الأحد 11/مايو/2025

فلسطين: خطاب مهم.. لكن

فلسطين: خطاب مهم.. لكن

يُظهر خطاب الرئيس الفلسطيني الأخير أمام الجمعية العامةللأمم المتحدة نفاد صبر وفقدان ثقة برعاية الولايات المتحدة لمفاوضات منظمةالتحرير وحكومات الاحتلال. ففي إشارة إلى عقم مواصلة التفاوض الثنائي برعايةأمريكية، أعلن الرئيس الفلسطيني رفضَ العودة إلى المفاوضات كما كانت تجري فيالسابق، وطالب بوضع جدول زمني لإنهاء الاحتلال من خلال هيئة الأمم، بدءاً بمطالبةمجلس الأمن بإصدار قرار يعترف بحدود الدولة الفلسطينية التي اعترفت بعضويتهاالجمعية العامة، ووصف حرب الاحتلال الأخيرة على قطاع غزة بالإبادة الجماعية، وحذرمن أن مرتكبي هذه الجريمة لن يفلتوا من العقاب، ما يعني التلويح بتفعيل حق دولةفلسطين في الانضمام إلى جميع وكالات ومواثيق ومؤسسات هيئة الأمم المتحدة، بما فيهامحكمة الجنايات الدولية. هنا خطاب مهم يعكس قلقاً من مخاطر استمرار إدارة الصراعبمقاربة التفاوض الثنائي التي أوصلها قادة الاحتلال برعاية أمريكية إلى طريقمسدود، ويشي بمقاربة جديدة متدرجة الخطوات تحمل رسائل في منتهى الأهمية.

هنا، وعلى الرغم من أن مقاربة الخطاب لم تقطع كلياً معمقاربة التفاوض الثنائي تحت الرعاية الأمريكية، إلا أن الرد”الإسرائيلي”- الأمريكي، جاء هستيرياً تحريضياً وعدائياً بامتياز. ففيحين وضع قادة العدو الخطاب في خانة “التضليل” و”التزوير”و”قلب الحقائق” و”الخطوة أحادية الجانب” و”الإرهابالسياسي” و”عدم وجود شريك فلسطيني مستعد لصنع السلام”، وصف الناطقالرسمي باسم البيت الأبيض الخطاب ب”المهين” و”المخيب للآمال”و”الاستفزازي”. كل هذا من دون أن ننسى أن الموقف “الإسرائيلي”-الأمريكي العلني هو ليس سوى القليل من الضغط والتهديد والوعيد والابتزاز السريبمستوياته السياسية والاقتصادية والدبلوماسية لثني قيادة منظمة التحرير الفلسطينية،ورئاستها تحديداً، عن التوجه إلى هيئة الأمم المتحدة. علاوة على ما شرعت في تنفيذهحكومة الاحتلال ميدانياً من مصادرة للأرض وبناء وحدات سكنية استيطانية جديدةواستيلاء على منازل وترحيل قسري لمجموعات سكانية فلسطينية وانتهاكات متواصلةللمسجد الأقصى بهدف تقسيمه مكانياً وزمانياً.

كل ذلك على الرغم من أن القيادة الفلسطينية حددت هدفخطتها السياسية ومطلبها من مجلس الأمن في بيان رسمي صدر عن اجتماعها مطلع الشهرالجاري بالقول: “تعبر القيادة الفلسطينية عن تمسكها بالخطة السياسية التيوردت في خطاب الرئيس وخاصة إصدار قرار عن مجلس الأمن يحدد حدود دولة فلسطين علىأساس إنهاء الاحتلال عن جميع الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس مع وضع سقفزمني، (لم تحدده)، لإنجاز انسحاب الاحتلال وفرض السيادة الفلسطينية على الترابالوطني لدولة فلسطين… وتؤكد القيادة الفلسطينية ضرورة الاستجابة الدولية لهذاالمطلب الفلسطيني المشروع الذي يستهدف تحريك العملية السياسية بشكل جاد وكسرالحلقة المفرغة التي شهدتها تلك العملية في المرحلة الماضية وصولاً إلى مفاوضاتتنهي قضايا الوضع النهائي، ما يشكل مقدمة لإنهاء الصراع والوصول إلى اتفاق سلامشامل”.

عليه، ما دامت القيادة الفلسطينية لم تحدد- عنعمد-الجدول الزمني لمطلبها في إنهاء الاحتلال، ما يعني ترك الأمر لمجلس الأمن، ومادامت لم تأت على ذكر التنصل من التزاماتها بما فيها “التنسيق الأمني”،وما دام بناء عملية سياسية جادة “وصولاً إلى مفاوضات تنهي قضايا الوضعالنهائي” هو الغاية النهائية لخطتها السياسية، مع ما يعنيه ذلك من استمرارالرهان على احتمال قبول الإدارة الأمريكية بخطوة التوجه لمجلس الأمن، إذاً لماذا،وما سر، كل هذه الهستيريا السياسية “الإسرائيلية”-الأمريكية؟

يعلم قادة العدو، ومعهم أركان الإدارة الأمريكية، أنهمليسوا على استعداد لتقبل مجرد التفكير الفلسطيني في تحرير ملف القضية الفلسطينيةمن قبضتهم، ذلك أن أي شكل من أشكال إعادة هذا الملف إلى هيئة الأمم المتحدة يعنيمساساً بتعاقد اتفاق أوسلو السياسي، وتصويباً للخلل البنيوي الذي بُنيَ عليه، أعنيالاحتكار الأمريكي لرعاية تفاوض ثنائي حول جوهر الصراع العربي – الصهيوني. هنايتجاهل قادة العدو، بتغطية أمريكية، أنهم هم من دفع قيادة منظمة التحريرالفلسطينية، ورئاستها تحديداً، إلى لحظة الحقيقة، لحظة اتخاذ قرار تأخر كثيراً،ذلك أن قرار وقف المفاوضات الثنائية برعاية أمريكية صار استحقاقاً فلسطينياً لامناص منه، على الأقل منذ مايو/أيار 1999، موعد انتهاء المفاوضات حول قضايا”الوضع النهائي” كما حددها اتفاق أوسلو، بينما لم يؤد التمديد الواقعيللمرحلة الانتقالية، واستمرار المفاوضات إلا إلى تعميق الاحتلال وتعاظم وقائع الاستيطانوالتهويد وتصعيد سياسة الحصار والعدوان والاستباحة الصهيونية العنصرية الشاملة لكلما هو فلسطيني، وإلى تقويض أمل المفاوض الفلسطيني في تحويل “السلطةالفلسطينية الانتقالية” إلى دولة فلسطينية مستقلة سيدة وعاصمتها القدس، بعدأن حولها قادة العدو بغطاء أمريكي إلى سلطة وظيفية دائمة في صيغة “حكم إداريذاتي” تحت الاحتلال، تؤدي التزامات سياسية وأمنية واقتصادية ثقيلة تناقضالهدف الفلسطيني من قيامها، بوصفها، (السلطة)، أداة لخدمة البرنامج الوطني فيالحرية والاستقلال والعودة، وليس أداة لتقويض الإطار الوطني الجامع لتجسيد هذاالبرنامج، منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني فيالوطن والشتات.

على أية حال، أياً كان مآل هذه الجولة من الاشتباكالسياسي التي تخوضها قيادة منظمة التحرير الفلسطينية مع حكومة الاحتلال بتغطيةأمريكية سافرة، وحتى لو كان مآلها العودة إلى صيغة المفاوضات الفاشلة إياها معوعود أمريكية جديدة ينسفها قادة العدو بشروطهم الصهيونية التعجيزية في أول جولةتفاوض، فإن حال من يحاول إحياء مقاربة التفاوض الثنائي برعاية أمريكية لإنهاءالصراع بما يلبي الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية يشبه حال من ينكر الاعتراف بموتجثة هامدة لا تجد من يقبرها. اللهم إلا إذا كان بلا معنى فشل كل محطات التفاوضالمفصلية حول قضايا الوضع النهائي منذ انتهاء العمر الزمني لاتفاق أوسلو في أيار1999، وأبرزها: مفاوضات كامب ديفيد، 2000، ومفاوضات طابا، 2001، ومفاوضات خطة”خريطة الطريق”، ،2007 وصولاً إلى مفاوضات الشهور التسعة التي قادهاوزير الخارجية الأمريكي، كيري، 2013-2014.

صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات