السبت 10/مايو/2025

مأزق إسرائيل الاستراتيجي

مأزق إسرائيل الاستراتيجي

لمتنسحب “إسرائيل” من غزة في العام 2005 بل سحبت جنودها من القطاع الصغيرالمكتظ حمايةً لهم وتخففاً من الأعباء التي يفرضها القانون الدولي على الادارةالعسكرية للاحتلال. لقد تحولت غزة إلى سجن كبير يحاصره مستوطنون متعصبون وجيش حاقديسيطر على أجوائها وممراتها ومياهها وهوائها ويتحكم بحاجات أهلها الضرورية من ماءودواء وكهرباء وغذاء.

وليستهي المرة الأولى التي تمعن فيها البربرية الصهيونية تقتيلاً بالسكان المدنيينوتدميراً بالشجر والحجر. إنه مشهد مريع بات يتكرر كل عامين تقريباً: أبنية تدمرعلى رؤوس قاطنيها وأطفال يدفنون بالعشرات ومستشفيات تقصف وأحياء بكاملها تزال عنالخارطة. لكن النتائج السياسية نفسها تتكرر في كل مرة، ما يدل على المأزقالاستراتيجي الذي أضحت فيه الدولة الصهيونية.

المشهدنفسه كان يتكرر في لبنان طيلة عقود طويلة منصرمة، مع النتائج نفسها. وللمقارنةيمكن على سبيل المثال أن نتذكر الاجتياح “الإسرائيلي” للبنان في صيفالعام 1982 وتداعياته. وقتها اتخذت “إسرائيل” من محاولة اغتيال سفيرهافي لندن ذريعة لعملية سمتها “السلام للجليل” كهدف معلن تختبئ خلفه أهدافمضمرة كثيرة. اتهمت “إسرائيل” منظمة التحرير الفلسطينية وقتها ليتبينلاحقاِ أن جماعة أبي نضال المعادية لعرفات هي التي قامت بالفعل. واليوم تشن “إسرائيل”الحرب على غزة بذريعة خطف ثلاثة مستوطنين وقتلهم متهمة “حماس” من دون أيدليل، على خلفية مصالحة فلسطينية لا تريدها الدولة العبرية. أما الهدف المعلن فهوتدمير الأنفاق ومصانع الأسلحة البدائية التي يدافع بها الغزاويون عن أنفسهم، وهوهدف تختفي خلفه أهداف مضمرة كثيرة.

النجاحاتالعسكرية السريعة دفعت “جيش الدفاع “الإسرائيلي”” إلى توسيعهجومه ليصل إلى بيروت العاصمة التي راح يدكها بكل أنواع القنابل الجوية والبريةوالبحرية في حصار دام خمساً وسبعين يوماً. وكما غزة اليوم جابت صور الوحشية “الإسرائيلية”ضد لبنان أرجاء العالم الواسع فتسببت بانتقادات وتنديدات الرأي العام العالمي.وكما وجد لبنان نفسه وحيداً بالأمس في مواجهة العدوان، تجد غزة نفسها وحيدة في وضعاقليمي منصرف إلى هموم أخرى. وكما شكلت واشنطن درعاً واقية للعدوان على لبنان، فيمجلس الأمن، يتكرر المشهد اليوم في غزة والتي في حمأة العدوان عليها يوقع الرئيسأوباما مساعدة بقيمة 275 مليون دولار لتطوير ما يسمى بالقبة الحديدية “الإسرائيلية”.

ماأشبه اليوم بالبارحة ولو أن التاريخ لا يعيد نفسه نظراً إلى تغير الظروف والنظامالدولي. حتى النتائج المنبثقة عن الاعتداءات “الإسرائيلية” تبقى نفسهافي كل الحالات. فالانتصارات العسكرية “الإسرائيلية” لم تؤت يوماً أكلهاالسياسية. وإذا وافقنا على أن الحرب استمرار للسياسة بوسائل أخرى، بحسب مقولةكلاوزفيتز الشهيرة، فإن الحروب “الإسرائيلية” التي بقيت من دون ثمارسياسية تشي بوجود مأزق استراتيجي حقيقي.

لقدأنتج الاحتلال “الإسرائيلي” للبنان بعد حرب 1982 مقاومة وطنية اضطرتهإلى الانسحاب عنوة، وفي غزة أنتج الاحتلال مقاومة تطورت لتخرج من رحمها تنظيماتمثل حماس والجهاد الاسلامي التي تؤمن بالكفاح المسلح وسيلة لاسترجاع الأرض، تقوىحجتها بما تمارسه “إسرائيل” من تسويف ومماطلة في مفاوضاتها مع السلطةالفلسطينية والتي لم تنتج شيئاً منذ أكثر من عشرين عاماً.

بعدتاريخ طويل من الحروب والاعتداءات المتكررة اضطر “الإسرائيليون” إلىالفرار من لبنان من دون إجباره على توقيع وثيقة واحدة أو اتفاق واحد، وما تزال حالالحرب وعدم الاستقرار قائمة على الحدود. بمعنى آخر تبقى نتيجة الحروب صفراًسياسياً واستراتيجياً مكعباً. في غزة ماذا تريد “إسرائيل”؟ الهدوء مندون أي مقابل واستمرار حالة الحصار؟ لن يوافق الغزاويون على ذلك مهما عظمتالتضحيات. تريد تدمير الأنفاق؟ سوف يعود الشبان الفلسطينيون إلى بناء المئات منهافي زمن قصير وكذلك الاستمرار في ما يمكن تهريبه وتطويره من سلاح وصواريخ تزرعالرعب في قلوب المستوطنين رغم فعاليتها الضعيفة. أما احتلال غزة فإن حصل فسيكونعلى حساب خسائر بشرية لا قبل ل “الإسرائيليين” بتحملها ناهيك عنالتكاليف الباهظة للاحتلال والذي لن يقوى على الاستمرار تحت ضربات المقاومة وحربالعصابات.

ماالعمل إذن؟ إنه مأزق حقيقي من الناحية الاستراتيجية لا يمكن الخروج منه الا بفكالحصار عن غزة كخطوة نحو اقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة.. وهذا ما فعلهالاتفاق الأخير على وقف النار، إذ إن غزة ستخرج من الحصار، من دون أن تحقق “إسرائيل”شيئاً من أهدافها.

صحيفةالخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات