السبت 10/مايو/2025

هل فازت حماس؟

هل فازت حماس؟

لقد خَلَّفَت حرب هذا الصيف على غزة -والتي دامت 51 يوماً-أكثر من 2100 قتيل وما يزيد على 11 ألف جريح، فضلاً عن مساحات شاسعة من الخرابوالدمار والتي سوف تستغرق إعادة بنائها سنوات.

وبعد الحرب الإسرائيلية الثالثة على غزة في أقل من ستسنوات، يتساءل العديد من الفلسطينيين عن الغرض من الاستمرار في القتال، ويأملون فيالتوصل إلى حل لا يؤدي إلى زيادة معاناتهم. ولكن تُرى هل تستطيع حماس، وقد اكتسبتمكانة جديدة في طليعة السياسة الفلسطينية، أن تقدم مثل هذا الحل؟

قبل اندلاع الحرب الأخيرة كانت حماس معزولة سياسياً، فقدخسرت حلفاءها التقليديين في سوريا وإيران وحزب الله. وكان الضرر الأكبر الذي لحقبها ناجماً عن الإطاحة بحكومة الإخوان المسلمين وعلى رأسها الرئيس المصري السابقمحمد مرسي وبالتالي حرمانها من شريان الحياة من الإمدادات والأسلحة.

كان النظام العسكري في مصر بقيادة المشير عبد الفتاحالسيسي معادياً لحماس بلا شفقة، محملاً إياها المسؤولية عن القتال في سيناء بينالجيش وجماعات متمردة. حتى أن مصر شنت حملة لتدمير الأنفاق بين غزة وسيناء، والتيعزلت غزة تماماً.

وواجهت حماس أزمة متزايدة الشدة. ومع عجزها عن دفع رواتبأكثر من أربعين ألف موظف عام في غزة، بدأ الخناق يضيق على حماس من قِبَل السلطاتالإسرائيلية والفلسطينية. ولم تجلب حكومة الوحدة الوطنية التي أسستها مع السلطةالفلسطينية في يونيو/حزيران أي غوث.

وبعد أن لم يعد لديها ما تخسره قررت حماس أن جولة أخرىمن القتال مع “إسرائيل” هي الوسيلة الوحيدة لتحريك الأمور. وبرغمقدراتها العسكرية المتواضعة، تمكنت حماس من الصمود لمدة 51 يوماً وفي هذه العمليةوضعت نفسها في مركز السياسة الفلسطينية والإقليمية.

وعلى النقيض من هذا، فشلت “إسرائيل” في تحقيقأي من أهدافها، بدءاً باستعادة قدرة الردع. والواقع أن حماس استمرت برغم كل الجهودالتي بذلتها “إسرائيل” في إطلاق الصواريخ البعيدة المدى على مناطقرئيسية مأهولة بالسكان من حيفا في الشمال إلى عسقلان وديمونة في الجنوب، كما عبرتالخطوط الإسرائيلية بشكل متكرر باستخدام الأنفاق تحت الأرض.

وقد حطمت هذه الإنجازات صورة الجيش الإسرائيلي الذي لايُقهَر، وفضحت نقاط الضعف التي قد تحاول جماعات إسلامية راديكالية أخرى استخدامها.ولعل من غير المستغرب على هذه الخلفية أن تتمكن حماس من إرغام أغلب الإسرائيليينالذين يعيشون في المناطق المجاورة لقطاع غزة على الفرار، وأن يتهم العديد منالإسرائيليين حكومتهم بالفشل في حماية مواطنيها بالقدر الكافي.

باختصار، زعزعت الحرب في غزة الوضع الراهن. ولكنها لمتنجح رغم ذلك في جلب أي تقدم نحو حل القضايا المعلقة الكامنة وراء النزاع بين “إسرائيل”وحماس، أو تغيير الظروف التي حفزت الصراع الأخير في المقام الأول. فقد وافقت “إسرائيل”على شروط تشبه إلى حد كبير تلك التي أنهت الهجوم السابق على غزة في عام 2012، ولكنذلك الاتفاق لم يتم تنفيذه قط.

فالآن من المتوقع أن تعمل “إسرائيل” على سبيلالمثال على تخفيف الحصار الذي تضربه على غزة والسماح بنقل الإمدادات الإنسانيةومواد البناء. ولكن القضايا الأكثر تعقيداً، مثل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيينوإنشاء مطار وميناء بحري في غزة، سوف تترك لمناقشات الشهر المقبل. وليس هناك ما قديضمن استجابة “إسرائيل” لطلبات حماس من دون نزع سلاح غزة.

لقد أصبح الرهان بالنسبة لحماس مرتفعاً إلى حد غيرمسبوق. فمن خلال كسر العزلة السياسية المفروضة على غزة، عمل وقف إطلاق النار علىتغذية الأمل في تخفيف الحرمان الاقتصادي والمالي. ونظراً لدور حماس القيادي فسوفتُـحَمَّل المسؤولية ليس فقط عن نجاح إعادة بناء غزة، بل وأيضاً عن أي تأخير آخرللمصالحة الفلسطينية.

وتواجه حماس أيضاً الضغوط من المجتمع الدولي، الذي أصر-برغم دعمه لمطالب الفلسطينيين المتعلقة بإنهاء الحصار الذي تفرضه “إسرائيل”على غزة- على معالجة مخاوف “إسرائيل” الأمنية أيضاً.

وكما حَذَّر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون فإن”أي جهود تبذل لتحقيق السلام ولا تعالج الأسباب الجذرية للأزمة لن تسفر إلاعن تجهيز الساحة للدورة المقبلة من العنف”.

بعبارة أخرى، سوف يتطلب التوصل إلى اتفاق سلام دائمالتنازلات من الجانبين، ذلك النوع من التنازلات التي قاومتها حماس لفترة طويلة.ومن جانبه، يتعين على المجتمع الدولي أن يتبنى إشراك حماس في السعي إلى تحقيقالتسوية السلمية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

ذات يوم قال الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريز”إن التحدي الحقيقي يتمثل في تحويل أي أزمة، مهما بلغت ضخامتها، إلى فرصجديدة للعمل”. والآن حان الوقت لكي تدرك كافة الأطراف الفاعلة في الصراع بين “إسرائيل”وفلسطين ضرورة مواجهة هذا التحدي، واتخاذ خطوات راسخة وبنّاءة وخلاقة لجلب السلامإلى غزة أخيراً.

لقد أثبتت حماس قوتها الصامدة، وربما كان بوسعها بعدعقود من المواجهات والجمود أن تركز بدرجة أقل على بقائها وبدرجة أكبر على المساعدةفي تحقيق السلام العادل والدائم.

المصدر: بروجيكت سينديكيت

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات