السبت 10/مايو/2025

نتنياهو يعمّق عزلة إسرائيل

نتنياهو يعمّق عزلة إسرائيل

أفاداستطلاع للرأي أجرته هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» أن صورة “إسرائيل”الدولية تلقت ضربة قاسية، إذ لم تتفوق عليها في سوء السمعة، حسب المستجوبين، سوىدولتين، وهي نتيجة صدقتها أيضاً صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية التي قالت في استطلاعللرأي إن 25 في المئة من الأميركيين ممن تتراوح أعمارهم بين 19 و29 سنة، يعتقدونأن الحرب الأخيرة على غزة لم تكن مبررة.

وفيالأسبوع الماضي فقط نشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية رسالة وقعها 34 ضابطاًإسرائيلياً من ضباط الاستخبارات يقولون فيها «نرفض الخدمة في الأراضي المحتلة»،لتتفاقم بذلك التحديات في “إسرائيل” سواء الآتية من الداخل، أو الخارج.وهذا الأمر يمثل صفعة لحكومة نتنياهو المسؤولة بسبب ممارساتها الاحتلالية عن هذهالصورة القاتمة، إذ فيما يتوقع الإسرائيليون من حكومتهم تقديم صورة إيجابية عنكيانهم، يقوم نتنياهو بعكس ذلك تماماً.

فبعدالهجوم العسكري الأخير الذي تعرضت له غزة غدا العديد من المراقبين حول العالميعتقدون أن نتنياهو يمثل حالة واضحة من حالات الإفلات من العقاب، بل يواصل بناءالمستوطنات والممارسات الاحتلالية القمعية في تحدٍّ صارخ لإرادة ورغبة الولاياتالمتحدة، على رغم كونها هي الراعية الرئيسية ل”إسرائيل”.

ولئنكانت القيادة الذكية تقتضي، ضمن أمور أخرى، الالتزام العميق بالتغيير والتطور، فإننتنياهو يرفض تبديل مواقفه اليمينية المتطرفة أو التزحزح عنها قيد أنملة، فما زاليؤمن بقدرته على تأبيد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية من خلال بناءالمزيد من المستوطنات غير القانونية، وسرقة أراضي الفلسطينيين، وهدم منازلهم،وحرمانهم من حقوقهم وحريتهم، فضلاً عن الاستمرار في انتهاك القانون الدولي وتحديالإرادة العالمية.

كماأنه من صفات الزعيم الحقيقي التي تغيب كلياً عن نتنياهو قول الحقيقة، فقبل أنتنزلق الدولة العبرية إلى مزيد من التطرف وتتجه نحو اليمين كان بعض ساسة “إسرائيل”وقادتها في السابق أكثر واقعية في التعامل مع التحديات التي واجهت كيانهم الوليد،فها هو أول رئيس وزراء ل”إسرائيل”، ديفيد بن جوريون، يقول في لحظةمكاشفة صريحة «لو كنت قائداً عربياً لما تصالحت مع إسرائيل… فنحن جئنا إلى هناوسرقنا أرضهم، فلماذا يتعين عليهم قبول ذلك؟». والصراحة نفسها أبداها رئيس وزراءآخر هو «موشي شاريت» رغم فترته الوجيزة في السلطة، إلا أنه اعترف بأنه إذا كانهناك من شيء تعلمه خلال حكمه فهو الخداع والمراوغة! هذا في وقت يواصل فيه نتنياهوالترويج لـ«مظلومية» “إسرائيل” الزائفة أمام المجتمع الدولي، وهي دعاوىواهية لم تعد تنطلي على أحد بعد أن أدرك الرأي العام الدولي النزعة العسكريةالاحتلالية المفرطة للكيان الإسرائيلي، وتسخيرها لا للدفاع عن نفسه، بل لتكريسوضعه ككيان يحتل أراضي الغير ويحرمهم من تحقيق تطلعاتهم الوطنية المشروعة.

وفيكثير من المناسبات صرح نتنياهو نفسه بما يفيد بأنه سياسي مراوغ وكاذب، كتلك المرةالتي صرح فيها أثناء زيارته لعائلة مستوطنة في الضفة الغربية، قائلاً بتباهٍ فج:«أعرف كيف التعامل مع أميركا، فهي بسهولة تنحو إلى اليمين»! وبمعنى آخر كاننتنياهو يتفاخر أمام ناخبيه من اليمين بقدرته على التأثير في أميركا وحملها علىتبني مواقفه المتطرفة. وكذلك باعتراف واضح منه كذب نتنياهو على الرئيس الأسبق بيلكلينتون عندما أخبره بأنه بصدد إعادة نشر قواته في قطاع غزة والضفة الغربيةانسجاماً مع اتفاق «أوسلو» في حين كان فقط يكرس الاحتلال.

وإذاكان الزعيم الحقيقي هو الذي يتفاعل مع نبض المجتمع الدولي ولا يشذ عن القاعدة، فإنرئيس الوزراء الإسرائيلي منفصل تماماً عن انتظارات العالم، حيث يواصل استخدامأسلوبه المتقادم الذي يخلط فيه بين أي انتقاد ل”إسرائيل” ومعاداةالسامية! ولعل حالة «جيك لينتش»، الأستاذ بجامعة سيدني الأسترالية أوضح مثال هنا،حيث رفض هذا الأخير الذي يساند حملة مقاطعة الجامعات الإسرائيلية التعاون معالجامعة العبرية ومنْح أحد أعضائها الزمالة، والنتيجة أن منظمة إسرائيلية غيرحكومية رفعت عليه دعوى قضائية تتهمه فيها بالتمييز ضد اليهود! وقد استندت الدعوىفي بناء حججها على قانون أسترالي يحظر كل نشاط من شأنه التحريض على الكراهية التيترى المنظمة أنها قد تعرضت لها بمنع قدوم باحث إسرائيلي للعمل في جامعة سيدني.

بيدأن «لينتش» حرص على التوضيح خلال الإدلاء بإفادته، أنه يفصل فصلاً تاماً بينانتقاد النزعة العسكرية الاحتلالية للحكومة الإسرائيلية وبين شعب إسرائيل الذي لايكن له أي ضغينة، رافضاً الاتهامات التي نعتته بمعاداة السامية! وقد أوضح موقفهلصحيفة «هآرتس»، قائلاً: «أرفض المشاركة في أية مؤسسة أعتقد أنها تعزز الطابعالعسكري للحكومة الإسرائيلية وانتهاكها للقانون الدولي». وقد انتهت القضية بتفنيدكل ادعاءات المنظمة الإسرائيلية كونها لا تستند إلى أساس قانوني، بل أُجبرت علىدفع مصاريف الدعوى، ما شكل انتصاراً لحركة مقاطعة الجامعات الإسرائيلية التيتقودها مؤسسات أكاديمية مرموقة ومراكز بحثية في الغرب. وعلى حد قول «لينتش» نفسهفقد «أسدلت القضية الستار على جميع مساعي المنظمة الإسرائيلية الرامية إلى الربطبين النشاط ضمن حركات مقاطعة “إسرائيل” وبين معاداة السامية». وعلى رغمالضغوط التي تمارسها “إسرائيل” على الجامعات الدولية وأساتذتها للتعاملمع المؤسسات البحثية في الدولة العبرية، إلا أن ذلك لم يعد يخيف أحداً، أو يثنيهعن التعبير على آرائه بحرية. وفي النهاية ونتيجة للأداء السيئ لحكومتها تواجه “إسرائيل”حالة من ردود الفعل السلبية في جميع أنحاء العالم. ولذا فقد حان الوقت كي يسائلالإسرائيليون رئيس وزرائهم الذي بات هو نفسه يتحمل مسؤولية التهمة ذاتها التي يرميبها الآخرين، وهي تعزيز عزلة “إسرائيل” على الساحة الدولية وتلطيخصورتها عالمياً.

صحيفةالاتحاد الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات