السبت 10/مايو/2025

.. وماذا عن إرهاب إسرائيل؟

.. وماذا عن إرهاب إسرائيل؟

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانتصار الولايات المتحدةفي “الحرب الباردة” اغتر أكثر صناع الفكر الأمريكي إيديولوجية لدرجةالترويج لفكرة “نهاية التاريخ”. وبعد احتلال الولايات المتحدةأفغانستان، 2001، ثم العراق، 2003، تغطرس “المحافظون الجدد”، رأس السلطةالأمريكية آنذاك، لدرجة الاعتقاد أن استخدام القوة العسكرية كفيل بتحقيق أحلامهمالإمبراطورية في عولمة سياسة الاقتصاد الليبرالي الجديد، وإحكام السيطرة الأمريكيةعلى خيرات العالم وموارده، وعلى النظام الدولي ومؤسساته السياسية والاقتصاديةوالأمنية.

لكن هذا الغرور الفكري والسياسي اصطدم بحدود القوةالعسكرية التي، مهما بلغت عظمتها، لا تقوى على هزيمة الشعوب صانعة التاريخ الذي لانهاية له. هنا أدرك صناع القرار الأمريكي أن اعتماد القوة العسكرية لتكريس نظام “القطبالواحد” وعقلية شرطي الكون المُطاع، لم يحصد – في الواقع – سوى كراهية شعوبالمنطقة والعالم وتأجيج مقاومتها بأشكال متنوعة، ونهوض أقطاب دولية وإقليمية جديدةاستفادت من مغامرة احتلال الولايات المتحدة لأفغانستان والعراق بخسائرها البشريةالجسيمة، وكلفتها المالية الباهظة التي أسهمت في تسريع انفجار أزمة رأس المالالأمريكي، وإدخال العالم برمته في أزمة اقتصادية جديدة. أملى ذلك إجراء تغييراتذات مغزى في السياسة الخارجية الأمريكية، رسمت معالمها الأولية في العام 2007توصيات لجنة “بيكر- هاملتون” المشتركة بين الحزبين الجمهوريوالديمقراطي، وتحولت إلى سياسة رسمية معتمدة بعد خسارة “المحافظين الجدد”في دورتين انتخابيتين متتاليتين لمصلحة الحزب الديمقراطي بقيادة أوباما الذي قادسياسة الانسحاب العسكري المبكر من العراق، وفتح قناة تفاوض معلنة مع حركة طالبان،وأحجم عن خوض حروب برية جديدة، وقصر التدخلات العسكرية الأمريكية على الضرباتالجوية، كما حصل في ليبيا.

لكن الطابع الاستقطابي العنيف لنظام الاستعمار والسيطرةالغربي الذي تقوده الولايات المتحدة، بوصفه المقرر في نهاية المطاف لحدود ومجالاتالثابت والمتحول في السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة والعالم، هو ما منعتطوير جديد سياسة إدارة أوباما الأولى والثانية إلى خيار سياسي استراتيجي، سواءلناحية رفض التسليم بانتهاء حقبة السيطرة الأمريكية المنفردة على العالم لمصلحةبناء نظام دولي أكثر توازناً، أو لناحية رفض إحداث أي تغيير على السياسة والمواقفالأمريكية الراعية ل”إسرائيل” والداعمة بلا حدود لحروبها العدوانيةوإرهابها الموصوف وصلف شروطها الصهيونية التعجيزية لإنهاء الصراع، وجوهره القضيةالفلسطينية.

ما يعني أن جديد سياسة إدارة أوباما الخارجية لم يكن سوىتغيير اضطراري مفروض، أو استدارة تكتيكية تهيئة لتجديد الهجوم، وإدخال المنطقةوالعالم من جديد في أتون “الحروب الباردة” التي لا يضمن أحد استمرارالسيطرة عليها، ومنع تصعيد بعضها إلى مستوى حرب إقليمية واسعة ساخنة ومتعددةالأطراف، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، وقلبها الوطن العربي الذي يلفه حريق كبيروغير مسبوق، وتعمل على إذكاء نيرانه في السر والعلن، دول غربية عظمى تقودهاالولايات المتحدة، ودولتان إقليميتان نافذتان هما “إسرائيل” عدو العربالأول، وتركيا عضو حلف الناتو بتطلعاتها العثمانية الجديدة.

الوارد أعلاه بشأن حدود الثابت والمتحول في السياسةالخارجية الأمريكية خلال ولايتي إدارة أوباما ليس وليد فكر مسكون بنظرية المؤامرة،بل يزكيه التحليل المنطقي لمجريات الوقائع على الأرض، خاصة الهجوم الأمريكيالمفاجئ والمفتعل على روسيا من بوابة أوكرانيا بذريعة الدفاع عن الديمقراطية،والاستفاقة الأمريكية المتأخرة سنوات والمفاجئة أيضاً على ما يمثله تنظيم “داعش”،إنما دون سواه من التنظيمات التكفيرية الإرهابية، من خطر فعلي وكبير على دولالمنطقة، والعربية منها خصوصاً، واتخاذه غطاء لاسترداد ما خسرته الولايات المتحدةمن نفوذ في العراق، وربما، بل على الأرجح، لتحقيق أهداف مضمرة ضد سوريا الدولةوالجيش والنسيج الوطني والمجتمعي، من خلال إطالة أمد استنزافها وتأخير حل الصراعالعسكري الجاري فيها وعليها حلاً سياسياً.

وهو الأمر الذي لا يخدم، ولا يلبي، مطالب حراك الشعبالسوري الذي انطلق سلمياً بمطالب الحرية والديمقراطية المشروعة قبل أربع سنوات. إذكيف لعاقل ألا يرى، (حتى من دون الاتعاظ من سيناريو تدمير الدولة والجيش والنسيجالوطني في العراق وليبيا)، أن إطالة أمد أزمة سوريا الدولة واستمرار استنزافها لايخدم الشعب السوري، إنما يصب الحب في طاحونة أطماع “إسرائيل” ورؤيتهاوشروطها الصهيونية لإنهاء الصراع العربي – الصهيوني، وجوهره القضية الفلسطينية.

ماذا عن إرهاب الدولة المنظم الذي تمارسه “إسرائيل”منذ 66 عاماً تحت سمع العالم وبصره وامتداداً لإرهاب عصابات الحركة الصهيونية؟ وماالذي يرتكبه تنظيم “داعش” وغيره من التنظيمات الإسلاموية التكفيريةالإرهابية من مجازر وتهجير وتدمير، ولم ترتكب وما هو أفظع منه، “إسرائيل”وأصلها عصابات الحركة الصهيونية؟ وما الفرق بين عنصرية تكفير التنظيمات الإرهابيةلكل مُختلف معها وبين عنصرية اتهام “إسرائيل” لكل مختلف معها، بل لكلضحاياها، ب”اللاسامية”؟ وما الفرق بين هدف التنظيمات الإسلاموية التكفيريةالإرهابية في إقامة “دولة الإسلام” بحد السيف وبين هدف “إسرائيل”الصهيونية في إقامة “دولة اليهود” على أرض الشعب العربي الفلسطيني عبرارتكاب ما لا يحصى من جرائم الحرب الموصوفة والتطهير العرقي المخطط والإبادةالجماعية الممنهجة؟

صحسفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات