السبت 10/مايو/2025

بكين وتل أبيب!

بكين وتل أبيب!

تُثير العلاقات الصينية «الإسرائيلية» مجموعة منالتساؤلات التي يطرحها المراقبون، وهي تساؤلات تتمحور حول الخفايا والمصالح التيتقف وراء تلك العلاقة، في ظل المواقف الصينية المؤيدة للكفاح الفلسطيني وللمواقفالعربية بشكلٍ عام إزاء النزاع العربي والفلسطيني مع «إسرائيل».

وفي ظل حرص بكين على استمرار علاقاتها الإيجابية مع عمومالدول العربية التي تربطها معها علاقات إيجابية وشبكة من المصالح الاقتصادية.

فالصين ترى أن الشرق الأوسط، والمنطقة العربية منه علىوجه التحديد، عنواناً رئيساً لمصادر الطاقة وسوقاً كبيرة لإنتاجها، وللأيديالعاملة الصينية، كما أنه مصدر للاستثمارات والتكنولوجيا.

وانطلاقاً من ذلك، ظلت الصين ترفض أن تنعكس علاقاتها مع«إسرائيل» لتصل الى مستوى تبادل التمثيل الرسمي بين الدولتين، بسبب الخشية من أنيؤثر ذلك على علاقاتها المُتشعبة مع الدول العربية. وفقط في يناير 1992 أقامتالدولتان علاقات دبلوماسية كاملة فيما بينهما. وقد تمّ ذلك في أعقاب انهيارالاتحاد السوفياتي السابق والكتلة الشرقية، وفي أعقاب الاعتراف المتبادل بين منظمةالتحرير الفلسطينية و«إسرائيل» وانعقاد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط نهايةالعام 1991 وصولاً لتوقيع اتفاق أوسلو الأول في سبتمبر 1993.

إن دراسة وتفكيك عناصر مسار العلاقات الصينية مع الدولةالعبرية الصهيونية يدفعنا للقول بأن أكثر ما يميّز العلاقات بين «إسرائيل» والصينوبالتالي يؤثر عليها، هو احتكامها إلى المقاربة البراغماتية والمرونة التيانتهجتها حكومة بكين حيال الدولة العبرية «الإسرائيلية»، وذلك كون القيادة الصينيةتتحكم بمستوى هذه العلاقات وجوهرها وآفاقها على الصعد كافة، وخصوصاً في مجال محددله علاقة باستيراد جوانب معينة من التكنولوجيا العسكرية وغيرها. فالصينيون معنيونبتعميق العلاقات التجارية والتعاون التكنولوجي مع «إسرائيل». وقد بلغ حجم التبادلالتجاري بين الصين و«إسرائيل» في العام 2013 حوالي ثلاثة مليارات دولار أميركي،وهو يزداد بنسبة 20% سنوياً وفق المصادر «الإسرائيلية».

فبكين تبحث عملياً عن تقاسم المعرفة في شؤون استراتيجيةأوسع من الناحية الأمنية مع مختلف بلدان المنطقة بما فيها الدولة العبريةالصهيونية، مع استمرارها في الحفاظ على موقفها التاريخي المتعلق بالقضيةالفلسطينية، وتأييدها المطلق لحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة فوق الأرضالمحتلة عام 1967 وحل قضية اللاجئين على أساس قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.

وعملياً، تعود بداية العلاقات بين الدولتين إلىالاتصالات التي شرع رجل الأعمال «الإسرائيلي» شاؤول أيزنبرغ في إقامتها مع القيادةالصينية في السبعينيات من القرن الماضي والتي نجح من خلالها في تصدير الخدماتالتكنولوجية «الإسرائيلية» المتطورة، حيث اهتمام الصين باستيراد التكنولوجياالمتطورة في المجالين المدني والعسكري.

إن كل المعطيات المتوفرة، تشير بأن المطامع التي تقودالموقف الصيني من مبتغى العلاقة مع الدولة العبرية الصهيونية، تنبع من رؤية بكينالتي تركز في علاقاتها مع «إسرائيل» على قضايا المنفعة المباشرة (البراغماتية) دونلف أو دوران وهي سمة باتت مميزة للسياسات الخارجية للصين، وتحديداً بالنسبةللقضايا العسكرية والتكنولوجيا المتعلقة بها بشأن العلاقة مع «إسرائيل».

فـ «إسرائيل» كانت زودت الصين قبل نحو عقد من الزمنبتكنولوجيا عسكرية متطورة حتى اضطرت تل أبيب وبضغط أميركي لوقف أحادي الجانبلاتفاقية وقعتها مع بكين لتزويدها بأنظمة إنذار مُبكر جوية. وتلى ذلك رفض«إسرائيل» طلباً صينياً للقيام بأعمال صيانة لطائرات من دون طيار زودتها سابقاًللصين بعدما وقعت اتفاقية «إسرائيلية» أميركية وضعت حداً لتصدير تكنولوجيا أدواتووسائل الاتصالات العسكرية لبكين.

وفي الأعوام الأخيرة، حاولت «إسرائيل» ربط مستوى تطورعلاقاتها التكنولوجية المتبادلة مع الصين بمواقف الصين من الموضوع النوويالإيراني، حيث رفضت بكين منح «إسرائيل» أيّ تعهد في شأن الموضوع النووي الإيراني،وأعمق ماقالوه في هذا الصدد بأنهم «يدون تفهماً» لقلق «إسرائيل» حيال جهود إيرانالرامية إلى تطوير برامجها النووية. لكنهم (أي الصينيين) إستمروا عملياً على ذاتالموقف الذي تتخذه روسيا بشأن الملف النووي الإيراني، ولاننسى هنا ان بكين تستورديومياً مايقارب نصف مليون برميل من النفط الإيراني غير المكرر.

إن روح البراغماتية العالية، تبدو جلية وصارخة في سياساتجمهورية الصين الشعبية، الخارجية منذ عملية الانفتاح الكبرى التي قادها الزعيمالصيني الراحل (دنغ سياو بينغ) بعد وفاة مؤسس جمهورية الصين (ماو تسي تونغ).فالإصلاحي الصيني (دنغ سياو بينغ) منذ قيادته لعملية الإنفتاح الكبرى في سياساتالصين بأن «الصين مستعدة لأن تضحي بنفسها فقط من أجل دولة واحدة، هي الصين» وهيجملة سمعها دبلوماسيون «إسرائيليون» على لسان مسؤولين صينيين رفيعي المستوى.

إن التقدير «الإسرائيلي» يتجه للقول بأن «إسرائيل» ترىفي الصين منذ الآن وفي الأحوال كافة دولة عظمى مؤثرة في الشرق الأوسط، وأن تعملعلى تعزيز علاقاتها معها في مختلف المجالات، لكن ليس على حساب «العلاقاتالإستراتيجية» مع الولايات المتحدة. لأنّ مقاربة العلاقات مع الصين تظل انتفاعية.كما يتجه التقدير إياه للقول «من الصعوبة بمكان التكهن بشأن الكيفية التي سيتطوّرفيها الموقف الصيني في الشرق الأوسط، لكن ما يمكن إفتراضه الآن هو أن تظل الصينمعنية بتعميق الإستقرار في هذه المنطقة، من جهة ومعنية بزيادة نفوذها فيها، من جهةثانية». في الوقت الذي تجمع فيه مصادر مختلفة بأن ثمة إحتمالات قوية لأن تتعززالسياسة الصينية في الشرق الأوسط بناء على مستجدات الأوضاع في المنطقة ووفقًالتقلبات ميزان القوى العالمي.

وعلى ضوء استمرار حالة الضعف والإنكفاء في مكانةالولايات المتحدة، واستمرار التآكل الذي طرأ على قدرتها على التعاون مع أوروبا.حيث يمكن للصين ردم الفجوة التكنولوجية والعسكرية القائمة بينها وبين الولاياتالمتحدة.

أخيراً، إن بكين في علاقاتها مع «إسرائيل» تمارس لغةالمصالح بطريقة مُتخمة بالبراغماتية، وكأنها تقول سنتواصل مع الشياطين من أجلمصالح الصين، وهذا هو الديدن الذي يحكم علاقات بكين الحالية مع تل أبيب. وأي تطويرلمواقف بكين باتجاه الاقتراب من العرب وقضاياهم، يتطلب من العرب المبادرة لبناءعلاقات مماثلة مع الصين ووفق العقلية ذاتها التي تربط الأمور بلغة المصالح. فمصالحبكين مع العرب أوسع واكبر وأشمل منها مع «إسرائيل»، ومن هنا أهمية الدور العربي فيهذا الصدد حتى لاتذهب بكين كثيراً نحو العلاقات مع «إسرائيل».

صحيفة الوطن القطرية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات