السبت 10/مايو/2025

ما بعد العدوان

ما بعد العدوان

لم يلبث العدوان “الإسرائيلي” الدموي على قطاعغزة أن انتهى، حتى بدأت دوامة جديدة من الأزمات الفلسطينية بالظهور على سطحالعلاقات الراكد، وأخذت الأمور منحى انصبّ على قضايا أخرى، رغم أنها متعلقةبالعدوان وآثاره المباشرة، فإنها مرتبطة ارتباطاً عضوياً بإفرازات سنوات الانقسامالعجاف، وتكاد تكون العناوين البارزة لأي حل فعلي لهذه الأزمة العالقة حتى اللحظة.

بين إعمار ما دمره الاحتلال في خمسين يوماً من الدمارالشامل والاستخدام المفرط والموجه للقوة العسكرية الغاشمة بحق المدنيين العزل،والمنشآت المدنية والأممية التي بات الكثير منها أثراً بعد عين، وبين عذابات عشراتالآلاف ومآسيهم ومعاناتهم المستمرة والمتواصلة إلى أمد غير قريب، انتقالاً إلىمطلب رفع الحصار “الإسرائيلي” عن قطاع غزة، وغير ذلك من المطالب المحقةوالحيوية، يبدو الواقع السياسي الفلسطيني غارقاً في تفاصيل تتم استعادتها بشكلمتسارع.

هذه التفاصيل، شئنا أم أبينا، تنبع من أساس واحد، يتمثلفي ملف إنهاء الانقسام، وما أسفرت عنه الحرب العدوانية من تأجيل للبت فيه، ووضعالأسس السليمة لإنجازه، فالعدوان شمل بين أهدافه، المعلن منها والخفي، إعاقة مسيرةالفلسطينيين نحو إنهاء الانقسام، وصرف الاهتمام عن الملف لمدة من الزمن، يبدو أنهأراد لها أن تكون أطول ما يمكن، من خلال حجم الدمار الذي نشره في قطاع غزة، وماآلت إليه أوضاع الفلسطينيين هناك من تردٍ غير مسبوق.

إذاً فالمطلوب من الفلسطيني الغارق في أزماته وآلامه، أنيتحامل قليلاً عليها، ويحاول المضي في مسارات متوازية عدة، تشمل إزالة آثارالعدوان، وملاحقة الاحتلال على جرائمه، والنهوض بالوضع الداخلي، والعمل على رفعكامل للحصار، وإنجاز ملف إنهاء الانقسام، وهذا ما يتطلب بالضرورة استمرار الحواروالتفاهم الداخلي الفلسطيني.

التواصل والحوار يعنيان أمراً واحداً يرتبطان بهوينتجانه، يتمثل في التوافق والتلاقي، الأمر الذي يحتاج بالضرورة إلى تلافيالخلافات، ووضع تكتيك تراشق الاتهامات جانباً، والكف عن تسييس القضايا المطلبيةوالمالية والإغاثية، لكن ذلك لا يعني مطلقاً تجاهل واقع الخلاف أو ترحيله إلىالمرحلة المقبلة، فالمطلوب مقاربة شاملة تتيح إنهاء جملة من الأزمات التي تدور فيفلك الاحتلال وجرائمه وسياساته.

الاحتلال استغل الموقف كما يريد، وأوقف العجلةالفلسطينية عن الدوران، وما يؤسف له حقاً أن طرفاً أو أكثر على الجانب الفلسطينيأغفل هذه الحقيقة، وغرق في تفاصيل ومناكفات داخلية لا مكان لها في الوقت الحالي،وسمح لمخطط الكيان اختراق التفاهم الهش الذي تحقق بالكاد.

ليست معادلة سهلة ولا صعبة في الوقت ذاته، فالمطلوبمقاربة شاملة يتبناها الفلسطينيون كلهم وبشكل عاجل، تنطوي على اتفاق وإقراربأولوية إنهاء العالق من الملفات، ووضع حد لمحاولات الاختراق والإلهاء”الإسرائيلية”، وتوجيه الجهود في الاتجاه الصحيح المتمثل في تجريمالاحتلال، وتحميله مسؤولية جرائمه اللا متناهية، والالتفات إلى ملفات الإغاثةوالإعمار وإنهاء الانقسام وفك الحصار.

الفلسطينيون كلهم أمام لحظة فارقة في تاريخهم، فالاحتلالوصل إلى أعلى مراحل التصعيد، ومخططات التهويد تتسارع في القدس والخليل المحتلتينوغيرهما من المدن، والحصار مستمر فعلياً على القطاع، وإمكانية العودة إلى عدوانآخر ليست أمراً مستبعداً، لذا فإن المطلوب ليس إلا التحلي بالوعي والإرادةالسياسية للمواجهة الشاملة.

صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات