سلوان: السماسرة والحَرج والمَخرج

بدا المشهد الفلسطيني في الأيام الأخيرة مرتبكاً بعضالشيء، في قضية اقتحام عصابات المستوطنين لنحو 25 بيتاً في حي سلوان الضخم،المحاذي للبلدة القديمة في القدس المحتلة، خاصة بعد تكشّف عمليات بيع، منها ما هوحقيقي، لكن على يد سماسرة فلسطينيين عملاء، ومنها ما هو صفقات مزوّرة، بحسب مايرويه الأهالي. وهذه ليست المرّة الأولى التي يحصل فيها هذا الأمر في هذا الحيالمستهدف من عصابات المستوطنين، ما يستوجب إيجاد آلية واضحة تمنع تسرّب البيوتالفلسطينية للاحتلال وأذرعه بشكل عام، وخاص في منطقة البلدة القديمة ومحيطها.

بدأ تنفيذ المخططات الاحتلالية في القدس منذ اليوم الأوللاحتلال العام 1967. وإذا عُدنا إلى ما نفذه الاحتلال في المدينة منذ العام 1948،وخاصة عند خط التماس قبل العام 1967، فسندرك أن مخططات اليوم من ناحية استراتيجية،وضعت منذ عشرات السنين. فبعد تغلغل ما لا يقل عن 6 آلاف مستوطن، مُسجل داخل أسوارالبلدة القديمة، كثّفت عصابات المستوطنين تحركاتها للاستيلاء على الأحياء في محيطالبلدة القديمة؛ جبل الزيتون، والشيخ جراح، ورأس العامود، وسلوان. ولكل واحد منهذه الأحياء بدعة احتلالية، ودينية يهودية مختلقة، فيها من السُخف ما يكفي لنفيالبدعة، ولمعرفة حجم المؤامرة؛ كأن نسمع أن في هذا المكان كان الملك داوود يتجول،وفي ذاك المكان كان مهرب الملك داوود من الملك شاؤول، ومثلهما حكايات عديدة.

وحسب التقديرات، فإن في الأحياء الأربعة المحيطة بالبلدةالقديمة، ينتشر ما بين 1200 إلى 2000 مستوطن. واتخذ المستوطنون لأنفسهم أشكالاًعدة للاستيلاء على البيوت العربية؛ منها ما يقوم على زعم المستوطنين أن تلك البيوتكانت تعود ليهود قبل العام 1948، كما في حالة الشيخ جراح، أو ادعاء شراء البيت.وفي كثير من هذه الحالات، كانت تتضح صفقات مزورة، لكن في حالات ليست قليلة، يشتريالمستوطنون البيوت من سماسرة فلسطينيين عملاء، يشترون بداية البيوت لأنفسهم، ثميبيعونها للمستوطنين، كما في حالة سلوان الأخيرة.

وتحصل عصابات المستوطنين على دعم غير محدود من سلطاتالاحتلال، بأذرعها كافة. وهي تعمل وفق خطط مدروسة، وتستهدف بيوتا معينة، وتحصل علىمعلومات دقيقة عن كل عائلة؛ مثل أوضاعها ومشاكلها، ونقاط ضعف في علاقاتهاالداخلية. وعلى أساس هذه المعلومات تبدأ في التغلغل. ونذكر أنه في مطلع العام2005، كُشف النقاب عن عميل فلسطيني باع بيت عائلته، من دون أن يكون مالكا للبيت،أو صاحب سلطة لبيعه، فكانت الصفقة مزوّرة. وهذا نموذج واحد مما يجري على الأرض.

أوضاع المجتمع الفلسطيني في القدس المحتلة معروفة لكلمستويات القيادة والمؤسسات والفصائل الفلسطينية. وتعيش القدس ظروفاً اجتماعية يطغىعليها البؤس والبطالة والفقر، وانتشار آفات اجتماعية مقلقة جداً؛ من مخدراتواستفحال الجريمة على أنواعها. وباتت فرص الحياة تضيق أكثر فأكثر على الفلسطينيين.ومن دون الحفاظ على هذا المجتمع، ورفع مستوى المناعة الوطنية والاجتماعية السليمة،فإن الخطر على القدس سيتضاعف.

وأمام أوضاع كهذه، ما من شك أن عائلات كثيرة تصل إلىنقطة الكسر، وعدم التحمل أكثر، وتجد نفسها مُجبرة على بيع ما تملك. ولا يجوز أمامأوضاع كهذه، ترك هذه العائلات عرضة لعمليات النصب والاحتيال، التي تنتهي لصالحالاحتلال والمستوطنين. ولذا، فهناك حاجة ماسّة إلى إيجاد إطار وطني موثوق، قادرعلى شراء تلك البيوت، ولو كمحطة أولى، لبيعها لاحقاً لعائلة أو جهة فلسطينيةمعروفة.

يشدد الاحتلال الخناق أكثر فأكثر على القدس المحتلة؛ فهيباتت معزولة كلياً، ولا يوجد أي ارتباط جغرافي حر بين مركزها، وحتى قسم كبير منضواحيها التي باتت معزولة خلف جدار الاحتلال. ولا حاجة لشرح انعدام التواصل الحرمع سائر أنحاء الضفة. وهذا الوضع القائم يزيد الأوضاع الاجتماعية بؤساً.

كنا سمعنا مراراً في الماضي عن صناديق دعم عربية، لا نعلم إلى أين وصلت. لكن واقع الحال يقولإن شيئاً ما لا يتحرك في المدينة، لا بل يزداد سوءاً.

صحيفة الغد الأردنية