الأحد 11/مايو/2025

العرب ضحية لعبة الأمم

العرب ضحية لعبة الأمم

فماذا تغير اليوم ونحن نرى الآلاف من الفلسطينيين يسقطونشهداء تحت القصف الأعمى، ونرى آلاف الضحايا العرب يسقطون تحت رصاص الجماعاتالعنيفة أو الضالة ثم نجد أن لعبة الأمم الصليبية الجديدة تناور حتى يطلب بعضالعرب تدخلها العسكري وقد طلبوا ليستقر الاستيطان الصليبي المعاد إنتاجه مطمئناًهذه المرة بأن المسلمين في قبضته وتحت سيطرته بخيراته وطاقاته وعقوله.

نتأكد يوماً بعد يوم وباليقين أن العرب سيكونون قريباًالضحايا الأفضل للعبة الأمم ويكفي أن تفتح أمامك يا قارئي العزيز خريطة الكرةالأرضية ونحن في نهايات صيف 2014 لتدرك بيسر أن أمم الدنيا كلها تتكتل وتتجمع،بينما تتهافت هذه الأمم الموحدة وتتداعى إلى قصعة الأمة الإسلامية وإلى قلبهاالتاريخي العربي وصاحب لغة القرآن الكريم لتلهف فيها ما تبقى من وعي وقوة وإيمان(تذكروا نصيحة الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع) وهكذا في لحظات غيابالعقل وحضور الغفلة يكمل الغرب المنتصر في بداية القرن الحادي والعشرين ما بدأه فيبداية القرن العشرين وتحديداً يوم الـ16 من مارس 1916 يوم توقيع كل من (سايكس)وزير خارجية التاج البريطاني و(بيكو) وزير خارجية الجمهورية الفرنسية على معاهدةمفصلية تحمل اسمي الرجلين وهما مزهوان بانتصار الغرب على الغرب أي أنهما يمثلانإمبراطوريتين غربيتين مسيحيتين هزمتا أمبراطورية أوروبية مسيحية هي الألمانية(الجرمانية البروسية)، وكانت الولايات المتحدة في ذلك العهد لا تزال تغفو على فراشالمبدإ الولسوني نسبة للرئيس (وودوورد ويلسن) القائل بأن الولايات المتحدة جزيرةموصدة لا يعنيها ما يجري خارجها، فهي قارة مغلقة وبعيدة عن القارات الأخرى، وكانوزيره للخارجية (وليام برايان) يسعى لإعطاء ذلك المبدأ أبعاداً أخلاقية ترفض علىسبيل المثال المغامرات الاستعمارية الأوروبية ضد الشعوب المستضعفة، وهو ما شكل فيالواقع ضربة قاصمة للفكر الاستعماري واغتنمه بورقيبة التونسي ونكروما الغانيوسيكوتوري الغيني وسنغور السنغالي وهوشي منه الفيتنامي. أما اليوم فتقسيم العالمالعربي الذي وقع عليه الوزيران سايكس وبيكو انتهت صلاحيته وبات قابلاً للمراجعةالأميركية لأن الحرب الكونية الأولى (1914-1918) أعقبتها حرب كونية ثانية(1939-1945) لنفس الأسباب الداخلية الأوروبية تقريباً، لكن هذه المرة لم يكن الحسممع النازية ممكناً لولا دخول أميركا في الحرب بقوتها العذراء وغير المستعملةلإنقاذ بريطانيا وفرنسا من الهزيمة والاحتلال فتم القضاء على (المحور) المشكل منألمانيا الهتلرية وإيطاليا الموسولينية واليابان الإمبراطورية بالقنابل الذرية فيآخر المطاف (مدينتان يابانيتان هما هيروشيما وناجازاكي مسحتا من سطح الأرض بـ200ألف ضحية في دقائق في أغسطس 1945) وصعدت واشنطن إلى قمة الغرب الظافر لكنهااستوعبت الدرس واستخلصت العبرة، فالولايات المتحدة هي الحامية للقارة الأوروبيةالعجوز من أخطار العملاق السوفييتي بفضل المظلة النووية الأميركية المنشورة علىالأوروبيين خاصة فأدركت أن كل الدول الأوروبية الديمقراطية سمحت بإنشاء أحزابشيوعية فيها بعضها متطرف ومرتبط أيديولوجيا بموسكو مثل الحزب الشيوعي الأسباني أوالفرنسي أو الإيطالي، في حين شد الغرب وثاق العملاق الألماني واستعمرت الجيوشالأميركية والفرنسية والبريطانية أرض وشعب ألمانيا في عمل مشين ومذل وقسمتهمانصفين نصفا للمنتصر السوفييتي كحقه في الغنيمة بعد مشاركة ستالين وموسكو في الحربوالنصر، ونصفاً للحلفاء الغربيين، كما قسمت برلين وتم بناء جدار العار يفصل الشعبالألماني إلى جمهورية فيدرالية ليبرالية تتبع الغرب المنتصر وإلى ألمانيا شيوعيةتنتسب للمعسكر الماركسي بالقوة وتحول هذا التفوق الأميركي إلى تغول بعد انهيارالقطب الشيوعي مع انهيار جدار برلين في نوفمبر 1989 ثم ابتعد شبح الحرب الباردةإلى حين، فتشكل واقع جديد في لعبة الأمم يسمى ما بعد الحرب الباردة أو مرحلة القطبالأوحد (الأميركي طبعاً) استمر ربع قرن إلى أن ظهرت في العالم جيوستراتيجيا جديدة.

اليوم ونحن في 2014 انتقلت لعبة الأمم من أوروبا (موقعالحربين العالميتين) إلى الشرق الأوسط والقوقاز وأوكرانيا وإفريقيا بعد أن بسطتالصين الشعبية بقوة إنتاجها واستقرار مؤسساتها ومخزونها العالي من الدولار نفوذهاعلى كامل القارة الآسيوية تقريباً، وبعد أن خرجت أميركا اللاتينية من أزماتالاستبداد العسكري واختارت شعوبها إما الالتحاق بالليبرالية الأميركية أو مناهضتهابأنظمة شعبية مثل نظام (هوجو شافيز) في فنزويلا. وتحول صراع الأمم إلى حرب باردةجديدة بأشكال مختلفة تنتقل تدريجياً وفي مناطق عديدة من العالم إلى حروب ساخنةبالوكالة، ولا أدل لدينا نحن العرب من اشتعال حرائق سوريا والعراق وليبيا وبدرجةأقل اليمن ومصر، ولكن مأساتنا المستمرة هي في قلب الصراع المرير والجائر والطويلفي فلسطين وهو آخر قلعة من قلاع الاستعمار والاستيطان التي انهدمت تحت أقدامالمحررين العرب والمسلمين خلال القرن العشرين. ظل الاحتلال الصهيوني آخر موقعاستعماري يدينه ميثاق الأمم المتحدة ويبيح قتاله والتصدي له بكل الوسائل لأنه بكلبساطة مريعة يشكل منذ 1948 إحلال شعب دخيل مكان شعب أصيل، ولا أدل على هذه الحقيقةالمغيبة في زمن استشهاد 2500 غزاوي من أن أربعة ملايين مستوطن يهودي قدموا من جميعأنحاء الدنيا عوضوا أربعة ملايين فلسطيني هم اليوم إما تحت الخيام أو في شبهمحتشدات أو هاجروا إلى بلاد الله الواسعة ونالوا جنسياتها وكبر فيها أولادهم، وظلتأرض الوطن بالنسبة إليهم جرحاً نازفاً مع تعاقب الأجيال ومع مفاتيح بيت الأجدادالمحفوظ في الدولاب.

كيف نقرأ مصير لعبة الأمم ونحن في موقع الضحايا؟ لا حوللنا نحن العرب ولا قوة لمواجهة أمم تخطط وتتكاتف وتتشاور وتنسق فيما بينها مثلماكانت خلال قرون الحروب الصليبية التي بدأت من خطاب البابا (يوربان الثاني) فيكاتدرائية (كليرمون) في جنوب فرنسا والحروب الصليبية دامت قرنين من خطاب الباباسنة 1095 إلى مصرع ملك فرنسا لويس التاسع في قرطاج بإفريقيا (تونس) سنة 1270 ونفسالحملات الصليبية عادت مع ظاهرة الاستخراب (المسماة ظلما بالاستعمار) باحتلال الجزائرثم العالم الإسلامي على فترات متعاقبة والعمل على تنصيره والقضاء على العدو الموحدوهو الإسلام لأنه مشروع أخلاقي واقتصادي وثقافي تحريري يتصدى للطاغوت ويحرر العبادمن عبودية العباد ليعبدوا رب العباد. فماذا تغير اليوم ونحن نرى الآلاف منالفلسطينيين يسقطون شهداء تحت القصف الأعمى، ونرى آلاف الضحايا العرب يسقطون تحترصاص الجماعات العنيفة أو الضالة ثم نجد أن لعبة الأمم الصليبية الجديدة تناور حتىيطلب بعض العرب تدخلها العسكري وقد طلبوا ليستقر الاستيطان الصليبي المعاد إنتاجهمطمئناً هذه المرة بأن المسلمين في قبضته وتحت سيطرته بخيراته وطاقاته وعقوله، وهوما سمته الإدارة الأميركية في عهد بوش الابن والمحافظين الجدد بالشرق الأوسطالجديد أي مغارة الكنز المطلوب من النفط والغاز والمعبر الأوحد بين كل القارات،وطريق الغرب للشرق الأقصى، والسد المنيع ضد توسع الصين، والتطعيم الناجع ضد عودةروسيا لسالف قوتها. ونقول للعرب ونخبهم ما قاله الله تعالى (إن شر الدواب عند اللهالصم البكم الذين لا يعقلون ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولواوهم معرضون “الأنفال22و23) والبشر أولىبهذه الحكمة الربانية لأن الطبري يفسر الدواب بكل خلق دب على وجه الأرض.

صحيفة الوطن العمانية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات