حين ينكأ الفلسطيني جرحه!

الجرح الفلسطيني عميق وغائر ومزمن، وهو إذ لا يتوقفنزفًا لما قارب قرنًا نكبويًّا مريرًا، فإن جبهة ناكئيه متعددة وواسعة، كما تظلأطرافها المجتهدة والمتعاضدة في إدامة نكئه وإطالة نزفه. هذه الجبهة معروفة، وإذاكان لا بد من الإشارة السريعة إليها، فهي، إلى جانب الغزاة الصهاينة الغاصبينلفلسطين وناكبيها، صانعهم وظهيرهم وراعيهم الغرب، على اختلاف أطرافه وتلاوينهومتواتر حقبه، والمختصر راهنًا في الولايات المتحدة الأميركية وكافة ملحقاتهاالكونية، بما فيها كافة أشكال ودرجات امتدادات هذا الغرب في كل من شقي ذيليتهالعربية، الرسمية التابعة والنخبوية المستلبة، كما لا حاجة للقول بأن لهذه الجبهةأيضًا ما يردفها ويرفدها موضوعيًّا، وهو وبيل العجز العربي المديد، ودائماللامبالاة الدولية المتواطئة.
لكن ما قد يكون الأشد إيلامًا والموجع أكثر للفلسطينيين،وخصوصًا في هذه الأيام التي لم تبرد فيها بعد جراحهم في غزة، والتي لا تكاد تخرجبعد من تحت ركامها المدمَّر، هو توفُّر الناكئ الفلسطيني للجرح الفلسطيني! مبرراستذكارنا لهذا هو ما يعم من راهن إحساس شعبي عام بالمرارة لدى قطاعات واسعة منالفلسطينيين، جوهره أن كل ما واجهه هذا الشعب الاستشهادي المضحي من ويلات في آخرالمحارق المدارة ضده، أو آخر حلقات مسلسل الحروب الإبادية المستمرة عليه، قد تهونإيلامًا ووجعًا عنده مقارنةً بما يلحقه به بائس هذا التراشق الإعلامي المعيبواللامسؤول والآخذ في التصاعد هذه الأيام بين رام الله وغزة، والذي أقل ما يمكنالقول فيه هو إنه قد أنغص على هذا الشعب اعتداده بصموده الأسطوري واستبشارهبمنجزات دمه المقاوم الإعجازية المنتصرة بإفشالها لكافة استهدافات هذه الحربالعدوانية الوحشية وإجبارها لعجلة دورانها الطاحنة المنفلتة على التوقف ولو إلىحين، كما أن من شأنه أن وجَّه طعناته المحبطة للآمال الواثقة باقتراب نهايةالحصار، والتي كانت قد تعززت بما بدا من وحدة الحد الأدنى على مطالب الحد الأدنىلدى الوفد الفلسطيني المشترك في مفاوضات القاهرة، ناهيك عن ما يلحقه مثل هذاالتراشق من أذى بأحلامه التحريرية التي انتعشت إثر تحقيقه ما قدم من أجله أبهظالأثمان وبذل من أجله أجل التضحيات.
نعم، إنه إلى جانب صغائر المماحكات الفصائلية وبائسحساباتها الفئوية الضيقة المعتادة، والغياب المعروف للإجماع الوطني على برنامجالحد الأدنى لإداره الصراع، إلى جانب محاولة البعض الجمع بين نقيضين هما السلطة فيظل الاحتلال ومقاومته في آن، هناك أيضًا من الأسباب الموضوعية ما لا يمكن تجاهلهأو القفز عنه، ومنه استحالة التقاء ما يفترض أنهما تياران نقيضان، واحدهما مساومأحرق سفنه وذهب بعيدًا بحيث لا من قدرة ولا من رغبة لديه للعودة عما هو فيه،والآخر يرفع شعار المقاومة ويمارسها، لكن، وعلى الرغم من هذا، فليس هناك من مبررلمثل هذا التراشق الإعلامي البغيض الذي أقل ما يقال فيه إنه لا يليق، بل ومشين، أنيأتي، وبهذه السرعة، عقب ما عرفته هذه الساحة من جليل كل هذه المآثر والبطولات الأسطوريةالتي خصتها به فرادة ملحمة غزة النضالية الإعجازية… وحتى لا نزيد من نكء الجرح،وإذ لا نرغب في الخوض أكثر في تفاصيل مجها الفلسطينيون وكرهوها، نكتفي بالتوقفأمام مقولتين رددهما الأوسلويون بالذات عندما بدأوا في افتتاح بازار المماحكاتناكئة الجراح مؤخرًا، وهما، “الشرعية”، وما وصفوه بـ”قرار السلموالحرب”… ولنأخذهما بالتتالي:
كنا نظن، ويبدو الآن ما يثبت خطأ ظننا، أنه لم يعد هناكفي الساحة الفلسطينية من يجرؤ على المحاججة بالشرعية واللا شرعية، بمفهومها الدارجأو المتعارف عليه… لماذا؟! ذلك لأن هذه الساحة تاريخيًّا لم تعرف إلا شرعية واحدةهي شرعية الثورة، والتي تمثلت في حينه في منظمة التحرير، لكونها كانت آنذاك منجزًاوإطارًا نضاليًّا جامعًا، لكن شرعيتها هذه انتهكت وصودرت عندما تم العبث الأوسلويبميثاقها الوطني، إلى جانب أن الدهر قد أكل وشرب على مجلسها الوطني المعين، والذيمنذ عقود أحالته الأوسلوية بمن بقي من أعضائه حيًّا يرزق إلى التقاعد بعد أن تهالكوتهالكوا دونما تجديد مع السنين، واكتفت بالاحتفاظ بجدث المنظمة كشاهد زور، أوللبصم على ما قد تتوصل إليه من تسويات تصفوية للقضية مع العدو. أما مجلس تشريعيأوسلوستان نفسها، على لا شرعيته أصلًا، باعتباره منتجًا لمسار تنازلي غير شرعيبمجمله وتحت احتلال، فحتى لو تجاوزنا هذا، فهو لا يمثل كل الشعب الفلسطيني وطنًاوشتاتًا بل جزء منه قد لا يتجاوز ثلثه، ثم إنه وضع بدوره أيضًا على الرف، إلى جانبكونه قد انتهى أيضًا بالتقادم، واستطرادًا، فرئيس السلطة بلا سلطة وتحت احتلال،والذي وحده يجمع في يديه كل هذه “الشرعيات”، قد انتهت ولايته منذ زمنونسي الأمر، ومن الطريف أنه لم يجد من يذكِّره بهذا سوى ليبرمان، ليس حرصًا علىالشرعية الفلسطينية طبعًا، وإنما في سياق جاري المناكفات الصهيونية الداخليةالمستعرة بعد فشل استهدافات الحرب على غزة، حين عيَّره، قبل أيام، بـ”أنه لاشرعية له، وهو ليس مفوَّضًا بالتوقيع على أي اتفاق باسم الفلسطينيين، لأن ولايتهانتهت”!
… والآن وإذ لم يتبق في الساحة الفلسطينية إلا شرعيةواحدة كفلتها لها كافة الشرائع السماوية والأرضية وكل القوانين والمواثيق والأعرافالكونية، ألا وهي شرعية المقاومة، أوليس لهذه وحدها، وفي وطن محتل من نهره إلىبحره، حق ما يدعى بقرار الحرب والسلم، أو هذا الذي لا يعني فلسطينياً سوى حقالمقاومة… المقاومة حتى التحرير والعودة؟؟!!
كاتب فلسطيني
صحيفة الوطن العمانية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

تحذير أمني من تكرار جيش الاحتلال الاتصال بأهالي غزة وجمع معلومات عنهم
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت منصة أمن المقاومة (الحارس)، الأحد، من تكرار جيش الاحتلال أسلوبا خداعيا عبر الاتصال على المواطنين من أرقام تُظهر...

الزغاري: نرفض المساس بحقوق أسرانا وعائلاتهم
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس جمعية "نادي الأسير الفلسطيني" الحقوقية، عبد الله الزغاري، إنّ صون كرامة أسرانا وحقوق عائلاتهم يشكّل...

الأورومتوسطي: حديث نتنياهو عن مواصلة هدم بيوت غزة نسخة معاصرة للتطهير العرقي
جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن حديث رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، عن أن "إسرائيل ستواصل تدمير بيوت...

حماس تعلن نيتها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي مزدوج الجنسية الأميركية عيدان ألكسندر
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حركة "حماس" في غزة، رئيس الوفد المفاوض، خليل الحية، الأحد، إنه "في إطار الجهود التي يبذلها الإخوة الوسطاء...

البرلمان العربي يدعو لتأمين ممرات إنسانية عاجلة إلى غزة
القاهرة – المركز الفلسطيني للإعلام وجه البرلمان العربي رسائل عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمديرة...

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....

الجهاد: لن نطلق سراح أسرى الاحتلال ما لم تتوقف الحرب
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، إن المقاومة الفلسطينية لن تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين ما...