في المفاهيم و الممارسات ما بين الإعمار المادي الذي قد يتطاول في البنيان و لكن دون روح و بين ما بين الإعمار الروحي الذي يحفظ قواعد و أركان المباني و لو كانت حجارة مصفوفة او أنقاضا مهدمة تفترش الأرض و تلتحف السماء!!

نزل القانون الالهي للاعمار ليميز الخبيث من الطيب و يضع أرضية أخلاقية للبناء المادي فقال تعالى “ما كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ ۚ أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ، إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ، أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ” بل زاد على ذلك أن خرج من إطار المباني الى إطار الأعمال التي تحفظ للبنيان قوته و صموده فذكر الصفات الايمانية لمن يقومون على الإعمار و قرنها بالجهاد في سبيل الله لتكتمل المعادلة في صفات مهندسي العمارة و الإعمار، هذه المعادلة هي التي ترفع تاريخ المباني و لو كانت أنقاضا أو تضع القصور و القلاع و لو بناها النماريد!

يتناقل العالم اليوم أنباء مؤتمر إعمار غزة الذي تقوم عليه دول عربية و غربية بعضها ساهم مباشرة و بشكل غير مباشر في الحرب على غزة و هي الآن كمن قتل القتيل و مشى في جنازته ليضع وردة على قبره، و المؤتمر جمع نظريا و أمام وسائل الاعلام مبلغا ربما يكفي لاعمار غزة الا أنه لم يجرم الاحتلال و لا الدول التي ساندته فكانت مسؤولة عما حل بالقطاع من كارثة انسانية و مادية، مؤتمر للشحدة يتقن السارقون إقامته فيضيع المال ما بين أزقة العمالة و الرشوة و لا يصل المستحقون سوى الفتات ان وصل ليعود المحتل لهدمه مرة أخرى في حلقة مفرغة لا توقف أسباب الاعتداء و الهدم و لا توفر أركان و أساسات الحماية للبناء قبل إقامته!!

و لكن الله في حلقة المدافعة بين الحق والباطل لا يترك المشهد ليرتع فيه المضلون بل يدفع بعباد له يقدمون النموذج فسبق مؤتمر الاعمار العربي الدولي مؤتمرا شعبيا للهيئة الشعبية العالمية لدعم غزة الذي جمع في اسطنبول في اغسطس الماضي جميع الشخصيات و المؤسسات العاملة في ميدان الإغاثة بالاضافة لحضور رسمي و رعاية كريمة لمؤسسة قطر الخيرية و ممثلي الحكومة التركية و التونسية، ممثلي بلاد تتمثل القيم و تنتصر للانسان و الحق و لا نخاف أن نجلس معها على طاولة عمل ثم تقوم لتطعننا في ظهورنا!

هذه المؤسسات ليست مصطنعة و لا حديثة عهد بالعمل الاغاثي بل يعرفها أهل غزة و تعرفها غزة على مدى عقود المأساة حاضرة على الأرض و بين الشعب تصلح ما أفسدته الخيانات العربية و التآمر الدولي و تبقي الشعب صامدا لا تلين له قناة و لا تسقط له راية، جهد بشري أهلي جبار شريف و متجرد لا يقايض أهل غزة على مبادئهم و لا جهادهم مقابل لقمة خبز و شربة ماء و سقف و حبة دواء!!!

هذا المؤتمر خرج بحملة لجمع مليار دولار للاعمار و بمساعدة عاجلة بمائة مليون دولار و لكنه ينتظر جهود و مساهمة كل البنائين من الشعوب التي تؤمن بالحق و تراه اللبنة الأبقى و الاقوى في البناء فقد ذهبت أعمدة البيوت الاسمنتية في غزة و لكن بقيت الأعمدة البشرية المؤمنة و هذه لا تُهدم أبدا و لا تصلها يد الخراب و لا الة الجيوش، فبيوت غزة ليست من حجارة الأرض إنها من حجارة السجيل للأعداء و من رمل البحر للاخوة و الأشقاء!

كم نستدين و نقترض لبيوتنا و نقسط على سنوات ممتدة ترهق أرواحنا و أجسادنا حتى السداد و لكننا نفعلها فالبيت أمان و حاجة أساسية و بيت متواضع في غزة يكلف ٣ الاف يورو فهل من مقترض لله إن لم يجد و مقرض لله ان وجد ليكون مهندس الله في أرضه يعمرها بأمر الله كما يحب الله و يرضى و لا يتركها لمقاولين جهلة يسمسرون على المبادىء و يبيعون الأرض و الانسان
إنها ثلاثة الاف دولار سهمك في إعمار غزة و هندسة المبادىء و نصرة الحق فهل من مشمر؟!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات