الأحد 11/مايو/2025

عدوان غزة واتفاق المصالحة

عدوان غزة واتفاق المصالحة

لم يلبث صهيل معركة الاحتلال الإسرائيلي ضدّ قطاع غزة أنارتدّ خائباً في «بنك أهدافه»، خلا جرائم متراكمة بحق الشعب الفلسطيني، حتى علاصوت الانقسام مجدداً بين حركتي «فتح» و«حماس»، متجاوزاً ما تم توقعه مؤخراً نحو اجترارّمشاهد خلافية تشي عن وهن أسّ اتفاق المصالحة في تثبيت دعائم الوحدة الوطنية، وبناءقاعدة جمعية مضادّة لمساعي المحتل استلاب الأرض والتاريخ معاً.

وتنقل التجاذب الإعلامي الحادّ بين الطرفين، منذ حادثة«خطف» المستوطنين الثلاثة، في 12 تموز/ يوليو الماضي، وما تلاها من حيثيات عدوانالاحتلال في الضفة الغربية ومن ثم قطاع غزة، بين عناوين المسؤولية عن الاختطافوالورقة المصرية الأولى، وتالياً اتفاق «وقف إطلاق النار»، وتجاوزات كلا الحركتينضدّ الأخرى وشرعية عمل حكومة الوفاق في غزة، قبل أن تحط مفاعيلها عند قضية الرواتب،بدون أن تجدّ حلولاً حاسمة في خانة جهود إنهاء الانقسام.

ولأن عناوين الخلاف تخفي تغايراً بينياً حاداً؛ فقد طفحعلى السطح عند رفض «حماس» الورقة المصرية الأولى، لعدم تلبيتها شروط المقاومة فيوقف العدوان وفك الحصار وإعادة اعمار غزة، وشمولها فقط، بحسب الحركة، وقف إطلاقالنار مع ترحيل القضايا الأخرى، بدون ذكرها صراحة، للتفاوض في ما بعد، خلافاًللاتفاق اللاحق الذي تم التوصل إليه، بوساطة مصرية، وجاء وفق موقف فلسطيني موحدوانعكاساً لمعادلة المقاومة في الميدان ضدّ الاحتلال، بينما رأت «فتح» تماثلاً فيالاتفاقين، وانتقدت موقف «حماس» من رفض الأول والقبول بالآخر، بعد تكبيد الشعبالفلسطيني زهاء 2140 شهيداً و10 آلاف جريح و35 ألف منزل مدمر تدميراً كاملاً أوجزئياً، و360 ألف مشرد جراء العدوان.

وقد احتدمّ التلاسن الحادّ بين الطرفين لدى اتهام «فتح»حركة «حماس» باستهداف كوادرها في غزة خلال العدوان وتعريض حياتهم للخطر، مقابلاتهام «حماس» أجهزة أمن السلطة بالاعتداء على العشرات من مناصريها، خلال مهرجاناتنظمتها في الضفة الغربية احتفالاً بنصر غزة.

وبلغ الخلاف أشدّه عند اتهام السلطة لحركة «حماس» بعرقلةعمل حكومة الوفاق الوطني، التي تشكلت بعد مخاضّ عسير، في 2 حزيران/ يونيو الماضي،ومن ثم تأكيد الرئيس محمود عباس، في 6 أيلول/سبتمبر الحالي، «عدم قبول السلطة لأيشراكة مع «حماس» إذا لم تقبل الأخيرة بدولة فلسطينية واحدة وسلطة واحدة وقانونوسلاح واحد»، ما قابلته «حماس» بدعوتها إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة إزاء«فشل حكومة التوافق الحالية في معالجة الأزمات الداخلية»، وإصرارها على أن تكونطرفاً في عملية إعادة الاعمار وإدارة المعابر، وهو الأمر الذي ترفضه السلطةباعتباره جزءاً من مهام الحكومة.

وقد حضرت تجليات الخلاف، مؤخراً، في أزمة رواتب موظفيالحكومة المقالة في قطاع غزة، الذين عينتهم «حماس» سابقاً ويقدر عددهم بين 40 -50ألف موظف، والتي لم تهدأ حتى اليوم، إزاء إلقاء كل من الطرفين مسؤولية دفعها علىالآخر.

وإذا كانت فتح قد بادرت الى تشكيل لجنة خماسية للحوار مع«حماس» حول مختلف القضايا بهدف ترسيخ الوحدة الوطنية وإزالة العقبات أمام إنهاءالانقسام، وتثبيت أسّ الاتفاق الأحدث بين الطرفين، الذي جرى توقيعه في 23 نيسان/إبريل الماضي، بعدما اسّتل موقعه المغاير من مأزق الطرفين الحرجّ الذي قارب حدوداًغير مردودة، فإن التساؤل يدور حول مدى إمكانية تذليل مواطن خلاف أساسية أبعد ماتكون عن مجرد مسائل وقتية قد تجد تكييف منفذها في اتفاق آنيّ بين الطرفين، إذ تطلّقضية التنسيق الأمني بين أجهزة السلطة والاحتلال برأسها الثقيل على أفق الاتفاقالبينيّ، نظير انتقاد «حماس» لمضيّ السلطة في ما جرّه (التنسيق) من عذابات فلسطينيةوإضرار بالمصالحة، مقابل انتقاد ما تسبب في إيذاء الشعب الفلسطيني، واعتباره(التنسيق) «ليس عيباً، بل من مصلحة السلطة لحماية الشعب الفلسطيني»، بحسب كلمةالرئيس عباس أمام مجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي خلال اجتماعهم بجدة في18 يونيو الماضي، التي جاءت على خلفية التنسيق مع الاحتلال حول حادثة خطفالمستوطنين الثلاثة، قبيل إيجاد جثثهم.

وتبعاً لذلك؛ يكون التنسيق الأمني لأجهزة السلطة معالاحتلال مسألة بديهية وتحصيلاً لموقع السلطة من الرؤية الإسرائيلية باعتبارهاجزءاً من فرض الأمر الواقع الذي يحرص الاحتلال على ديمومته واستتباب مساره فيالأراضي المحتلة.

ولم يشفع الإدراك الفلسطيني لخطورة الأهداف الإسرائيليةالكامنة خلف التصعيد الأخير، في تشكيل حالة التفاف جمعي حول استراتيجية وطنيةموحدة لمواجهة عدوان الاحتلال وجرائمه المتواصلة ضدّ الشعب الفلسطيني، إزاء ما يعتقدهفعلاً بعيداً عن ضغط المساءلة نظير الانحياز الأمريكي المفتوح له، وانشغال الدولالعربية بقضاياها الداخلية والتفاعلات المصاحبة للأحداث والمتغيرات الجارية فيالمنطقة، منذ زهاء الأربع سنوات تقريباً.

ويستترّ وراء مصدر القلق الإسرائيلي من وحدة وطنيةفلسطينية من شأنها كسّر الأمر الواقع الحالي، وعرقلة مشروعه في الضفة الغربيةالمحتلة التي يريدها مقسّمة الأوصال بين «دولة»، زهاء 631 ألف مستوطن اليوم، يسعىإلى زيادتهم للمليون مستعمر خلال الأعوام القليلة القادمة، ضمن نحو 62٪ من مساحةالضفة في المناطق المسّماة «ج» والغنيّة بالإمكانيات الاستثمارية والاقتصاديةوالزراعية، إلى جانب حكم ذاتي فلسطيني، باسم سلطة أو حتى دولة، ضمن الأجزاءالمقطعة الخارجة عن يدّ الاحتلال، معنيّ بالشؤون المدنية والحياتية للسكان، خلاالسيادة والأمن الموكولتين للاحتلال، مقابل غزة معزولة بدولة ونظام مستقلين، وفقتحذير مسؤولين فلسطينيين، غداة قضمّ المساحة المخصصة لإقامة الدولة الفلسطينيةالمستقلة على حدود عام 1967، وإخراج القدس من مطلب التقسيم.

ويقف تباين البرنامج السياسي حجرّ عثرة أمام تنفيذ اتفاقالمصالحة عند الإيغال بعيداً في تطبيقات لجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير، التيتستهدف دخول حركتي «حماس» و»الجهاد الإسلامي» تحت مظلتها، إزاء استلال «حماس»للمقاومة المسلحة، وعدم الاعتراف بالكيان الصهيوني، وتحرير كامل فلسطين التاريخية،وسعيها لإيجاد برنامج وطني جامع، وفق أسّ المقاومة بشتى أشكالها، للمرحلة المقبلة،مقابل أخذ «فتح» بمسار التفاوض خياراً استراتيجياً أوحد، وبالمقاومة الشعبيةالسلمية فقط ضدّ عدوان الاحتلال.

وبينما تطالب «حماس» بإبقاء سلاح المقاومة دونما مساس،مع دمج أفراد الشرطة والأمن في قطاع غزة ضمن إطار الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة،إلا أن الأخيرة صرحت أكثر من مرّة بأن الدولة المنشودة ستكون منزوعة السلاح. ويدخلفي هذا السياق تباين منظور الحركتين حيال تفسير بنود اتفاق المصالحة، والمغزىالمستفاد من مضمونه، الذي قُدّر له التغلغــــل في مفاصل عمل الحكومة، وربما فيمسارها أيضاً، فيما ما يزال الخلاف يراوح مكانـــه حول طبيعة الحكومة نفسها؛فبينـــما ترى «فتح» أنها ستكون «ملتزمة بالـــتزامات السلطة والاتفاقيات الموقعّةوبالبرنامـــج السياسي الذي أقرته مؤسسات منظـــمة التحــرير»، ما يعني الالتزاماتالمبرمة مع الكيان الإسرائيلي والاعتراف به، فإن ذلك الأمر «مرفوض كلياً» بالنسبةإلى «حماس»، التي تجدّ في الحكومة «مرحلة انتقالية لأداء مهام معينة وفق سقف زمنيمتفق عليه مسبقاً»، بستة أشهر.

وفي المحصلة؛ فإذا كانت الهجمّة الإسرائيلية المحمّومةضدّ الشعب الفلسطيني تستهدف إعاقة المصالحة حدّ إفشالها، فإن حساب عنصر الزمن،الذي يعدّ عند كثيرين التحديّ الأكبر أمام إنجازها، قياساً بسقفه وديناميات سرعته،لا يستقيم، مهما طال أو قصر، مع ملفات داخلية شائكة تم

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....