الشهيد الجوراني.. صديق الفقراء ومحبّ الشهداء

يستحق الشهيد محمود الجوراني أن يتقلّد “وسام الشجاعة ونوط الواجب” ليس على جرأته فحسب، وإنما على سريّته النادرة ومواقفه الإنسانية التي رأت النور بعد رحيله عن الدنيا.
استشهد الجوراني (37 عاما) عندما قصفته طائرة بدون طيار قرب منزله وهو متوجه إلى صلاة العشاء في مسجد يافا بمدينة دير البلح قبيل انتهاء الحرب.
يعمل الجوراني مديراً لدائرة التخطيط والسياسات، ومشرفاً على المنظمات الأهلية بوزارة الزراعة، وقد أثّر رحيله على كافة الموظفين بالوزارة وأهالي الحي الذي يسكنه بدير البلح.
بيت الشهيد
في الطريق إلى منزله فضل شقيق الشهيد زياد اصطحابي إلى مكان القصف، كانت شظايا صاروخ الطائرة لازالت واضحة في الطريق وعلى الجدار الذي مشى بجانبه الشهيد، وقد تبرّع أحدهم حديثاً لسدّ ثقب كبير أصاب “الأسفلت”.
هناك عاجلته الطائرة بصاروخ فسقط مصاباً في بطنه وبتر في ساقيه فرآه اثنان من الجيران كانا مثله في طريقهما للمسجد القريب وسمعاه بوضوح يردد الشهادتين 3 مرات قبل لفظ أنفاسه الأخيرة .
عربته المتوقفة قرب جدار البيت من المقرر أن تباع قريباً فنظرات الوالدين والزوجة لها تثير شجوناً وتحرّض على البكاء والحزن كلما صافحتها أعينهم-كما يقول زياد.
على فوهة البيت تجمعت عائلته لسرد حكاية محمود التي لا تنتهي عن مقابلة صحفية يحوم خلالها الصغار عاجزين عن التعبير أو الإدلاء بشيء واضح عن والدهم .
ترك محمود خلفه 5 أطفال هم “لوزان (12سنة) ومهند (11سنة) ومحمد (9 سنوات) ولانا (5 سنوات) وحلا (3 سنوات) تقرع أسماعهم كل يوم مواقف عن والدهم مع الفقراء والمحتاجين الذي داوم على معاونتهم بصمت .
تبدو أمه مرتبكة قبل اختيار نقطة البدء في الحديث فتفضل التلميح لحنانه وبرّه بها وملاطفته لصغار العائلة كلما ولج لزيارتها وانطلقت مع وصوله جلبة الاحتفاء اليومي بصغار البيت من أبناء أشقائه.
وتضيف: “يقبل يدي أول ما يصل ويقول دائماً ادعيلي استشهد، أقول له وأولادك ؟! يرد الشهادة فش بعدها.. في رحلة العمرة الأخيرة سمعه صديقه يدعو قرب الكعبة، يا رب استشهد .. اللهم اربط على قلب والدي عندما استشهد” .
تحتضن زوجة محمود طفلتها حلا، مسترجعة (13عاما) عندما تقدم لخطبتها فوافقت متمنية أن تجد ما تتمنى في شخصه فلم تجد سوى الحبّ والتديّن والاحترام والبرّ والهدوء.
وتضيف: “بطبعه مشغول، لكن عندما يكون معنا يعوضنا عن فترات غيابه.. متأثر جداً بشخصية حسن البنا ومكتبته مليئة بكتبه، لا يحب مهادنة العدو ويعتقد بضرورة مقاومتهم بقوة وآخر أيامه في الحرب كان حديثه فقط ..يا رب استشهد وإذا شهدت النصر أخرج بسيارتي وأوزع الحلوى على الناس” .
صديق الشهداء
أنّب محمود نفسه ولامها علانية أمام زوجته وكامل عائلته كلما تلقى نبأ استشهاد أحد أصدقائه في الحرب وأكثرها الشهيد المهندس سليمان بركة قائلاً: “هو صادق أكثر منّي لذلك اختاره الله شهيد !” .
حتى اليوم يبدي الناس من الأقارب والجيران استغرابهم من سريّته في العمل المقاوم فهو رغم مهمته كقائد ميداني كما وصفته كتائب القسام لم يعرف أحد من محيطه العائلي أو الاجتماعي بدوره الفعّال .
قبل استشهاده بيوم رأت زوجه رؤيا أنها سكبت جرّة ماء عن آخرها، لكنه لم يعلق على الرؤيا التي أولها البعض بأنها انتهاء العمر واكتفي بالتعليق: “إذا استشهدت كوني على قدر المسؤولية” .
كعادته انطلق لصلاة العشاء، وفي الطريق قرب أشجار الزيتون قصفته طائرة بدون طيّار فأصابته شظايا قاتلة في بطنه وأطرافه.
عن ذلك تضيف زوجته: “سمعت الانفجار وشعرت أن الإصابة في بطني حتى ابني مهنّد سقط وهو يصلي وجاءني يقول هل شعرت بشيء يا أمي ؟! وعندما أقام المؤذن الصلاة بصوت مرتجف ازداد خوفي”.
بدأت الاتصالات تنهمر على هاتفي النقال وهاتفه للسؤال عن محمود وبدأ الأصدقاء والأقارب يمهّدون للخبر أنه مصاب بينما كان شقيقه أحمد مسرعاً في طريقه للمستشفى .
عندما تأكد النبأ بكت الأم وبكى الأطفال الخمسة بحرّقة شديدة حسب ما تؤكد والدة محمود خاصةً الطفلان “مهند ومحمد” اللذان تلقيا الخبر مع أمهم في ذات الوقت .
في كل يوم ترد الحكايات لأسرة محمود عن مواقفه مع الفقراء والضعفاء الذين كان يصطحبهم معه في سيارته ويزورهم في مدينة ومخيم دير البلح.
حتى روّاد مكتبه بوزارة الزراعة من كبار السن والفقراء لم يكن يسمح بجلوسهم في قاعة الانتظار بل يفضل استقبالهم في حجرة مكتبه الخاصة مباشرة .
اليوم تراجع زوجة محمود طباعه في آخر أيامه فتلمح وداعه غير المعلن وهو دائم الهدوء لا يتكلم سوى عن الشهادة، وهو الذي أصر على زيارة كافة أرحامه في العيد رغم الحرب برفقتها وأوصاها بالحفاظ على 500$ لأضحية عيد الأضحى الذي كان لازال بعيداً.
ناشط اجتماعي
أول ما علم زياد بوفاة خاله قبل أسبوع جال على خاطره محمود الذي كان المبادر لكافة المناسبات الاجتماعية فهو دائم الحركة بسيارته لتأدية الواجب ومساعدة الضعفاء من كبار السن حتى من المارّة في الشارع .
ويضيف زياد: “محمود مرح جداً غيابه أشعر به يومياً خاصة ضحكته ومرافقته لنا في الزيارات .. إذا أخبرته بوضع مادي لصعب لأحد ما أجده بصمت ساعده ولا أعرف سوى من شكر الناس لي حين يدعو له أمامي”.
بالنسبة لشقيق الشهيد أحمد الذي يكبره بعامين فقد كان دائماً يغبطه على حكمته وهدوئه وبرّ الوالدين الذي يدفعه دائماً لتقبيل أيدي وأرجل والديه .
في آخر ليلة من حياته أصرّ على قيام الليل والصلاة بأصدقائه ولم يتركهم إلا بعد أن دعا دعاء المودع باكياً وهو يكرر “اللهم ارزقني الشهادة في سبيلك” حتى بكى.
قبل استشهاده أخبره أحد أصدقائه أنه رأى فيه رؤيا بأن محمود تقلّد منصباً رفيعاً لم يعرف ماهيته، وقد ترك محمود التعليق على كافة القصص التي عاشها والحكايات مكتفية بالصمت والدعوة بالشهادة .
ويتابع أحمد: “هناك لحظات لن تفارق خيالي عندما وصلت للمستشفى ووجدته أمام ثلاجة الموتى كأنه يتمنى أن يصل أحد من أهله ويراه ..وعندما لحدته في القبر تبسم وكشف عن أسنانه بوضوح !” .
يراقب مهند ومحمد..حديث عمهم أحمد عاجزين عن المشاركة بينما أسلمت شقيقتهم حلا 3 سنوات نفسها للنوم في حضن والدتها التي بدت متماسكة طوال الجلسة .
يبدي محمد جرأة في الحديث بعد أن عجز شقيقه مهنّد عن الكلام عن والده المغادر من قريب فيقول: “أحب فلسطين وأريد أن أحمي الوطن وأسير على طريق أبي”.
وتفتقد أسرة الجوراني الشهيد محمود في كل يوم فقد غابت ضحكاته عن البيت واختفت كلماته وهو يداعب الصغار والكبار بينما لم تلق في رؤوس أسرته سوى طلبه المتكرر طوال الحرب ” أدعو الله لي أن استشهد”.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الجهاد: لن نطلق سراح أسرى الاحتلال ما لم تتوقف الحرب
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، إن المقاومة الفلسطينية لن تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين ما...

قيادي في حماس: مفاوضات متقدمة مباشرة بين الحركة والإدارة الأميركية
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام كشف قيادي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن مفاوضات متقدمة مباشرة تجري بين الحركة والإدارة الأميركية حول وقف إطلاق...

أهالي طلاب مدرسة بنات القدس يحتجون على إغلاقها من الاحتلال
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام احتج أهالي مدرسة بنات القدس، يوم الأحد، على إغلاق قوات الاحتلال مدرستهم التابعة لوكالة الغوث وتشغيل...

مركز حقوقي: فظائع سديه تيمان تستوجب محاكمة قادة الاحتلال كمجرمي حرب
بيروت- المركز الفلسطيني للإعلام أكد مركز فلسطين لدراسات الأسرى (مستقل) أن "ما كشفته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن الانتهاكات الصادمة التي تُرتكب في...

الصحة بغزة: 19 شهيدا و 81 إصابة وصلوا المستشفيات خلال 24 ساعة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة وصول مستشفيات قطاع غزة 19 شهيدا، و 81 إصابة خلال 24 ساعة الماضية....

المقاومة توقع قوة إسرائيلية بكمين في حي الشجاعية
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، تنفيذ عملية مركبة في حي الشجاعية بمدينة غزة، أمس السبت، أسفرت...

الاحتلال يقتحم مجمع المدارس في حلحول ويشدد إجراءاته العسكرية في الأغوار
الخليل - المركز الفلسطيني للإعلام أصيب عدد من الطلبة بالاختناق، اليوم الأحد، جراء اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي منطقة مجمع المدارس في بلدة حلحول...