السبت 10/مايو/2025

واشنطن والرئيس عباس

واشنطن والرئيس عباس

لا أحد انتقد خطاب الرئيس محمود عباس في الجمعية العامةللأمم المتحدة سوى الولايات المتحدة و”إسرائيل”، ولا أحد يدري ما الذيكانا يتوقعانه بالضبط من مسؤول أول عن شعب ناله ما ناله في الحرب الأخيرة ؟!!ضربوه وحرّموا عليه البكاء… يقول المثل!! وقبل ذلك وبعده، لم يستطع الرجل الظفربأي مكسب من وراء السنوات الطوال من مفاوضات لا نهاية لها فوجد نفسه يعترف أمامالعالم أجمع أنها فشلت. كان خطابه مفعماً بالمرارة، وحتى هذه استكثروها عليه!!.

لا يجدر التوقف عند ما قاله ويقوله الإسرائيليون عن الخطاب،ولكن بالنسبة إلى الموقف الأمريكي سيكون من المهم مثلاً معرفة ماهو «الاستفزازي»بالضبط في هذا الخطاب، وما هي تلك التوصيفات «المهينة» و«المخيبة للآمال» التيتضمنها عدا الانتقاد الواضح والصريح للسياسات الإسرائيلية. طبعاً، لم تكن واشنطنيوماً بعيدة عن مثل هذا التماهي التقليدي مع “إسرائيل” ومواقفها منالفلسطينيين، لكنها ربما لم تكن يوماً بمثل هذا التطابق المستفز الذي لم يعد يقبلحتى بحق الرئيس الفلسطيني في الشكوى والتذمر!! تفعل واشنطن هذا مع من ما زالتتراه، إلى حد الآن على الأقل، شريكاُ للسلام ومع من يتعرض لأشد الانتقادات بينأبناء شعبه بسبب مراهنته على التسوية ورفضه لكل أشكال العنف في الصراع مع الإحتلالالإسرائيلي.

رد واشنطن المتشنج على خطاب عباس يقود إلى استنتاجينرئيسيين:

– الأول: أن واشنطن تبدو غير قادرة حتى على احترامشريكها منذ سنوات في البحث عن تسوية سلمية مما يجعله عرضة لـــ «شماتة» معارضيه.للمفارقة، وصلنا إلى هذا اليوم الذي يتبرم فيه الأمريكيون ممن يـُـجمع كثيرون علىأنه فرصتهم الأخيرة في تحقيق تسوية بعد أن أضاعوا قبل عشر سنوات فرصة الراحل ياسرعرفات.

– الثاني: أن واشنطن بذلك توجه رسالة خطيرة مفادها أنالاعتدال لا قيمة له حتى في عرف من يقدم نفسه راعياً له ومشجعاً. هذا لا يمكن أنيقود في نهاية المطاف سوى إلى التطرف والإرهاب الذي تقول إنها تحاربه وهو ما أشارتإليه الخارجية الفلسطينية حين قالت في بيانها المعقب على المتحدثة باسم الخارجيةالأمريكية إن هذه التصريحات المدافعة عن الممارسات الإسرائيلية بلا تحفظ «هي التيتولد تلك الأجواء المعادية لأمريكا في المنطقة وفي العالم».

الواضح اليوم بعد بيان الخارجية الامريكية المنتقد لخطابعباس أن واشنطن، إن لم تكن تسيء معاملة أصدقائها، فهي على الأقل لا تعرف كيف تحترمهمأو تحتفظ بهم. هي لا تجعل من علاقتها مع هؤلاء علاقة مثمرة لأنها بالأساس تعتبر أنلا صديق لها في الدنيا والآخرة سوى “إسرائيل” وعلى البقية القبولبالأدوار الثانوية الهزيلة.

من هنا يـُـفهم تماماً ما نــُـسب لعباس من قول فياجتماع أخير مع أمير دولة قطر في الدوحة من أنها «وصلت الأمور مع الأمريكيين إلىهنا» مشيراً إلى أنفه!!. وبعد فشل عرفات في علاقته المتقلبة مع الأمريكيين والفشلالنهائي الوشيك لعباس من الصعب أن تجد واشنطن شخصية فلسطينية مستعدة للتعامل معهاناهيك عن الوثوق بها، اللهم إذا كانت تبحث عن عميل ليس إلا. للأسف، واشنطن لم تثبتفقط أنها ليست وسيطاً نزيهاً، وهو المعروف من المفاوضات بالضرورة، لكنها تبدو غيرمعنية بالبحث عن شركاء أصلاً، ربما لأنها ليست حريصة على أي اتفاق من الأساس، إلاإذا كان اتفاقاً تصيغه “إسرائيل” بالكامل وهذا له مسمى واحد: الإستسلام.

الدراما الماثلة اليوم أن الولايات المتحدة لا تكتفيبالتعامل مع أعدائها بمحاربتهم وشيطنتهم في كل مكان، وهذا مفهوم، وإنما تتعاملكذلك مع أصدقائها المفترضين بعنجهية مسيئة لها ولهم على حد سواء. إذا كانت واشنطنلا تريد التوصل إلى أي شيء في الملف الفلسطيني فقد نجحت، وإن كانت تريد فأي معنىلإطلاق النار على أصدقائها أو حتى على رجليها أحياناً. إن الانتهاء الوشيك لعلاقةعباس مع الأمريكيين ستكون إيذاناً بنهاية علاقة الفلسطينيين ككل معهم لأنه لن يكونبعد عرفات وعباس من سيكون مستعداً لتقديم نفسه قرباناً لعلاقة لا تريد أن تثمرويريدها الأمريكيون أن تتواصل فقط إنقاذاً للمظاهر وإمعاناً في التسويف. عرفاتوعباس أبدياً من المرونة ما جلب لهما ما جلب، تم التخلص من الأول وشرعوا تقريباًفي شيطنة الثاني تمهيداً لإزاحته خاصة إن هو قرر خطوات أخرى من قبيل الإنضمام إلىمحكمة الجنايات الدولية. الفلسطينيون تعودوا على كل المصائب ولن يكون ما سيحل بهمأسوأ مما قاسوه إلى حد الآن، أما الأمريكيون فمتاعبهم جراء مثل هذه السياسات قدتتفاقم… وهم من لا تنقصهم المتاعب أصلاً مع ما يجري اليوم في المنطقة.

٭ كاتب من تونس

صحيفة القدس العربي اللندنية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...