الإثنين 12/مايو/2025

مستقبل المقاومة الفلسطينية بعد الحرب الكونية على داعش!

عماد عفانة
مر على القضية الفلسطينية منذ بدايتها الكثير من الملمات جراء التحولات في السياسة الدولية والاقليمية، وجراء اندثار تحالفات ونشوء أخرى الأمر الذي اثر بالسلب على تقدم القضية الفلسطينية تجاه تحقيق قرارات المحافل الدولية لجهة انجاز التحرر والاستقلال .

ورغم القناعة التي وصل اليها مايسترو الثورة الفلسطينية الحديثة ياسر عرفات الذي قضى حياته بين البنادق والخنادق تارة ثم بين المفاوضات والاتفاقات تارة أخرى، ثم فقد حياته شهيدا شهيدا شهيدا عندما حاول العودة لخيار الخنادق والبنادق بعدما اكتشف متأخرا عبثية خيار المفاوضات واسترجاع الحقوق عبر طاولات السلام الموهوم، ولكن كان اكتشافه متأخرا حيث كبد القضية خسارة 78% من مساحة الوطن.

إلا أن خلفه محمود عباس بدأ مشوار الحياة مفاوضات دون أن يأخذ العبرة من سلفه عرفات، وها هي القضية الفلسطينية تصل أخيرا وعبر منصة الأمم المتحدة الى “دقت ساعة الاستقلال” و “لا عودة للمفاوضات دون سقف زمني للاستقلال” ..الخ من هذه القناعات التي سبقه إليها كثير من قيادات وفصائل المقاومة منذ عشرات السنوات.

على الجانب الآخر مرت فصائل فلسطينية أخرى اتخذت من البندقية خيارا وحيدا ولم تتورط في تجربة المفاوضات كي لا تجر على القضية مزيدا من النكبات، مرت بالعديد من التجارب المؤلمة وخاضت العديد من الجولات الدامية وهي تدافع عن شعبنا وحقوقه في العيش على أرضه بكرامة.

ولم تكن معركة الفرقان 2009م أولى المعارك مرورا بحجارة السجيل 2012م ولا نعتقد أن معركة العصف المأكول 2014م ستكون آخر تلك المعارك، حيث يبدو أن المقاومة لم تضع لامة الحرب بعد.

وما تعيبه حركات وفصائل المقاومة على محمود عباس من عدم الاتعاظ بتجارب الماضي ولا بتجربة سلفه عرفات ولا بفشل خياراته السياسية في التعويل على كرم العدو في منح عباس دولة، ما تعيبه هذه الفصائل على عباس توشك أن تقع فيه.

فإن ثلاث جولات دامية من الحرب على غزة لم يقدم في اعقابها أي من مجرمي الاحتلال لأي محاكمة او عقاب، وفي اعقاب ثلاث جولات من الدم والدمار والمعاناة كانت لتحقيق مطالب انسانية لشعب محاصر ومأسور وليس لتحرير ولو شبر واحد من الوطن، كان يجب على فصائل المقاومة ان تعيد حساباتها وتقف وتفكر في عملية مراجعة حقيقية لجدوى كل هذا.

ولا نقصد هنا جدوى المقاومة، ولكن جدوى حصر المعركة في غزة التي تعرضت للدمار ثلاث مرات متتالية خلال ستة سنوات فقط، في الوقت الذي زاد فيه تغول الاحتلال على تهويد القدس والضفة المحتلة اضعافا مضاعفة.

وما يفرض عملية المراجعة على فصائل المقاومة هو المتغير الدولي الكبير والعميق الذي تصنعه الولايات المتحدة الامريكية وحلفاؤها الغربيون وأذنابها من العرب من عروض الحروب الكونية مرة على العراق لتحرير الكويت، ومرة على طالبان لتدمير القاعدة، ثم مرة أخرى لتدمير العراق عبر بوابة اسلحة الدمار الشامل التي لا وجود لها، ثم ها هي تنظم عرضا حربيا كونية على تنظيم عسكري مسلح (داعش) قالت امريكا وقبل حتى أن تبدأ المعركة انها ستستمر لسنوات، تماما وكأن هذا العرض الكوني هو لعبة او مسرحية أعدت أمريكا عدد فصولها وعدد مشاهدها وترسم معالم نهايتها كما ترسم نهاية أي فيلم من هوليود لتعظيم القوة الامريكية المسيطرة على العالم.

العجيب ان الهدف من حلبات المصارعة الكونية هذه بات واضحا ومكشوفا للجميع وهو :

السطو على مدخرات الامة العربية الترليونية وخصوصا الخليجية منها في البنوك والامريكية والاوروبية بهدف تنشيط صناعاتها العسكرية وتشغيل الآلاف من مواطنيها وانعاش اقتصادها وانقاذه من الانهيارات والازمات التي تحيق به من كل جانب.، ورغم ذلك تنساق الدول العربية التابعة للمذبح كما تنساق النعاج دون أي تفكير.

استمرار مسلسل تفتيت المنطقة واعادة رسم الجغرافيا خلافا لما رسمه اتفاق سايكس بيكو لجهة مزيد من التفتيت على اسس مذهبية وطائفية هذه المرة ليس لإدامة الصراعات فقط بل لتوسيعه ونشره في كل الربوع.

قطع الطريق على دول ناهضة بقوة ومرشحة لاستعادة قيادة الامة الاسلامية مثل تركيا التي يعمل حزب الحرية والعدالة التركي فيها على اعادة وضع الدولة التركية على سكة القيادة من جديد.

فتح الباب واسعا امام “اسرائيل” لتتغلغل في المنطقة العربية بعقد التحالفات العلنية والسرية مع دول عربية كبيرة ووازنة بحجة مكافحة كل ما يهدد بقاء عروشهم بحجة مكافحة “الارهاب”.

القضاء على وتدمير كل المنظمات الاسلامية المعتدلة التي اثبتت انها قادرة على اسقاط النظام السوري مثل جبهة النصرة واحرار الشام وغيرها من الحركات وذلك تحت غطاء الحرب على “داعش”، ربما خوفا من تمدد خطر هذه الحركات الجهادية ليهدد بإسقاط انظمة قمعية اخرى، وربما للحيلولة دون حذو أي حركات وطنية في بلدان عربية قمعية حذو الحركات الجهادية في اسقاط انظمتها الجبرية.

كيف تنظر المقاومة الفلسطينية “لداعش”!!

رغم أن الدولة الاسلامية في العراق والشام واقامة الخلافة حلم يداعب خيال كل مسلم حول العالم فضلا عن المقاومة الفلسطينية، إلا ان المقاومة الفلسطينية وفي مقدمها الحركات الاسلامية تنظر الى تنظيم الدولة الاسلامية على انه تنظيم يعلن خلافة اسلامية في سياق منقطع عن السياق التاريخي والديني والقدري ومنقطع عن سياق التطور الطبيعي للأحداث المفضي الى اقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة والتي بشر بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، .

كما ترى أن الخلافة الموعودة وطبقا للأحاديث النبوية تقوم على ارض فلسطين أولا وتكون القدس عاصمتها ولا يتأتى ذلك كله الا بعد تحرير فلسطين في حرب طاحنة يعود فيها اليهود عبر البحر للشتات في انحاء الدنيا مرة أخرى.

إلا ان المقاومة الاسلامية في فلسطين ترى ان ما يجري في الأمة العربية رغم دمويته ما هو تهيئة للأمة لحرب التحرير القادمة، وأنه مخاض اعادة تشكيل للأمة وولادة جيل جديد في الأمة تصنعه المعاناة والآلام ويتربى على قتال الظالمين ويتجرد من ملذات الدنيا ومباهجها ليستحق النصر في المعركة القادمة.

كيف نوظف الحرب الكونية على “داعش”..!!

وما يهم المقاومة الفلسطينية هنا هو وضعها في ظل هذه الفوضى الامريكية المصطنعة والتي ولدت بيئة اقليمية وعربية طاردة للمقاومة.

فلو استعرضنا علاقة المقاومة بمحيطها العربي والاقليمي لا نجد لها ظهيرا سياسيا سوى في تركيا وقطر وايران رغم ضعف هذا الظهير، مع انعدام أي ظهير عسكري ما يعني انعدام أي خط امداد أو تدريب من خارج الاراضي الفلسطينية المحتلة.

في ذات الوقت وفي ظل حصار المقاومة الفلسطينية سياسيا وميدانيا نجد اقبالا كبيرا من شباب المسلمين على الالتحاق بمنظمات اسلامية اخرى مثل النصرة والدولة الاسلامية وذلك اعتمادا على نبوءات واحاديث نبوية متواترة على فضيلة رباط الشام ومجاهدي الشام وشهداء الشام، فضلا ان جيش تحرير القدس سينطلق من الشام نحو الاردن لتتحقق النبوءة “انتم شرقي النهر وهو غربية”.

فبتنا نجد معه اقبالا كونيا من شباب المسلمين على هذه الحركات التي شهدت انتفاخاٌ وتمدداٌ أهّلَها للسيطرة على مساحة تقارب مساحة الاردن في العراق، ومساحة أقل منها في سوريا، وفي المقابل نجد ان المقاومة الاسلامية الفلسطينية تحاصر وتحارب وتنكمش في غزة فقط.

وعليه يحق لنا التساؤل ان كان واقع الحال بات يفرض على المقاومة الفلسطينية التفكير في خيارات اخرى من أجل الحفاظ استمرارية توجه بوصلة الأمة وحركاتها الجهادية نحو القدس وتحرير فلسطين وليس نحو اشغالها بمعارك جانبية تدمر قدراتها وتمكن لعدوها، من قبيل:

نقل المعركة العسكرية والمواجهة مع الاحتلال إلى جبهات أخرى، حيث ان هناك عدد من الجبهات المرشحة مثل:

جبهة الضفة والقدس المحتلة.

الجبهة الاردنية.

الجبهة اللبنانية في الجنوب.

الجبهة السورية في الجولان .

الجبهة المصرية في سيناء.

اعادة النظر في استراتيجية المقاومة الحالية القائمة على ان معركة تحرير فلسطين يكون على ارض فلسطين وليس من خارجها، والقائمة على عدم فتح جبهات مقاومة من دول الجوار تجنبا للدخول في صراعات جانبية مع انظمة دول الطوق، وذلك عبر توظيف المقاومة الفلسطينية لهذه الفوضى الأمريكية المصطنعة لصالحها لتصبح المقاومة الفلسطينية الاسلامية قبلة الشباب المسلم حول العالم عبر فتح باب التجنيد والالتحاق بالمقاومة الفلسطينية في الجبهات المحيطة بفلسطين لخلق واقع وبيئة التحرير واعادة توجيه البوصلة نحو فلسطين.

التوصل الى تفاهمات مع أنظمة الدول المهددة من التنظيمات الاسلامية المسلحة فضلا عن دول الطوق لتشجيع او على الأقل تسهيل الالتحاق بالمقاومة الفلسطينية في جبهات دول المواجهة عوضا عن الالتحاق بالتنظيمات المتطرفة.

ان الخيارات أمام المقاومة الفلسطينية كثيرة لكن ليس كلها قابل للتحقيق، لكن ايضا استمرار تقوقع المقاومة الفلسطينية المسلحة في غزة في ظل عولمة الحرب “داعش” لا يبشر بمستقبل مبهج للمقاومة ولا يقرب حلم التحرير وبات عليها التفكير في سبل عولمة المقاومة وحرب التحرير القادمة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات