السبت 10/مايو/2025

هل يكسر وحش البحر إرادة غزة الصامدة

هل يكسر وحش البحر إرادة غزة الصامدة

في بحر غزة أسطورة أخرى لوحش البحر، فبالإمكان رؤيته صباح مساء خلافاً لوحش “البحيرة” الذي بقي حبيس أفلام “الأكشن” ومغامرات الهواة وروايات الخيال!.
 
في الحرب الأخيرة ومع إغلاق البحر أمام الصيادين، روى شهود عيان عن رؤيتهم لغواصات بحرية متطورة وتقدم قطع بحرية جديدة خلافاً لمقاتلات “ساعر5-دبور-ديفورا-شالداج-بروتيكور” ومعظمها صناعة صهيونية وأمريكية والسلسلة تطول.
 
ووصلت إلى ميناء مدينة حيفا المحتلة أمس الغواصة الجديدة التي أطلق عليها اسم “تانين” بعد أن تسلمها سلاح البحرية الصهيوني من الأحواض الألمانية لبناء السفن، ما يعني أن الصيادين على موعد مع وحوش جديدة في البحر.
 
وحدهم صيادو البحر من يملك تفاصيل المعاناة المتجددة خلال عملهم في مسافة تقل عن 6 ميل يتخللها إطلاق نار يومي من بحرية الاحتلال ومداهمة قوارب وتمزيق شباك وصولاً لعمليات الاعتقال.
 
واستشهد منذ بداية انتفاضة الأقصى في بحر غزة 12 شهيدا وأصيب 40، فيما بلغ عدد المعتقلين قرابة 400 معتقل حسب إحصائية نقابة الصيادين التي وثقت في العدوان الأخير خسارة تفوق 10 ملايين$ ما بين ضرر مباشر وغير مباشر.
 
عدوان يومي
تحت سقيفة من “الجلد” قرب مبنى نقابة الصيادين المدمر في “حرب السجيل” يدور نقاش عن مستقبل الصيد بين مندوبي وزارة الزراعة ونزار عياش نقيب الصيادين يخترقه أسئلة واستفسارات من بعض الصيادين حول توثيق الأضرار وتعويض خسائر الحرب الأخيرة.
 
يمنح عياش البحر ظهره قبل سرد معلومات اعتاد الإدلاء بها لوسائل الإعلام، مشيراً إلى أن الصياد محروم من العمل في 6 ميل حسب اتفاق سنة 2012 وصولاً لمرحلة المنع الكامل طوال حرب “العصف المأكول” مؤخراً.
 
كان من المفترض حسب اتفاق وقف إطلاق النار العودة للعمل تدريجياً من 6 ميل-12 ميل في الأسابيع الماضية، لكن البحر يشهد إطلاق نار يومي وعمليات اعتقال متكررة مطلع ووسط شهر سبتمبر وتخريب قوارب وشباك.
 
ويواجه 4000 صياد مسجلين في نقابة الصيادين وقرابة 300 آخرين يعملون بقوارب يدوية سلاح البحرية الصهيونية الذي يدفع بكامل عتاده في البحر ويحرك قطعاً بحرية للسيطرة على البحر مصعّداً حسب المرحلة والتوتر الميداني.

ويضيف عياش: “عدوان بحرية الاحتلال يدمر موسم صيد إنتاجه السنوي 4000 طن، كانت تكفي السوق المحلي وتتعداه للتصدير، لكن تقليص مساحة الصيد خفض الإنتاج إلى 1800 طن في منطقة صيد رملية خالية من الصخور” .
 
وحسب اتفاق أوسلو، فإن الصيد مسموح بعمق 20 ميلا، حيث قسم الاتفاق الحدود البحرية لغزة ضمن نقاط “L” غرباً وهي “6ميل للسلطة و6مشتركة و6 لإسرائيل” ومنطقة “M” جنوباً وحدودها ميل وربع مع مصر ومنطقة “K” شمالاً وعمقها 2ميل مع الاحتلال.
 
ويرسو صيادو غزة في 6 نقاط موزعة بين شمال غزة ومقابل قلب المدينة إضافة لشاطئ دير البلح والنصيرات وخان يونس ومدينة رفح يشتركون في المعاناة اليومية.
 
تحت القصف
المشهد من فوق الجرف الرملي مقابل مرسى الصيادين على شاطئ دير البلح لا يكشف بوضوح حجم الدمار والمعاناة في الأسفل إلا بعد مقابلة الصيادين ورؤية خسائرهم.

تحكم حجرات الحجرات الصغيرة المخصصة لمعدات وعمل الصيادين أقفال صدئة وتتقدمها مراكب نصف مدمرة من نيران الاحتلال وشباك ممزقة أضحت لاستخدامات ثانوية كثيرة عدا الصيد.

بشكل مؤقت، ترك الصياد حسن أبو جياب ركوب البحر وانشغل بإصلاح القوارب ضمن مشروع من “اتحاد لجان الزراعة”، عله يجد تعويضاً عن خسارته المالية في ركوب البحر الذي ألف أمواجه من سنة 1997.

تركت المياه المالحة خطوطاً بيضاء متعرجة على قميصه بعد أن لوّحت الشمس وجهه وهو دائم الانشغال منذ أسبوع في صيانة المراكب وطلائها بمادة “الفيبر” وهي مادة صمغية لإصلاح أضرار هيكل القوارب.
 
ويضيف حسن: “كنا متفائلين بالصيد لنصل 12 ميلا، فمنطقة 6 ميل رملية لا أسماك فيها، وبحرية الاحتلال تلاحقنا بكامل عتادها لذا لجأت مؤقتاً لعمل الصيانة”.

على بعد عشرة أمتار، اضطر نبيل الأقرع للهرب من أمام مركب قيد الإصلاح بعد أن نال مسحوق مادة “الفيبر” منه، فلون رموشه وثنايا ملابسه باللون الأبيض حيث لم تتجاوز أرباحه 50 شيكل يومياً بسبب حرمانه من الصيد بحرية.

ويتابع: “عمري 30 سنة وأعمل بالصيد منذ كنت طفلا على قارب يدوي، لكنني لا أتمكن من الصيد بسبب ضرب النار اليومي، والآن نصلح 10 قوارب دمرتها بحرية الاحتلال تكلف كل واحدة مبلغ كبير”.
 
ويزهو الصياد ياسر الأقرع الذي عدّل على كلام سابقة بأن استهداف بحرية الاحتلال لهم طرد القوارب من المياه، مشيراً إلى أنه تعرض لاستهداف مباشر وإطلاق نار من جنود البحرية دمرت قاربه وشباكه، لكنه رفض الاستسلام لهم والعودة من الرصاصة الأولى رغم خسارته الفادحة.

وتبدأ المناوبة الأولى لعمل الصياد إسماعيل عيّاش من “3-8 صباحاً” والثانية 6-10 مساءً”، لكن ملاحقة البحرية له تشكل عامل إزعاج قد تتطور لاعتقال وتدمير قوارب كما شاهد كثيراً.
 
بحرية الاحتلال
حالة الفزع والرعب المتكرر التي يواجهها الصياد داخل البحر والمواطن الذي تعرض للقصف كثيراً على اليابسة من بحرية الاحتلال تضعه دوماً أمام هاجس المثول أمام “وحش البحر” الذي يحمل الموت وقطع الرزق بل وتدمير المنزل عن بعد كما حدث في استهداف متكرر في آخر عدوان.
 
الأخبار اليومية تحمل تفاصيل مقتضبة عن ملاحقة الصيادين وإطلاق النار عليهم، لكن خلاف الكواليس فإن مياه بحر غزة تعد منطقة حدود بحرية يتخللها عمل استخباري وعسكري متواصل.

ويقول راصد ميداني لنشاط الاحتلال في بحر غزة لمراسلنا إن بحرية الاحتلال تنشط في تجنيد الصيادين وإحكام السيطرة لمنع احتمال تهريب الأسلحة ومراقبة قطاع غزة من البحر.
 
وتملك بحرية الاحتلال 8 قواعد بحرية مجهزة بكامل العتاد، ومن أشهر فرقها العسكرية قوة “شابيط13” وهي وحدة خاصة من نخبة البحرية تشبه وحدة البحرية البريطانية الخاصة ومهمتها حماية الحدود وتنفيذ غارات واقتحامات وجمع معلومات.

ويضيف الراصد الذي رفض كشف اسمه: “معظم الاحتكاك يكون بين الصيادين وقطع بحرية من نوع ديفورا والذي نسميه نحن الدبور وطوله 32 مترا، وعليه مدافع ورشاشات وطاقمه 16-18 جندي وكلما اقترب الصياد من 6 ميل يلاحقه ويجبره على التراجع”.
 
وحركت بحرية الاحتلال في الحرب الأخيرة قطعا بحرية كبيرة من نوع “ساعر5” وهي التي استخدمتها في حرب لبنان 2006 وتمكن حزب الله من استهداف إحداها فيما نقل شهود عيان رؤيتهم لغواصات ومقاتلات بحرية كبيرة في البحر خلال الحرب الأخيرة.
 
يسعى الاحتلال لتجنيد الصيادين في منطقة لا تملك الشرطة أو المقاومة سيطرة عليها، وقد نقلت كثير من القصص اتفاقه مع بعض الجواسيس على الالتقاء في البحر حسب إحداثيات متفق عليها بينهم.

ويتابع الراصد: “عادة بعد الاعتقال يحجزون القوارب لأسابيع، وقد وجدناهم في أحد الحوادث زرعوا أجهزة تنصت قبل ردها لصاحبها، وقد أخبرنا بعض الصيادين الذين عرضوا عليهم العمل أنهم يطلبون منهم مراقبة البحر ومحيطهم الاجتماعي لاستهداف المقاومة”.

ولا يخلو بحر غزة من محاولات تهريب السجائر وهياكل السيارات الواردة من مصر، فيما يبدي الاحتلال تخوفه من عمليات تهريب أسلحة ومواد قتالية لذا يحكم سيطرته على البحر بقوة هائلة.
 
وسجلت الحرب الأخيرة عمليات قصف واستهداف أتت من البحر استخدم فيها الاحتلال قذائف متطورة وصواريخ طالت منازل المواطنين وممتلكاتهم استشهد وأصيب فيها العشرات.
 
أما يوسف شرقاوي المحلل العسكري، فيؤكد أن الاحتلال أسس جهاز البحرية بعد نكبة 1948 وقد تركز عملها في البحر المتوسط وخليج العقبة حتى هدأت حروب “إسرائيل” مع العرب خاصة سوريا وحزب الله فانحصر معظم عملها مقابل غزة.
 
ويضيف: “بحرية الاحتلال الآن تركز على القصف البحري والسيطرة على المياه الإقليمية خشية تهريب سلاح ومحاصرة ميناء ومياه غزة بشكل كامل ولديه سلاح بحرية لابد من ردعه لان له ملاحقة يومية ضد الصيادين”.
 
وتمكنت كتائب القسام من تنفيذ عملية فدائية خلال الحرب استهدفت قاعدة “زكيم” قرب شاطئ عسقلان عبر وحدة “كوماندوز” بحري قتلت وأصابت فيها العشرات حسب رواية القسام قبل استشهاد بعض منفذي العملية.
 
تطوير سلاح البحرية الصهيونية هو هدف استراتيجي حسب رؤية المحلل شرقاوي ضد إيران وسوريا وغزة التي سجلت انتصاراً في الميدان لكن مقاومتها بحاجة لتطوير قدراتها.
 
ويتابع: “المقاومة بحاجة لتطوير وخبرة من ضباط مدفعية يسجلون إحداثيات البحرية بدقة لان أمامهم هدف نقطوي لابد من استهدافه بسلاح مباشر بعيد المدى، لأن “إسرائيل” جربت الإنزال البحري وفشلت”.
 
وعلاوة على الأخبار اليومية التي نسمع فيها إطلاق نار يومي من البحرية على الصيادين واعتقالهم، فإن هناك معركة مستقبلية قد تكون محطة الغاز المكتشف حديثاً والتي تضع “إسرائيل” يدها عليها أهم محطات المواجهة القادمة والتي تسعى المقاومة لإطالة نيرانها كي تصلها.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات