دبلوماسية التّذاكي

حينتصنف الدبلوماسيات بين خشنة وناعمة، ورشيقة وبطيئة الإيقاع واستباقية واستدراكية،يبقى ذلك النمط من الدبلوماسية المتذاكية، وهي بالتأكيد ليست ذكية، لأنها تعتمدعلى أحد أسلوبين وأحياناً على كليهما.. الأول التلاعب بالمفردات والمترادفات ظناًمن القائمين عليها أن هذا الطلاء البلاغي يغير دلالات الكلام أو يمرر ما يرادتمريره دون الوقوع في الجرح، والأسلوب الثاني قديم وتقليدي لكن ما طرأ عليه هوتوظيف التكنولوجيا. حيث يكون التلاعب بوسائل الاتصال، من خلال التصريح والتلميحوالحذف والإضافة، وإذا كانت الدبلوماسية الأمريكية قد وصفت خلال العقدين الماضيينبالخشنة فذلك لأن الولايات المتحدة عسكرتها، ليس فقط من خلال تولي جنرال لإدارتهاهو كولين باول، رغم أن الرجل استقال احتجاجاً على كونه قد خدع، بل بسبب الدور الذيلعبته كوندليزا رايس وهي أكاديمية وأستاذ علوم سياسية تخصصت في التفكيك منذ عملتمع جورج بوش الأب في المخابرات المركزية وبالتحديد في الدائرة المختصة بالاتحادالسوفييتي يومئذ.

كوندليزاظهرت ذات يوم في بغداد وهي ترتدي خوذة جندي أمريكي ولم تحجب ابتسامتها التي توحيبالطرافة الدلالة الرمزية للمشهد، لهذا رأى الكثير من المراقبين أن تلك الصورةليست سياحية بل هي تجسيد لما سمي عسكرة الدبلوماسية الأمريكية.

لكنلعبة التذاكي تولتها دبلوماسية تل أبيب على امتداد العقود الثلاثة الماضية سواء منحيث امتطاء الموجات المتصاعدة للحرب على الإرهاب أو ظهورها بمظهر التمدنالديمقراطي الذي يشن الحرب تلو الحرب دفاعاً عن الواحة الديمقراطية في صحراء الشرقالأوسط الديكتاتورية. وهذا الوصف بحد ذاته ضرب من التذاكي الذي لا يدوم طويلاً لأنالممارسات الفعلية للدولة العبرية كما قال عالم الكيمياء إسرائيل شاحاك تفضح كل مايدور وراء الكواليس.

الآننشهد عينات أخرى من الدبلوماسية المتذاكية لتل أبيب، فهي تحاول استثمار ما يجري فيالمنطقة بل في العالم لصالحها، وهذا ما أوضحه نتنياهو في كتابه “مكان تحتالشمس” حين قال إن واجب دولته أن تمارس مثل هذا الاستثمار للأزمات وأن تحولالضارة للعالم كله إلى نافعة لها وحدها!

والدبلوماسيةالتي لا تكف عن الثرثرة حول الإرهاب وعن دخولها في سباق ماراثوني لإحراز السبقودور البطولة أصبحت مكشوفة على الملأ، وأنهت الجرائم العسكرية صلاحية هذا التذاكيبحيث لم يعد ينطلي حتى على من يمارسونه وقد يكون هذا أحد أسباب خلافاتهم.

صحيفةالخليج الإماراتية