عاجل

الإثنين 12/مايو/2025

الإرهاب وموعظة نتنياهو

الإرهاب وموعظة نتنياهو

بينما كانت أصوات كثيرة من مشارق الأرض ومغاربها، تطالبالأمم المتحدة بالتحقيق في الجرائم التي اقترفتها “إسرائيل” أثناءعدوانها الفاشي لخمسين يوماً على غزة، وفيما راحت المنظمة الدولية تتهيأ للاستجابةلهذا النداء الحقوقي الضاغط، سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى لفتالأنظار نحو اتجاه مغاير تماماً.

ففي حديث له مع أعضاء من الكونغرس الأميركي، كانوايزورون “إسرائيل” غداة وقف إطلاق النار على غزة، قال نتنياهو إن علىالأمم المتحدة أن تركز اهتمامها على محاربة التطرف الإسلامي، بدلاً من مهاجمةبلاده بشكل تلقائي.

وجهة نظر نتنياهو هي أن الأمم المتحدة، ومن ورائهاالعالم برمته، عليها مطاردة الجماعات الارهابية الإسلامية، لأنها «تنتهك كلالمعايير والقوانين والأعراف، وتهدد المجتمعات والحضارات..».

بمثل هذا الطرح وملابساته، يمارس نتنياهو ما يعرف بعقدةالإسقاط.. فهو يلقي على «الجماعات الإسلامية المتطرفة» المواصفات ذاتها التي باتتمعلومة بالبداهة عن دولته.

ولأن نتنياهو ضليع في مجالات الإعلام والدعاية والعلاقاتالعامة على الطريقة الغوبلزية، فلا بد أنه يدرك المغزى النفسي لما يفعله عن قصدوتعمد.

في اللحظة ذاتها التي كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يشنفأسماع ضيوفه الأميركيين بموعظته وحديثه الدعائي الفج، كان بيير كراهينبول المفوضالعام لوكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين (أونروا)، يصف في سويسرا حجم المأساةالانسانية التي خلفتها الآلة الحربية الاسرائيلية في غزة، مشيرا إلى «تدمير عشرينألف منزل على الأقل، وسحق البنية التحتية على نحو لم يسبق له مثيل، واصابة ثلاثةآلاف طفل بجروح؛ وسيعاني ألف منهم من إعاقات مدى الحياة.

هذا فضلاً عن حاجة مئات آلاف الأطفال للعلاج من الصدمةالعنيفة، ووجود أكثر من خمسين ألف مشرد يعيشون في مدارس الأونروا، ينبغي توفيرمساكن بديلة لهم، ونحن على مشارف عام دراسي جديد..».

ومن الواضح أن المفوض الدولي حدد سقفاً منخفضاً لشهادته،فهي تناولت فقط ما يتعلق بالأضرار الأقرب إلى مهمة وكالته. ومع تمتعه بالكياسةوالتحفظ، فإنه قدم صورة مروعة ومثيرة للاشمئزاز..

فكيف إذا استطردنا إلى بقية الجرائم التي ارتكبها هؤلاء،في حق البشر والشجر والحجر وكل شيء حي متحرك أو ساكن في غزة؟ على سبيل القياسالموحى، فإن إيقاع الحملة العسكرية الاسرائيلية المسعورة لنحو 14 ألف قتيل وجريحمن أهل غزة؛ الذين لا يزيد عددهم عن 18 مليون نسمة، يعادل بالتقريب سقوط 8 ملايينبالنسبة لعدد سكان الصين و15 مليون بالنسبة للولايات المتحدة، وأكثر بقليل منمليون بالنسبة لروسيا و420 ألفاً بالنسبة لبريطانيا، ومثلهم بالنسبة لفرنسا. هذهخسائر لا تنجم سوى عن حرب ضروس بين قوى كبرى، ولا تحتملها إلا طاقة قوى كبرى.

ومع ذلك لا يتورع نتنياهو عن ادعاء الغيرة على القانونوالإنسانية والحضارة، ويحاول أن يسوق الدنيا كلها لمحاربة المتطرفين «الإسلاميين».

واللافت أن الأداء البغيض والمدان لبعض هذه الجماعات،ولا سيما في العراق وسوريا، قد سمح بتوفير الشواهد والأمثلة التي ربما ساعدتنتنياهو ونخب الدعاية الصهيونية على تمرير مقولاتهم لدى أقوام بعينها.

ومن ذلك أن النواب الأميركيين الذين خاطبهم نتنياهوبمزاعمه، أيدوا دعوته وتعاطفوا معها. وجدد أحدهم (دورا باتشر من الجمهوريين) ثقتهفي الاعتقاد القديم، والسخيف أيضاً، القائل بأن «إسرائيل هي قوة الاستقرار الوحيدةفي منطقة مغمورة بالاستبداد والظلم والعصابات التي تهدد السلام العالمي».. وهذاغاية المراد من المنطق الدعائي الصهيوني.

في غمرة هذا الخلط للأوراق والقضايا بغير حساب أو تدبرعميق، لا يفطن كثيرون إلى أن الخطأ الذي تقوم به جماعات التطرف إياها، لا يبررالخطايا التي تضطلع بها “إسرائيل” الدولة. وليس من العقلانية في شيء أنيسفه أحد خلقاً أو تصرفاً منحطاً، ويأتي مثله! هذا أمر ينبغي إيضاحه على أوسعنطاق.

ولا يقل عن ذلك أهمية وضرورة، استجلاء الصلة بين إرهابالدولة الصهيونية، بما في ذلك احتلالها المديد لأراضي الفلسطينيين واستباحة دمائهموأرواحهم ومقدساتهم.. وبين نشوء هذه الجماعات وانتشارها واستقطابها لبعض الأفئدة.

الشاهد في كل حال، أن الكثيرين يخطئون حين يعالجون هذينالنمطين من الارهاب، فيما هناك علاقة عضوية بينهما، تكاد ترقى إلى علاقة السبببالنتيجة أو العلة بالمعلول.

صحيفة البيان الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات