الإثنين 12/مايو/2025

صورة إسرائيل المتآكلة في الأورغواي

صورة إسرائيل المتآكلة في الأورغواي

في حقبة الأربعينيات والخمسينيات بالأورغواي وخلال وفاقما بعد الحرب التي عانت منها البلاد من بعيد، عزز رعب معسكرات الاعتقال النازيةالتي بقيت كابوسا لدى شعب ذلك البلد العلماني الديمقراطي، ولجوء مهاجرين وملاحقينسياسيين منذ بدايات القرن العشرين، ووصول لاجئين أوروبيين إلى الأورغواي؛ الصورةالكارثية التي لاحقت من سموا أنفسهم “شعب الله المختار”، أي اليهود.

وكانت البلاد (الأورغواي) سخية مع هؤلاء الملاحقين -سواءأكانوا يهوداً أم غير يهود- فأقامت هناك الكثير من العائلات وحصلت على الجنسيةالأورغويانية.

أتذكر أنه في أجوائنا العائلية، كان من الممنوع ضمنياًأن نناديهم باليهود، كي نجنبهم استحضار فترة الإبادة للذاكرة، رغم أنهم من أصولقوقازية وليسوا من السامية في شيء، لا في جيناتها ولا في لغتها.

لقد سموا أنفسهم “يهوداً” ومارسوا دينهموطقوسهم بكل حرية، ثم تحولوا لضحايا مستوطنين وحصلوا على امتيازات، فلم يعودوابحاجة لتبرير أي شيء بسبب ما مروا به من معاناة.

ومنذ ذلك الوقت، ظهرت الاتهامات بمعاداة السامية ولغايةاليوم ضد أدنى بادرة تصنفهم كجماعة، وهذا ليس عدلاً بالنسبة لشعوب أخرى مضطهدةوملاحقة، تفتقر للامتيازات، ومن بينهم الأورغويانيون أنفسهم من جيل الخمسينياتوالستينيات الذين هم ضحايا نقص كفاءة السياسيين ووحشية العسكر.

إن الشرعية التي منحتها الأمم المتحدة لدولة لليهود(الشعب المطارد والمُباد حتى قبل وجود معسكرات الاعتقال حسب الأدب اليهودي) بدتفكرة إنسانية تسعى لحل مشاكل ذلك الشعب، مع انتشار الدعاية للأفكار الصهيونية،وخصوصاً عن طريق الأدب (روايات ليون أوريس كانت قراءات إجبارية للطبقة المتوسطة فيالأورغواي).

وقد قدم الأورغويانيون دعماً واسعاً لدولة “إسرائيل”،وبرزت فكرة “الكيبتوز” كمقاربة للمجتمع الراعي، بملامح اشتراكية استطاعتإقناع اليسار الأورغوياني، وهو تفصيل لم نكن ننتبه له في تلك الحقبة، لمن كنانراهم بعين العطف كونهم فارين من فظائع النازية، ووجدوا أرضا يتمكنون فيها منتطوير هويتهم.

كانت “البروباغاندا” تُظهر لنا وجهاً واحداًمن العملة في تلك الحقبة، وكانوا يُخفون عنا بتعمد أحقية الشعب الفلسطيني في العيشبتلك المنطقة أكثر من اليهود، ويحاولون إظهار المستعمرين الجدد كأبطال، أما العربفهم “أوغاد”. كانت الأمور معدة من أجل التمييز ضد الفلسطينيين،فالاستعمار الإنجليزي في المنطقة دفع إلى إنشاء دولة “إسرائيل” متجاهلاًدولة فلسطين.

أما السينما الأميركية فقد أخذت على عاتقها إظهار العربكعرق مخز وجاهل، لا شيء جديد إذن منذ الحروب الصليبية. وخلال بضعة عقود، صُدِّقتالحكاية.

أما بالنسبة لنا نحن الأورغويانيين، فلم نكن نعرف أصلاًما الصهيونية، وأنها أصولية متطرفة وخطرة كغيرها من الأصوليات، وحين تحدد أهدافهاتتحول لأصولية إرهابية، أما في حالة “إسرائيل”، فقد تحولت لإرهاب دولة.

وهكذا فقد كنا نؤمن خلال عقود كثيرة بالفوائد منارتباطنا بالولايات المتحدة وبخططها الاستعمارية المتنكرة بأسماء كـ”التحالفمن أجل التقدم” لكيندي، أو “خطة الكوندور” لنيكسون. وفيما كانوايقترحون علينا خططاً للتنمية، اجتاحوا بكل وقاحة كوبا في خليج كوتشينوس، حيث خرجتالقوات الأميركية الداعمة لكوبيين في المنفى بهزيمة نكراء من قبل حكومة فيدلكاسترو وحشود الشعب الكوبي. في تلك الفترة بدأت الولايات المتحدة بالتورط فيفيتنام، التي ألحقت بها هزيمة أخرى وآلافاً من القتلى من كلا الجانبين.

أظهر الزمن أن توسع دولة “إسرائيل” المتحالفةبشكل رئيسي مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، يشكل جزءاً من ذات الخطةالإمبريالية للاستيلاء على نفط الكوكب واستخدام “إسرائيل” كقاعدة وواجهةعسكرية في المنطقة.

وفي الوقت نفسه، كان يتم استبدال الشعب الفلسطينيوتهميشه انطلاقاً من ذات المبدأ العنصري الذي استخدمه المفكرون وصُنَّاع دعايةألمانيا النازية.  

وهكذا نرى أن “معاداة السامية”، هو مفهوميستخدم بشكل مشين في الإعلام وفي الدبلوماسية وفي لغة الصحافة، للإشارة إلى أولئكالذين يشككون بقوة الاحتلال الإسرائيلي و”اليهود” بشكل عام، وما زال(المصطلح) يستخدم كحجة لذبح وخنق شعب كامل، أما من يرددون مصطلح “معاداةالسامية” ويستخدمونه كورقة رابحة، فعليهم أن يدركوا أن هذا المصطلح المستخدمبطريقة عنصرية لم يعد مجدياً.

فالسامية هي مجموعة من اللغات ومن ضمنها العبرية بلالعربية أيضا، فالجهل المطلق يمهد الطريق أمام الخدمات الدعائية، وهو مورد استخدمهغورينغ للحديث عن “معاداة الألمانية” وتبرير إرسال اليهود والمثليينوالغجر والمعاقين وبعض الأقليات لمعسكرات الاعتقال وغرف الغاز.

إن سرقة الأراضي والاستيطان غير الشرعي والحروب الخاطفةكالعملية الأخيرة في قطاع غزة، تكشف عن خدعة مستهلكة، وهي تشبه كثيرا حروب احتلالالعراق وأفغانستان (بنسبة ضحايا مدنيين عالية) وتشبه أي مجزرة أخرى في حق مدنيينأبرياء.

واليوم في الأورغواي ترتفع أخيرا أصوات تحتج ضد وضع لايطاق في غزة، ولم يتردد الرئيس موخيكا في وصف الهجمات الأخيرة بالإبادة، إذ قُتلمئات الأطفال من بين مئات الضحايا المدنيين الآخرين.

أما لويس ألمارغو، وزير الخارجية فقد ضم صوته لاحتجاجالرئيس مصنِّفا الهجوم الإسرائيلي بالمجزرة، ومحتفظا بإجابة فظة لممثلي الجاليةاليهودية في الأورغواي. قبل هذه الإجابة، صاغ ألماغرو هذا السؤال: “هل تعتبرإدانة مقتل 400 طفل تطاولا؟” -إذا، سأستمر بالتطاول.

إنها المرة الأولى التي تنضم فيها الأورغواي -من خلالحكومتها- للأصوات المحتجة في أميركا اللاتينية، والتي أدانت بالإجماع تقريباً هذهالمجزرة الجديدة. في أميركا الجنوبية، كولومبيا فقط هي الحليف الوثيق للولاياتالمتحدة (التي لها سبع قواعد في أراضيها)، لم تُدِن قتل الأطفال من قبل نتنياهوالذي تفاخ

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات