السبت 10/مايو/2025

ما بَعْد سريـان الهدنة

ما بَعْد سريـان الهدنة

بين “إسرائيل” وقطاع غزة الآن «هدنة شاملةمتبادَلَة»، بدأت بوَقْفٍ «متزامنٍ» لإطلاق النار، بعد اتِّفاق الطَّرَفيْن، فينهاية المرحلة الأولى من مفاوضاتهما غير المباشِرة، في القاهرة، والتي قادهاالوسيط المصري، وسانَدَه آخرون، في مقدَّمِهم الولايات المتحدة، على جُمْلَة منالنِّقاط، التي منها أنْ تُسْتأنف هذه المفاوضات، قبل انقضاء شهر على سريان(ورسوخ) الهدنة، تَوَصُّلاً إلى اتِّفاق على ثلاث نِقاطٍ متبقيةٍ، هي: «الميناءالبحري»، و«المطار»، و«الأسرى».

إنَّها هدنة، «مُدَّتها» غير معلومة؛ ومصيرها مِنْ مصيرالتفاوض في شأنْ تلك النقاط الثلاث، والمتَّفَق على استئنافه، ومِنْ مصير مايُبْذَل (أو ما قد يُبْذَل) مِنْ جهد في مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار في شأنهذا النزاع؛ ورُبَّما يكون مصيرها مِنْ مصير ما يُبْذَل (أو ما قد يُبْذَل) مِنْجهد، أيضاً، للتأسيس لصلةٍ بينها وبين تسوية للنزاع العام بين إسرائيلوالفلسطينيين.

الفلسطينيون في قطاع غزة يحتاجون الآن إلى «التقاطأنفاسهم»، أيْ إلى هدنة، في أثنائها يُعالَج الجرحى، وتُرْفَع الأنقاض، ويُصْلَحما تشتد لديهم الحاجة إلى إصلاحه سريعاً، وتُدْخَل المعونات الإنسانية (من غذاءٍودواءٍ..) ومُسْتَلْزمات إعادة البناء، ويَتَزَوَّد الناس بالوقود والكهرباء،وتُدْفَع الرواتب، ويُسْتعاد شيءٌ من الحياة الاقتصادية الطبيعية، ويُعَدُّ سَكَنٌمؤقَّت للناس المُدمَّرة بيوتهم؛ وإلى هذه الهدنة تحتاج أيضاً الأذرع العسكريةللمنظمَّات الفلسطينية؛ فثمَّة خسائر تكبَّدتها، ولا بد من تعويضها في الهدنة.

إذا استمرت الهدنة، وثبتت، فالطرفان سيَستأنفان تفاوضهماغير المباشِر في القاهرة قبل انقضاء شهر على سريان الهدنة؛ وفي أثناء تفاوضهمايُفْتَرَض أنْ تستمر الهدنة؛ لكن ليس من إجابة عن سؤال «كم من الوقت سيَسْتَغْرقهتفاوضهما غير المباشِر في شأن النِّقاط الثلاثة مدار الخلاف؟».

«إعادة البناء المُقَرَّة والمُنَظَّمَة دولياً» لن تبدأقبل أنْ يتأكَّد المَعْنِيُّون بها دولياً، أو مانحو الأموال، أنْ لا حَرْب جديدةيمكن أنْ يشهدها قطاع غزة بعد سنتين، أو بعد سنوات عدة، أو مستقبلاً؛فـ«المُمَوِّلون الدوليون» لن يُقَدِّموا الأموال إلاَّ خِدْمَةً لسياسةٍ لهممصلحة فيها؛ ولن يُقَدِّموها إلاَّ بما يسمح باستعادة السلطة الفلسطينية نفوذها(ولو تدريجاً) في قطاع غزة.. حتى معابر القطاع البرية مع إسرائيل، ومع مصر، أيْمعبر رفح، لن تُشَغَّل على نَحْوٍ يُنْهي الحصار البري للقطاع، إلاَّ إذا قاد هذاالتشغيل إلى النتيجة نفسها، وهي استعادة السلطة لنفوذها في قطاع غزة.

حركة «حماس» لن تَعْتَرِض على ذلك مادام الطَّرفان علىتوافقهما في كل ما يتعلَّق بـ«الحكومة»، و«المنظَّمة»، و«الانتخابات (التشريعيةوالرئاسية)»، وبمسائل وقضايا أخرى كانت مدار نزاع بينهما.. وفي هذا السياق ليسثمَّة ما يمنع السلطة من نقل مقر رئاستها من رام الله (التي تبقى مقرَّاً للحكومة)إلى غزة.

«الهدنة» يمكن ضمانها دولياً بقرارٍ من مجلس الأمن الدولي،قد يتضمَّن نَشْر قوَّة (مراقبين) دولية على الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل؛ علىأنْ تكون للهدنة، القابلة لتمديدٍ مُتَّفَق عليه بين الطَّرفين، نهاية زمنية؛فإنَّ «إنهاء حالة الحرب» هو ما يمكن أنْ يحل محل الهدنة؛ ولا إنهاء لهذه الحالةقبل التَّوصُّل إلى «اتفاقية سلام».. وهذا «التدويل (بقرارٍ من مجلس الأمن)»للهدنة يجب ألاَّ يكون قبل التَّوصُّل إلى حلٍّ (يَرْضى عنه الفلسطينيون)لمشكلتيِّ «الميناء البحري» و«المطار»؛ كما يجب أنْ يأتي القرار الخاص به غيرمُتَضَمِّنٍ لمطلب إسرائيل نَزْع سلاح المقاومة.

وفي يد المقاومة الفلسطينية (في أثناء الهدنة) ورقة ضغطقوية هي «ميناءٌ بميناءٍ، ومطارٌ بمطارٍ»؛ فالفلسطينيون، وفي موازاة المفاوضات غيرالمباشِرة في القاهرة، يجب أنْ يُعِدُّوا العدَّة لبناء الميناء البحري، ولإعادةبناء المطار؛ فإذا اعتدت إسرائيل عليهم عسكرياً لمنعهم من المضي قُدُماً في ذلك،اعتدوا عليها بالمثل؛ فـ«ميناءٌ بميناءٍ، ومطارٌ بمطارٍ».

وإذا أرادت “إسرائيل” أنْ تَجْعَل الفلسطينيينأقل احتياجاً إلى الإسراع في بناء الميناء البحري، وإعادة بناء المطار، فإنَّعليها ألاَّ تعود إلى سياسة تشديد الحصار؛ وعلى مصر، أيضاً، أنْ تَفْتَح معبر رفحبما يُشْعِر أهل القطاع أنْ ليس من حصارٍ بريٍّ مصريٍّ لهم.

وأحسبُ أنَّ خير حلٍّ لهذه المشكلة، وللمشكلاتالمتفرِّعة منها، هو أنْ يَعْتَرِف مجلس الأمن الدولي، في قرارٍ له، بقطاع غزة علىأنَّه أوَّل جزء من إقليم «دولة فلسطين»، رُفِع عنه الاحتلال الإسرائيلي، ويحقُّلهذه الدولة بسط سيادتها الكاملة عليه.

صحيفة الوطن القطرية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات