الأحد 11/مايو/2025

كيف نحافظ على انتصار غزة؟

كيف نحافظ على انتصار غزة؟

لقد احتفلنا جميعاً، مقاومة وشعباً، في غزة والضفة، وفيفلسطين المحتلة 48 وفي الشتات أيضاً، بانتصار المقاومة في غزة، الذي ساهمت فيهجماهيرها بصمودها ودعمها للمقاومة واستعدادها لتحمل الثمن المطلوب لتحقيقه. ورغمأن بعض مظاهر الاحتفال لم تكن كما ينبغي، حيث نظمت حركة “حماس” احتفالاًوحدها، ونظمت حركة “الجهاد الإسلامي” احتفالاً آخر وحدها، ورفعت كلمنهما أعلامها، ولا ندري إن كانت هناك احتفالات أخرى نظمتها أو ستنظمها فصائل أخرى.وكان من الأفضل أن ينظم احتفال واحد باسم “المقاومة الفلسطينية” وأنيرفع العلم الفلسطيني بدلاً من أعلام الفصائل، أو على الأقل إلى جانب تلك الأعلام،لكننا تعودنا منذ البدايات الأولى على هذه النرجسية الفصائلية!

ويعتقد كثيرون من قيادات المقاومة والسلطة، وكثيرون منالتجمعات الفلسطينية وقادة الرأي، وحتى الأفراد، أن المهمة الملحة بعد وقف إطلاقالنار تتمثل في المباشرة بإجراءات إعادة سبل الحياة إلى غزة وجماهيرها، وإخراجهاإلى الوجود من تحت أطنان القنابل التي ألقتها طائرات ال(إف 16)”الإسرائيلية”، وبدء إجراءات إعمار ما تهدم بفعل تلك الأطنان من القنابل.وليس من شك في أن المهمتين المذكورتين لهما الأولوية في السياق العادي، لكنه ليسمن شك أيضاً في أنه من المهم جداً أن يتحقق ذلك بالتزامن مع الطرح والتفكير جدياًفي السؤال الأهم في هذه اللحظة، الذي يخشى لنشوة الانتصار إن طالت أن تضيعه، أو أنتقلل من أهميته، وهو: كيف نحافظ على انتصار غزة؟

نعرف جميعاً أن الجزء الأهم في اتفاق وقف النار، وهوالمتعلق بالميناء والمطار، تأجل الحديث فيه مدة شهر من سريان الاتفاق، وأنالموافقة “الإسرائيلية” على الاتفاق، وما جاء فيه وما نفذ منه حتى الآن،وضع بنيامين نتنياهو وحكومته وائتلافه في مأزق، وفتح بينهم حروباً جعلت المراقبينيعتقدون أن انتخابات مبكرة للكنيست في الطريق. هذا يعني أن نتنياهو وأنصارهسيحاولون ما وسعهم الجهد، سواء خلال الشهر قبل أن تبدأ المفاوضات في القاهرة، أوأثناء المفاوضات، لملمة أوضاعهم والتوجه لنسف الاتفاق، والعودة إلى الحرب. والسؤالهو هل أعد الفلسطينيون أنفسهم لمثل هذا الاحتمال حقاً؟

في ضوء ما أعلنته فصائل المقاومة من أنها جاهزة لمثل هذاالاحتمال، على أساس شعارها “إذا عدتم عدنا”، يمكن ترك هذا الجانبالعسكري للأجنحة العسكرية التي ازدادت الثقة بها بعد ما كشفته وقائع الحرب وأداؤهاالمشرف فيها. ويكفي التنبيه إلى أنه يتوجب عليها أن تعزز من جهودها في هذاالاتجاه، بتعويض ما صرفته من صواريخ وذخائر، وتطوير مواصفات الأسلحة لديها، ولايقل أهمية من ذلك تكريس وحدتها في الميدان. وتبقى بعد ذلك الممارسة السياسيةوالموقف الفلسطيني الموحد أثناء مفاوضات القاهرة، هذا الذي كان أحد أسباب الانتصارالذي تحقق.

في هذا الإطار السياسي، تستوقفنا المحاولات الأمريكيةوالغربية لمقايضة الإعمار بنزع سلاح المقاومة، ومحاولات شق الموقف الفلسطيني الذيتوحد أثناء الحرب العدوانية، وذلك من خلال قصر التعامل مع السلطة الفلسطينيةوالرئيس محمود عباس، في محاولة لتجيير نصر المقاومة لمصلحة السلطة ورئيسها، من دونتغيير في سياستهما التي لا تتفق وضرورات المرحلة المقبلة. حتى الجزء الأسهل منالاتفاق والمتعلق بفتح المعابر، لا ترى الجهات المعنية الأمريكية والأوروبيةوالعربية عنواناً له إلا السلطة الفلسطينية. وكذلك أموال الإعمار والتصرف فيها.ويتناغم مع هذه التوجهات الأجنبية والعربية، ما جاء في خطاب الرئيس عباس بعد وقفالنار، وتأكيده أنه لن يقبل بوجود “حكومة ظل” في غزة، وإلا وداعاًلحكومة الوحدة! في هذا التصريح رائحة التهديد قوية، وكان المطلوب التأكيد عليها،ولكن بسياسات وصلاحيات جديدة ألقت عليها الحرب أضواءها الباهرة.

كان المطلوب من الرئيس محمود عباس قبل الحديث عن”حكومة الظل”، أن يتخذ مجموعة من القرارات الضرورية لإعطاء مطلبهالمصداقية كممثل للشعب الفلسطيني كله، مثل:

– التخلي وسحب خطاباته وتصريحاته المعادية للمقاومةوالكفاح المسلح من التداول.

– التخلي والإعلان عن انتهاء “اتفاق أوسلو”وما ترتب عليه من قيود على السلطة وأولها إلغاء “التنسيق الأمني” معالعدو الصهيوني وأجهزته الأمنية.

– الإعلان عن عدم صلاحية الإدارة الأمريكية وسيطاً في”عملية السلام”، والتوجه مباشرة إلى الرأي العام الدولي والأمم المتحدةومنظماتها وبشكل مباشر، وأولاها “محكمة الجنايات الدولية”.

– إلى جانب إطلاق المجال واسعاً للتحرك الشعبي في الضفة،ووقف عمليات الملاحقة والاعتقالات في صفوف الفصائل الفلسطينية المسلحة.

في هذه الحالة فقط، وبعد إعلان هذه المواقف جميعاً، لنتعارض فصائل المقاومة أن تكون السلطة ورئيسها عنواناً لكل من يخاطب الفلسطينيين،أو يريد المساهمة في مستقبل غزة أو مستقبل القضية الفلسلطينية، سواء باقتراحالحلول أو المبادرات لحلها. أما التنطح للحديث باسم الشعب الفلسطيني، خصوصاً بعدالحرب الثالثة على غزة، بالمنطق القديم الفاشل نفسه، وبالقناعات والمواقفالانهزامية الاستسلامية نفسها التي ثبت ضررها، فهو إهانة لدماء الشهداء وتضحياتالأحياء، وعودة إلى الحلقة المفرغة التي أردنا الخروج منها منذ سنوات ولم يتيسرلنا ذلك.

سيقول البعض إن هذه دعوة لو استجيب لها، تعني إعلانالحرب على الضفة مثلما هي معلنة على غزة. ولكن من ادعى، أو يمكن أن يدعي، أن الحربليست معلنة على الضفة قبل أن تعلن على غزة؟

صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات