الثلاثاء 13/مايو/2025

الجنود المجهولون

الجنود المجهولون

ففي زمن اختلاط المشهد الإعلامي، الزمن الذي يُطلق عليهالبعض «الفوضى والدهشة» وصدمة المستقبل في عصر السرعة، تعاظم دور الإعلام المرئيوالمسموع والمكتوب. فالإعلام المرئي بات يتصدر المشهد حيث تشير المعلومات الموثقةبأن ثمة (13) ألف قناة فضائية في العالم، منها (7500) قناة مشفرة و (5500) مجانية.وفي منطقة الشرق الأوسط لوحدها، ثمة (696) قناة تبث من (17) قمراً صناعياً،يشاهدها أكثر من (150) مليون مشاهد للقنوات المفتوحة، بينما (42) مليون للمشفرةمنها.

وعلى ضوء تلك المعطيات المتعلقة بعدد قنوات البث المسلطةعلى المنطقة، لا يمكن الاستهانة بمدى فاعلية الإعلام بشكلٍ عام، وإعلام الصورةالمنقولة عبر الفضائيات وتأثيرها الواضح على أفكار واتجاهات وسلوك الناس ومن تابعمدى تغير الرأي العام منذ بداية البث الفضائي بدايات تسعينيات القرن الماضي وإلى اليوم،لا بد أنه لاحظ مدى قدرة الفضائيات الموجهة على التأثير.

لقد شَكّلَ الإعلام الفلسطيني وبعض الإعلام العربيوالأجنبي، حضوراً مُتميزاً في محنة العدوان «الإسرائيلي» الأخير على قطاع غزة،وقدم العديد من الضحايا من الشهداء والجرحى، كان آخرهم الشهيد الصحفي الفلسطينيعلي أبو عفش من وكالة الصحافة الفرنسية، والصحفي الإيطالي كاميلي سيمون من (وكالةالأسوشيتد برس) الأميركية، واللذان أستشهدا في الأيام الأخيرة من العدوان«الإسرائيلي» اثناء تواجدهما في مكان انفجار صاروخ من مخلفات الإحتلال«الإسرائيلي» في بيت لاهيا شمال القطاع. خلال تأديتهما واجبهما الصحفي. إضافة الىاصابة الصحفي الفلسطيني حاتم موسى مصور وكالة الاشيوتدبرس الأميركية بإصابة خطيرة.فضلاً عن الاستهداف المباشر لمركز الإذاعات المحلية في القطاع ومكاتب مراسليالقنوات الفضائية العربية والعالمية…الخ. وكان قد سبق شهداء العدوان الأخير منالإعلاميين، شهيد الصحافة والإعلام في قطاع غزة، مصور وكالة رويترز الشهيد فضلشناعة، والذي أُصيب معه الصحفية وفاء أبو مزيد والصحفي أشرف عمارة في العدوان«الإسرائيلي» على القطاع (عملية الرصاص المسكوب) نهاية العام 2008.

وهنا لاننسى أن هناك أعداداً واسعة من صحفيي وكتابفلسطين دخلوا سجون ومعتقلات الاحتلال، فالآن يوجد في معتقلات الاحتلال الصحفيمحمود موسى عيسى، والصحفي صلاح عواد، والصحفي عنان سمير عجاوي والصحفي بكر محمدالعتيلي، والصحفي أحمد الصيفي، والإعلامي مراد محمد أبو البهاء، والناشط الإعلاميثامر سباعنة، والصحفي والكاتب وليد خالد، والصحفي محمد أنور منى من مدينة نابلس،والصحفي والإعلامي عزيز كايد….والقائمة تطول.

وفي العودة للوراء قليلاً، كان للعمل الدعوي والإعلاميأهمية كبيرة في مسار العمل الوطني الفلسطيني. ومنذ البداية اهتمت عموم القوىالفلسطينية بهذا الجانب، إهتماماً ملحوظاً ومميزاً، حيث أدركت أن العمليةالإعلامية لاتقل أهميةً عن دور البندقية في ساحة المواجهة المباشرة مع قواتالاحتلال، وذلك منذ أن أصدرت حركة فتح مع بدايات تَشَكُّل نواتها القيادية الأولىمجلة (فلسطيننا ــ نداء الحياة) التي صدر العدد الأول منها في أكتوبر 1959 فيبيروت، ورئيس تحريرها الصحفي اللبناني المقاصدي توفيق حوري، هاني فاخوري، والفنانالتشكيلي الفلسطيني المرحوم إسماعيل شموط. وتبع ذلك صدور العديد من المطبوعاتالفلسطينية التي مازال بعضها يصدر حتى الآن بانتظام، ومنها مجلة الهدف التي أسسهاالشهيد غسان كنفاني، ورئيس تحريرها بعد إستشهادة بسام أبو شريف، ومجلة الحرية،ومجلة الى الأمام التي رأس تحريرها الإعلامي الفلسطيني الراحل فضل شرورو. ومجلةنضال الشعب، ومجلة الثائر العربي، ومجلة الطلائع. ومجلة الأفق…

وفي بدايات المرحلة اللبنانية من العمل الفلسطيني،وتحديداً في الثامن والعشرين من ابريل العام 1972 صدر العدد الأول من مجلة (فلسطينالثورة) التي باتت المجلة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتي رأس تحريرهافي البداية الشاعر الشهيد كمال ناصر، وقد خَرّجت مئات الأقلام الفلسطينيةوالعربية. وكتب على صفحاتها كبار الكُتاب والشعراء في العالم العربي، كان فيمقدمتهم الراحل محمود درويش بمقاله النثري (السياسي/الأدبي) الأسبوعي والذي استمربكتابته الى حين الخروج الفلسطيني المسلح من لبنان نهاية صيف العام 1982، والراحلسميح القاسم، وأخرين من إعلاميي العالم العربي. وتزامن صدور العدد الأول من مجلةفلسطين الثورة في بيروت مع إنشاء وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، التي باشرتعملها في الخامس من يونيو1972، ومع بث الإذاعة الفلسطينية أول برامجها من القاهرة.

أما في الحقبة الأخيرة، فقد طرأ تحول جديد في مسيرةالإعلام الفلسطيني، مع ظهور حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وبروز الأدوات والوسائلالإعلامية التي كان منها على الأخص عدة قنوات فضائية هي قناة القدس، وقناة الأقصى،وقناة فلسطين اليوم.

وبالرغم من كل المثالب التي قد يسجلها البعض على مسيرةالإعلام الفلسطيني منذ الإنطلاقة المعاصرة للثورة الفلسطينية، إلا أن هذا الإعلاملعب دوراً كبيراً في مسار العملية الوطنية المتكاملة، وأنتج مئات الكفاءات العاملةبهذا المجال. كما سقط في مسيرته عدد كبير من الشهداء، كان منهم الشهيد غسانكنفاني، ومسؤول الإعلامي الفلسطيني الموحد ماجد أبو شرار، والشهيد حنا مقبل.وشهداء عملية تفجير مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية في بيروت، حيثسقط العديد من الشهداء، كان منهم الكاتبة والباحثة (حنه شاهين) زوجة الباحثالفلسطيني المعروف صبري جريس المتخصص بتاريخ الصهيونية. كما سقط العديد من الشهداءمن محرري وكتاب مجلة فلسطين الثورة كالشهيد طلال رحمه، والشهيد رشاد عبد الحافظ،والشهيد عادل وصفي (خالد العراقي)، ومحجوب عمر، ونايف شبلاق، وإبراهيمعامر…وغيرهم. والشهيد ناجي العلي، وشهداء مؤسسة السينما وعلى رأسهم المصور الأولفي مسيرة الثورة الفلسطينية المعاصرة الشهيد المقدسي المُبدع هاني جوهرية الذيأستشهد أثناء تصويره لمعارك جبل لبنان عام 1976، ومن بعده الشهيدان إبراهيم مصطفىناصر (مطيع)، وعمر المختار (توفيق)، اللذين أستشهدا أثناء تصوير معارك إجتياح مارسعام 1978 جنوب لبنان.

تاريخ الإعلام الفلسطيني قبل النكبة وبعدها، تاريخ ناصع،لايقل أهمية ودوراً عن الكفاح المسلح الذي خاضته الثورة الفلسطينية المعاصرة.فرواده وعاملوه هم جيش الجنود المجهولين.

صحيفة الوطن القطرية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات