الكيان الصهيوني وعولمة الإرهاب

لا يمكن وصف الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها الجيشالصهيوني في قطاع غزة إلا بأنها “إرهاب دولة منظم”، وهو ما دفع دولةبوليفيا إلى تصنيف الكيان الصهيوني على الأرض الفلسطينية المحتلة بأنه “دولةإرهابية”، وأن الممارسات التي تقوم بها في حق الشعب الأعزل ممارسات إرهابية.
لا يستند هذا التوصيف إلى ما يجري من مذابح في الأرضالمحتلة على أسس قانونية فقط بل يرتكز أساسا على أسس أصلب وهي الأسس الأخلاقية،فالأسس القانونية ليست سوى بوابة مفتوحة نحو أروقة المحاكم الدولية ودهاليز المنظماتالدولية ومتاهات حقوق الإنسان التي تنتهي عند عصا الفيتو الأميركي الغليظة، وهيمتاهات لا تعدو أن تكون في النهاية غير مساحيق باهتة لتجميل الوجه القبيحللاستعمار العالمي المتوحش.
أما الأسس الأخلاقية فكشف أمام الضمائر الحية في هذاالعالم عن جرائم “الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” وشركائهامن “الصهاينة العرب”، كشف الجرائم هذا لن يزيد القضية الفلسطينيةالعادلة إلا رسوخاً في الوعي الإنساني باعتبارها أنصع صراع ضد الاحتلال الاستيطانيفي العصر الحديث.
الإرهاب المعولم
الإرهاب الصهيوني يتنزل ضمن ما يعرف اليوم بالإرهابالمعولم أي إرهاب دولة زمن العولمة وعبر الآليات التي خلقتها العولمة نفسها،العولمة باعتبارها في جزء كبير منها -وفي تطبيقاتها العربية- إنكاراً للخصوصياتالثقافية والحضارية لمجموعة بشرية معينة، وهو ما ينسحب على ما تمارسه دولةالاحتلال في حق الشعب العربي عامة وفي فلسطين تحديداً.
العولمة -باعتبارها كذلك هيمنة- نموذج حضاري واحد يصهركل النماذج الأخرى فيلغيها ويطحنها داخله ثم يستنزف خصائصها التمييزية ليحولها إلىتنويعات تجميلية لبنيته الثقافية المهيمنة، والنموذج الأميركي اليوم من خلالاحتلاله العراق وفي حروبه الإمبراطورية الأخرى وفي المعارك التي يخوضها غيرهبالوكالة في المنطقة العربية إنما يعبر عن أنصع مظاهر “إرهاب العولمة”،والمخلب الصهيوني في فلسطين امتداد طبيعي لهذا الهيكل الأم في بنيته الداخلية أيفي شكله وكذلك في وظيفته.
في اتجاه تأويلي آخر، فإن إرهاب الدولة يتجاوز في مداهوخطورته إرهاب الجماعات المتطرفة بل يغذيها ويمدها بأسباب وجودها إن لم نقل إنإرهاب هذه الجماعات هو أول نتائج الإرهاب المعولم، من خلق “الجماعاتالإرهابية” في أفغانستان وفي العراق وفي سوريا؟ أليست الأنظمة هي التي خلقتهذه الجماعات سواء في شكلها الاستخباراتي بتكوين مباشر مثلما حدث في الجزائر خلالالتسعينيات أو غير مباشر مثلما يفعل النظام الطائفي في سوريا؟
أليس النظام الانقلابي في مصر اليوم بصدد إعداد جماعاتهالإرهابية التي سيدعي مقاومتها لكي تمده مراكز الإرهاب المعولم بشرط وجوده؟ أليستالغارات المصرية الإماراتية الأخيرة على التراب الليبي بدعوى محاربة الجماعاتالإرهابية الخطوة الأولى نحو استنساخ النموذج الجزائري؟
أغلب الدول والأنظمة الصانعة للإرهاب الموجدة له بشكلاستخباراتي مباشر أو غير مباشر نتيجة الظلم الاجتماعي وقمع الحريات وغياب العدالةالاجتماعية تتحدث -بفعل أثر الانعكاس- عن عالمية التنظيمات الإرهابية ودوليةخلاياه في حين أنهما وجهان لعملة واحدة يخدمان بعضهما بعضا بل أحدهما شرط لوجودالآخر.
تاريخ من الجرائم
في البداية لسائل أن يسأل: هل يمكن إحصاء الجرائمالصهيونية في فلسطين منذ 1948 وحتى قبل ذلك؟ لا أعتقد ذلك خاصة في ما يتعلقبالمرحلة التي سبقت التوثيق لهذه الجرائم في دير ياسين وغيرها من القرىالفلسطينية، فالمنظمات الإرهابية الصهيونية سليلة منظمة “الهاغاناه”الدموية كمنظمة “أرجون” أو منظمة “شتيرن” وغيرها من العصاباتالمسلحة هي التي ستكوّن نواة الجيش الصهيوني الذي يقصف الأحياء المدنية في القطاعكما كان يفعل بالقرى الفلسطينية منذ ثلاثينيات القرن الماضي.
جرائم دولة الاحتلال الأخيرة -وكما كانت دائما- لا تميزبين مدرسة ومسجد ومبنى سكني، لا تفرق بين مدني ومسلح بل تستهدف الإنسان على الأرضالفلسطينية كعنوان للوجود العربي على الأرض، ففي العدوان الأخير استهدف الجيشالإسرائيلي الأبراج السكنية بغزة دون تمييز بين قاطنيها.
الجريمة هنا مزدوجة فالقاتل مستعمر استيطاني نهب الأرضوهجّر السكان الأصليين، وها هو يقتل من تبقى من السكان المدنيين ويمارس أبشع أنواعالتطهير العرقي في مأمن من كل عقاب أو مساءلة، هذا السلوك العدواني المتوحش يواجهبصمت عربي وعالمي متواطئ كمن يغرس رأسه في الرمل باستثناءات قليلة جدا.
أمام هذه الجرائم أو هذا التاريخ الطويل من الجرائم لاتنعت دولة الاحتلال أو توصف بالإرهابية في الخطاب الإعلامي العالمي، فالمصطلح علىأهميته الوظيفية منذ ما يزيد على العقدين من الزمن لا يملك تعريفاً دقيقاً أوتحديداً للمجالات التي يغطيها والمفاهيم التي يعبر عنها.
بيد أن أي ملاحظ خارجي يكاد يدرك يقيناً أن المصطلحالأميركي النشأة وضع من أجل مجموعة بشرية وعقائدية معينة ليستهدفها استهدافاً حتىيكاد مصطلح الإرهاب في الخيال الجماعي العالمي يعني المسلمين دون غيرهم، فالمركبالنعتي “الإرهاب الإسلامي” لا يغيب عن أي نشرة أخبار دولية كالملح فيالطعام، هكذا حصر الإرهاب في المسلمين وقصر على العرب منهم بشكل خاص دون غيرهم بليكاد يختص به العرب السنة عن السائر العرب المسلمين.
يبقى موقف دولة بوليفيا -التي صنفت الكيان الصهيونيتنظيما إرهابياً- الأكثر إنصافاً للشعب الفلسطيني مقارنة ببقية المواقف الدوليةالتي اختارت المساواة بين الجلاد والضحية، بين دولة نووية وتجمع سكاني، أو اكتفتبالإدانة الخجولة التي لا ترتقي إلى أدنى درجات الإنسانية والعدالة.
لن نتحدث هنا عن المواقف العربية سواء تلك التي مولتالحرب على القطاع أو تلك التي حاصرته إمعاناً في خنق أهله وإذلالهم لأن ذلك مجاللحديث يطول كثيراً عن الصهاينة العرب.
إعلام دولة الاحتلال لم يعلق على التصنيف البوليفي لكنهفي المقابل رحب بتعاون الدول العربية المتورطة في العدوان إلى حد أقصى. من جهةأخرى، حاول الإعلام المتصهين -قبل الصهيوني- اتهام الدول التي فضحت جرائمه ونددتبها بالإرهاب فشن حرباً دبلوماسية من منبر الأمم المتحدة على قطر وتركيا متهماًإياهما بتمويل الإرهاب.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...